عائلة سورية هربت من العنف في حمص إلى ليبيا |
لندن: هو تحت عينيه بقع بنفسجية اشبه بالكدمات وهي تخفض عينيها محدقة في الأرض. وجوه اطفالهما الثلاثة مكسوة بلسعات البعوض. والجميع يجلسون على حشيتين من متبرعين على ارض سكنهم المؤقت. الرجل يأخذ على عاتقه الكلام. عندما هربت العائلة من حمص قبل شهرين كانت المدينة اصبحت مسلخا. ويقول حمامصة إن قوات الرئيس بشار الأسد كانت تقصف السكان المحاصرين وكأنهم حيوانات في قفص.
وكانت المجازر تسفر عن جنائز والتظاهرات تنتهي بمزيج من المجازر. ويتذكر اللاجئ محمد انبطاحه على الأرض خلال مشاركته في جنازة عندما بدأت قوات النظام اطلاق النار لتتساقط عليه جثث الضحايا الذين كانوا ابطأ منه في الانبطاح. وقال محمد بصوت متهدج لمراسل مجلة تايم quot;انهم لم ينبطحوا بسرعة كافية فقُتلواquot;.
وكان نزوح العائلة لا يقل فجاعة، فان افراد العائلة المؤلفة من اربعة بالغين وستة اطفال نجوا باعجوبة من القصف حين تركوا بيتهم وهربوا جنوبا باتجاه الحدود الاردنية. وتقول العائلة انها الآن بأمان لأنها تبعد نحو 1600 كلم عن حمص في مدينة بنغازي الليبية.
وكان آلاف اللاجئين السوريين انتقلوا الى ليبيا رغم عدم توفر ارقام رسمية عن عددهم. وفي مدينة بنغازي قال يحيى الجمل الذي يعمل في منظمة انسانية لمساعدة اللاجئين السوريين انه سجل أكثر من 700 عائلة سورية وصلت في آذار/مارس وحده.
ونزح غالبية اللاجئين من مدينتي حمص وحماة عندما بدأت قوات الأسد قصف المناطق المدنية التي شهدت احتجاجات واقام الجيش السوري الحر معاقل فيها. ولكن الذين لجأوا الى ليبيا يقولون انها كانت الأكثر ترحيبا بهم من غالبية الدول الاخرى رغم مصاعب المرحلة الانتقالية التي يمر بها البلد في الوقت الحاضر.
وكانت الحكومة الانتقالية الليبية من اول الحكومات التي اعترفت رسميا بالمجلس الوطني السوري. وقال الناشط السوري طارق زياد من حمص لمجلة تايم ان لا احد من السوريين يعيش في مخيم لاجئين quot;بل فتح الليبيون لنا بيوتهم وهم يعملون لمساعدتناquot;. واضاف ان خطباء المساجد يدعون لسوريا بانتهاء معاناتها في كل صلاة وهم احيانا يشاركون في التظاهرات.
وتلتقي المرارة بالطيبة في ضيافة الليبيين لأشقائهم السوريين. وقال الجمل الذي كانت منظمته تنقل امدادات طبية الى مخيمات اللاجئين في تركيا quot;ان الليبيين ذاقوا الألم نفسه ولهذا السبب يمدون يد المساعدة لناquot;.
ويقول كثيرون ان سبب الأمان في ليبيا هو نجاح ثورتها فيما الصراع ما زال مستمرا بين قوى غير متكافئة في سوريا. ويؤكد ليبيون انه لهذا السبب تحديدا يتعين على حلف الأطلسي واوروبا والولايات المتحدة ان تدعم المقاومة السورية. وقال العقيد صلاح بوحليقة قائد كتيبة شهداء الزاوية لمجلة تايم: quot;لماذا تدخل حلف الأطلسي في ليبيا؟ بسبب الظلم وللسبب نفسه عليهم ان يساعدوا سورياquot;.
وتتبدى هذه المشاعر بحدة خاصة في بنغازي. ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي كانت قوات القذافي على ابواب المدينة خلال الساعات الأخيرة التي سبقت قرار مجلس الأمن الدولي مانحا حلف الأطلسي تفويضه بالتدخل، وكانت تقصف الاحياء الواقعة على اطراف المدينة بقذائف الدبابات والهاون. وقال سعد عبد القادر من سكان بنغازي انه quot;لو لم يفعل حلف الأطلسي شيئا لانتهت بنغازي وانتهيتُ معهاquot;.
ولكن السوريين الذين نزحوا من حمص طالبين الأمان في بنغازي، شقيقة مدينتهم في الربيع العربي، يعتقدون ان هناك اسبابا خبيثة وراء الحقيقة الماثلة في ان حمص ليست بنغازي. وقال اللاجئ السوري عمار quot;ان 13 شهرا مرت ولم يساعدنا احد لأن ذلك ليس من مصلحتهمquot; مشيرا إلى أن quot;لدى ليبيا نفطا وغازا ونحن لا نملك ايا منهماquot;. وعبر صديقه محمد عن المشاعر نفسها بطريقة مغايرة قائلا quot;ان الليبيين قادرون على ان يدفعوا ثمن حربهم. انهم يستطيعون ان يسددوا لحلف الأطلسي ما عليهمquot;.
ويذهب محللون ومسؤولون سياسيون إلى أن الوضع اعقد من ذلك. وهم يشيرون الى البعد الطائفي في سوريا ومعارضتها المنقسمة، ويلفتون الى قربها من العراق حيث فجر الغزو الاميركي عام 2003 سنوات من سفك الدماء الطائفي وانعدام الاستقرار المستمرين حتى الآن. كما يتحدث هؤلاء المحللون والمسؤولون عن تأييد قطاع يبدو واسعا من السكان لنظام الأسد بالمقارنة مع نظام القذافي فضلا عن دعم حلفاء اقوياء مثل روسيا والصين وايران.
ولكن العائلات السورية التي هربت من كابوس النظام في شوارع حمص الى بنغازي لا يقتنعون بهذه الأعذار. ويقول محمد الذي تعيش عائلته الآن في بنغازي quot;نحن بلد فقير. ألهذا لا يبالون بنا؟ ألهذا ليس لدينا اعلام في الداخل؟ ان فرصة أُتيحت لدخول الاعلام الى ليبيا وفضح الكثير من الأسرار ولعل هذا هو السبب في مساعدتهمquot; من الولايات المتحدة واوروبا. ثم توقف وقد تلبدت تعابير وجهه بمشاعر الحزن والغضب قبل ان يواصل الحديث متسائلا quot;هل لأنهم يريدون ثمنا لدمائنا؟ أم لحماية اسرائيل، والأسد هو اكبر حماة اسرائيل؟quot;
في 11 نيسان/ابريل وافق نظام الأسد على وقف اطلاق النار بموجب خطة المبعوث الدولي كوفي انان. وتشير ارقام الأمم المتحدة الى مقتل 9000 شخص منذ اندلاع الانتفاضة قبل 13 شهرا بالاضافة الى ربع مليون مهجر ونازح. وقالت المعارضة انها لا تثق بتعهدات النظام بوقف اعمال القمع والتنكيل مؤكدة ان تعهدات مماثلة سبقت حملات النظام العسكرية على معاقل المعارضة.
ونقلت مجلة تايم عن اللاجئ محمد quot;ان قتل كلب أو قطة في اميركا يثير الحزن على هذا الحيوان. وفي سوريا فان الذين يُقتلون كل يوم هم اطفال وبشرquot;. وكانت طفلته ذات الأربع سنوات تتطلع اليه جالسة على الأرض. ثم اضاف محمد quot;ان هناك سؤلا آخر. هل لأننا مسلمون؟quot;
التعليقات