المهاجرون ذوو الأصول المغاربية يصوتون لأحزاب اليسار

يقترب سباق الانتخابات الرئاسية الفرنسية من منعطفه الأخير، وباقترابه ستنحبس أنفاس الناخبين الفرنسيين ذوي الأصول المغاربية عند لحظة الإعلان عن سيد الاليزيه الجديد. بين فرانسوا هولاند مرشح الحزب الاشتراكي الذي يعد بانتهاج سياسة أكثر توازناً مع ملفات الهجرة والرئيس الحالي نيكولا ساركوزي الذي لم يلق يوماً شعبيةً لدى غالبية مكونات هذه الفئة من الفرنسيين، الاختيار بدا واضحاً لديهم، في انتظار يوم الأحد القادم، موعد الحسم.


على الرغم من أن التقاليد الجمهورية في فرنسا تمنع منعاً باتاً السؤال حول أصول الأشخاص المستجوبين وديانتهم خلال استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات، إلا أن بعض الأبحاث السوسيولوجية تشير إلى أن أصوات ذوي الأصول المغاربية ذهبت في مجملها خلال الدور الأول من الانتخابات الفرنسية إلى حزبيْ اليسار ممثلين في مرشحيها، فرنسوا هولاند عن الحزب الاشتراكي و جون لوك ميلونشون عن حزب اليسار(59 بالمائة للأول و 23 بالمائة للأخير).

وعن نوايا تصويت الفرنسيين ذوي الأصول المغاربية خلال المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستقام يوم الأحد القادم يصرّح الدكتور اسماعيل العشار عالم الاجتماع في مركز دراسات الحركات الاجتماعية في فرنسا، لـquot;إيلافquot;: quot;من المبكر جداً الإدلاء بحكم قاطع فالتحاليل المعمّقة حول الموضوع سوف تجرى حتماً بعد ظهور النتائج واستطلاعات الرأي التي يقوم بها علماء الاجتماع والمحللون السياسيون لا تدرج أصول الناخب الإثنية في قائمة الأسئلة بل ينصبّ الاهتمام بالأساس على عمر الناخب وجنسه ومستواه الثقافي، إلى غير ذلك...quot;.

وفي هذا الصدد، تشير الدكتورة ميرنا صافي عالمة الاجتماع والباحثة في كلية العلوم السياسية في باريس لـquot;إيلافquot; إلى أن فئة الناخبين هذه ليست متجانسة اجتماعياً لكنّ منتسبيها لديهم شعور مشترك بالحيف وبالتمييز المسلط عليهم في المجتمع الفرنسي وهذا كفيل بتوجيه اختياراتهم السياسية نحو أحزاب اليسار تماماً مثل الأقليات العرقية في الولايات المتحدة على سبيل الذكرquot;.

وعود فرانسوا هولاند

وتعود أسباب ميل الجالية ذات الأصول المغاربية نحو التصويت إلى فرانسوا هولاند زعيم الحزب الاشتراكي، للوعود الانتخابية التي قدمها هذا الأخير في ما يتعلق بمحور الهجرة من تسهيل عملية لمّ شمل العائلات والترفيع في عدد الطلبة الأجانب الذين تستقبلهم فرنسا كل سنة إلى جانب تخفيف إجراءات وآجال الانتظار لملفات طالبي اللجوء من سنة إلى ستة أشهر فقط. سياسة تتسم بالمرونة ونوع من الانفتاح إذا ما تمت مقارنتها بتلك التي رسّخها نيكولا ساركوزي مرشح حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية طيلة خمس سنوات قضاها في الحكم، تطبعت بالحدة وضيق الصدر في التعامل مع هذه الملفات. تقول الدكتورة صافي: quot; في بداية فترته الانتخابية التي انطلقت عام 2005 سجّل ساركوزي بعض النقاط الإيجابية في مسائل متعلقة بالهجرة وفي مجالات العمل وأوقات الدوام الجزئية للطلبة الأجانب إلى غير ذلك، لكن الأمر سرعان ما انقلب إلى قوانين مشطّة تضيّق على الهوية والزواج المختلط وقانون النقاب وغيرهاquot;.

ويلفت الدكتور العشار النظر إلى أنه: quot;فيحال وصول فرانسوا هولاند إلى سدة الحكم فإن تعامل هذا الأخير مع ملف الهجرة لن يكون أسوأ من تعامل ساركوزي مع الموضوع. إذ إن برنامج هذا الأخير يرتكز بالأساس على تشديد التشريعات التي تنظم دخول وإقامة وطرد الأجانب بأساليب قمعية، تضمن إعادة رسم الحدود، والهدف من ذلك جلي: جعل ملف الهجرة محوراً لمكافحة انعدام الأمن الاجتماعيوالوطني. فيما يبدو برنامج مرشح الحزب الاشتراكي بقيادة هولاند أقل تعسّفاً وأكثر ميلاً نحو إرساء سياسة هجرة متوازنة تشمل في ما تشمل إضفاء مرونة أكبر على انتداب أجانب للعمل في القطاعات التي تحتاج إلى ذلك، إعادة النظر في سياسة الاستقبال والإدماج واتخاذ إجراءات بالاشتراك مع دول أوروبية أخرى ومع الدول المصدّرة للمهاجرين لبناء ما يطلق عليه التنمية التضامنيةquot;.

وتشير الدكتورة صافي إلى أن فروق التعامل بين مرشحي الرئاسة الفرنسية مع ملف الهجرة قد لا تكون كبيرةً كون المسألة ذات حساسية كبرى في فرنسا وفي أغلب الدول الأوروبية لذا فإنه من المستبعد أن يقوم السياسيون بإجراءات ثورية راديكالية في هذا المجال. بَيْدَ أن صعود اليسار الفرنسي للحكم قد يجعل مقاربة هذه المسائل تدور في أجواء أكثر هدوءاً واتزاناً وقد تفضي إلى تحسن عملي في نمط عيش المهاجرين خصوصاً في ما يتعلق بتجديد بطاقة الإقامة وإجراءات ملاحقة المهاجرين غير الشرعيين وتعويض ذلك بدمج أكبر عدد منهم في المجتمع الفرنسي.
ثم تشير الخبيرة إلى أن مسألة منح حق الانتخاب للأجانب في الانتخابات المحلية البلدية لغير مواطني الإتحاد الأوروبي يحظى بمكانة هامة في هذا المحور، وهو أحد الوعود الانتخابية التي قد يفي بها فرانسوا هولاند في حال فوزه للرمزية الشديدة التي تنطوي عليها المسألة. مقابل ذلك يبدي نيكولا ساركوزي رفضاً قطعياً تجاه الأمر منسجماً في ذلك مع ممثلة أقصى اليمين الفرنسي، مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية.

الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان تحقق نتيجةً قياسيةً في الدور الأول

ويبدو أن النتيجة التاريخية التي تحصلت عليها مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية في الدور الأول (18بالمائة من مجموع الأصوات أي 6 ملايين وأربع مائة ألف صوت) ما زالت تخيّم على الأجواء خصوصاً وأن ساركوزي يعمل جاهداً على استمالة هذه الأصوات لفائدته بتركيزه على ملف الهجرة، أكثر الأوتار طنيناً في معزوفة الهوية.

ويشدد الدكتور العشار على أنه: quot;مهما كانت نتائج الدور الثاني من الانتخابات فإنّ وجود الجبهة الوطنية في المشهد السياسي الفرنسي، أصبح أمراً واقعاً لا بد من التعامل معه...فخطاب أقصى اليمين الفرنسي يشمل محاور مثل اللائكية والليبرالية والأخلاق العامة والشغل والسكن والطبقات الفقيرة وجميعها مسائل ذات أهمية قصوى. مارين لوبان لا تهاجم المهاجرين تحت يافطة العنصرية والفاشية بل هي تفعل ذلك تحت مسمّى الحفاظ علىقيم الجمهورية. هي ركزت تحديداً على الطبقات الشعبية التي تخلت عنها قوى اليسار منذ فترة طويلة مفضلةً نقاشات فكرية حول العولمة والهوية الكوسموبوليتية وغيرها من المواضيع النخبوية...quot;.
وفي هذا الشأن، تعتقد الدكتورة صافي أنه على الرغم من التباينات الاجتماعية بينهم، فإن ناخبي الجبهة الوطنية يؤلفهم موقف موحّد يعادي الهجرة وينضح بالإسلاموفوبيا: quot;هذا يعكس في ما يعكس أن فرنسا اليوم لم تعد تحترم تنوعها الثقافي فالفضاء السياسي حول هذه المسائل محتكر بصفة شبه كليةً من قبل اليمين المتطرفquot;.

أقصى اليمين في بلدانهم الأصلية ويساريون جداً في بلدان المهجر...

هذا وقد أثارت دعوة بعض أئمة المساجد في فرنسا، الجالية المسلمة للتصويت إلى مرشحيْ اليساروأقصى اليسار ردود أفعال حائرة لدى المحللين في الدول المغاربية الذين تساءلوا عن سر تصويت أغلب أفراد هذه الجاليات لليسار في فرنسا مقابلتصويتها بكثافة لأحزاب أقصى اليمين في دول الأصل حيث صعدت أحزاب أقصى اليمين الدينية، النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب: quot; هي سكيزوفرينيا (فصام) حادة وسلوك مبني على النفاق لدى أفراد هذه الجاليات فهم يصوتون لليسار الداعم لحقوق الإنسان في دول المهجر حيث يعيشون بينما يصوتون لأحزاب دينية كليانية لا تؤمن بالديمقراطية في دول الأصل التي لا يعيشون بها أصلاً. فليأتوا للعيش هنا و يتمتعوا بالأحزاب المتطرفة التي صوتوا لها بكثافةquot; على حد تعبير شكري اللواتي الطالب في كلية الحقوق في تونس.

ويفسر الدكتور العشار هذا التناقض في السلوك الانتخابي للجالية ذات الأصول المغاربية، بأن أفرادها في أغلبهم: quot;محافظون وغير متسامحين ويبدون رفضاً للآخر المختلف كما أغلب أفراد الشعوب العربية. ولا يقتصر رفض الآخر على الأفراد فقط بل يمتد ليشمل الدول العربية وهياكلها الرسمية. لذلك فإنه لا يجب فهم تصويت هذه الفئة من الناخبين لليسار على أنه انتصار لقيم التسامح والانفتاح والمبادئ التقدمية ولا يعكس رغبةً في التعايش مع الجميع في عالم أفضل بل هو لا يعدو أن يكون سوى اعتقادهم في أن الأحزاب اليسارية توفر حمايةً أكبر المهاجرين وتنتهج سياسات أكثر مرونة في احترام ثقافة الآخر (بناء المساجد، حرية ممارسة المعتقد للجميع ، الخ...) إذن فتصويت المهاجرين لأحزاب اليسار ليس سوى استراتيجية لضمان هذه الحقوق ليس إلاquot;.
ورغم كل هذه الإرهاصات التي تثيرها قضايا المهاجرين في فرنسا إلا أن الخبير يرى بأن ملف الهجرة بصورة عامة لا يندرج ضمن أولويات الفرنسيين الذين يولون عناية اكبر حسب الدراسات بالتشغيل ( 81 بالمائة) يليه النظام الاجتماعي (73 بالمائة) ثم المقدرة الشرائية (68 بالمائة) بعيداً عن ملف انعدام الأمن الذي يأتي في المرتبة السابعة بـ (49 بالمائة).