عادةً ما يستعصي الوصول إلى الحقيقة معرفة تفاصيل ما جرى في القضايا التي تجمع زعماء الدول ضمن علاقات هجينة تختلط فيها مجموعة من الأمور. السؤال الكبير الذي يطرحه المتابعون في فرنسا اليوم، إن كان فعلاً القذافي بحكم علاقة خاصة جمعته في فترة من الفترات مع ساركوزي، دعم حملتهللانتخابات الرئاسية سنة 2007.

رغم هزيمة ساركوزي في الانتخابات، التساؤل مازال مطروحًا: هل موّل القذافي حملته في العام 2007 ؟

باريس: مازال الجدل محتدمًا في فرنسا حول الانباء التي تتحدّث عنسعي نظام معمر القذافي إلى تمويل حملة ساركوزي الانتخابية العام 2007.

وفي هذا السياق، يتحدث الباحث كريم إيميل بيطار لـ إيلاف عن نوع من quot;علاقة حميمة تكونت بين كل من ساركوزي والقذافي في فترة من الفترات، وهذا يؤدي به إلى التساؤل عن السر وراء تطور هذه العلاقة بشكل يستغرب له حتى اليوم العديد من المتتبعينquot;.

الكل يذكر زيارة العقيد إلى باريس وما أحاط بها من انتقادات بعد أن بسط الإليزيه السجاد الأحمر لصاحب quot;الكتاب الأخضرquot;، وخصص له فضاء في قلب عاصمة الأنوار لبناء خيمته وسط احتجاجات حقوقية بل وحكومية، كذلك عقب التصريح الشهير للوزيرة المكلفة بحقوق الإنسان ذات الأصول السينغالية راما أياد وقتذاك.

لتفسير عمق هذه العلاقة الساركوزية القذافية في مرحلة من المراحل، يعود الباحث في معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية إلى كتابين نشرا حديثًا، للمديرة السابقة لمؤسسة quot;أريفاquot;، والتي ذكرت في كتابها الاولquot;أن إدارة ساركوزي كانت ترغب في بيع مفاعل نووي للقذافيquot;.

والكتاب الثاني الذي يقف عند هذه العلاقة الخاصة جدًا والمتشابكة الخيوط، هو عبارة عن سيرة ذاتية لساركوزي تكشف فيه صاحبته quot;أن ساركوزي كان يسعى إلى أن يعطي لزوجته الأولى سيسيليا الانطباع بإشراكها في قضية الممرضات البلغاريات، وأن لها دورًا مهمًا بهدف أن تبقى إلى جانبهquot;.

جاء دور موقع quot;ميديابارتquot; الذي نشر وثيقة من توقيع مسؤول ليبي سابق وتقول الوثيقةإن النظام الليبي السابق خص ساركوزي بـ 50 مليون يورو في حملة الانتخابات الرئاسية سنة 2007، وهو ما نفاه على التو الرئيس المهزوم في الانتخابات ساركوزي، ومعه باقي مكونات الأغلبية الحاكمة، وقدم شكوى ضد الصحيفة الإلكترونية، ردت عليها الأخيرة بالمثل.
موقع ميديا الذي يديره صحافي معروف اسمه أودي بلونيل، يقول كريم بيطار إنه،quot;يمارس صحافة التحقيق، ويشن حملة على ساركوزي منذ مدة، وسبق أن قام بالشيء نفسهمع فرانسوا ميتران وتبين أن ما نشره في ما بعد بخصوص الرئيس الاشتراكي صحيحquot;.

انطلاقًا من هذا الأمر، يؤكد الباحث أنه quot;لا يمكن القول اليوم إن ما ينشره موقع ميديابارت مزيف، حتى و إن كان من الصعب معرفة الحقيقة ولربما للأبد، لأن الوضع الليبي يبقى معقدًا ولا يمكن أن نعرف ما جرى بالتحديدquot;.

أبعاد القضية

يوضح بيطار أن quot;التمويل الأجنبي للسياسيين الفرنسيين يؤرق الحياة السياسية الفرنسية منذ سنوات، وليست هي القضية الأولى التي تطفو إلى سطح الأحداث، مذكرًا بحالات سابقة كما حدث مع فرنسي من أصل سينغالي عرف بنقله للأموال من زعماء أفارقة نحو سياسيين فرنسيينquot;.

يعتقد ضيفنا أن quot;أبعاد هذه القضية تتجاوز العملية الانتخابية. فهي طرحت عامل الثقة بين ساركوزي والفرنسيين الذين كان لهم الاستعداد لتصديق كل ما يثار بحقه، حتى وإن كانت هذه المعلومات غير صحيحة دون أن يؤثر ذلك بقوة على التصويت في الانتخابات الرئاسية.

ويفسر عدم تضرر ساركوزي انتخابيًا من هذه القضية لكون quot;أنصاره سمعوا كثيرًا من الفضائح،لكنه يتحمل جزءاً من المسؤولية في أنه دخل في مساومات عديدة مع نظام القذافي دون أن يؤثر ذلك عليه انتخابيًا إلا أن الفرنسيين يستغربون في الوقت نفسهالعلاقة الحميمة جدا التي جمعته مع القذافيquot;.

كما يعتقد البعض أن هذه القضية أثيرت بتحريض من طرف خصوم ساركوزي المحسوبين على النظام الليبي السابق، وتحينوا فرصة الانتخابات الرئاسية لضربه سياسيًا بهز ثقة الفرنسيين فيه وبالتالي عدم التصويت له في هذه الانتخابات.

حرب البلاغات

قضية التمويل المفترض للحملة الانتخابية لساركوزي تعود إلى الأيام التي اشتد فيها سعير الحرب ضد نظام القذافي، صرح سيف الإسلام نجل العقيد الراحل أن ليبيا قدمت أموالاً لفائدة ساركوزي بغرض استعمالها في حملته للانتخابات الرئاسية سنة 2007.

عاد هذا الموضوع الخطير على مستقبل ساركوزي والأغلبية اليمينية عامة مع نشر موقع ميديابارت لوثيقة تنسب الى النظام السابق، بتوقيع من موسى كوسا رئيس الاستخبارات الليبية تؤكد أقوال سيف الإسلام الرجل الثاني في نظام والده، والذي كان يحضر نفسه لتولي حكم البلاد عند رحيل الأب.

فيما وصف القائد السابق للاستخبارات الخارجية في ليبيا موسى كوسا، الذي يقيم اليوم في ما أسماه متتبعون quot;بالمنفى الإجباريquot; في قطر، وصف هذه الوثيقة quot;بالمزيفةquot;، مصرحًا quot;أن هذا الكلام ليس له أي اساس من الصحة وهذا موضوع لا يمكن الوقوف عندهquot;.

حرب البلاغات بين جناحين في تركيبة السلطة الليبية، الأول قريب من المجلس الانتقالي الوطني، والثاني مازال يتعاطف مع رموز النظام المنهار، بدأت على لسان محامين بين مؤكد لتصريح الوزير الأول محمود البغدادي المسجون في تونس ونافٍ له.

وكان رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل هو أول من أعلن عن عدم صحة هذه الوثيقة، موضحًا في ما بعد أن السلطات الليبية الجديدة عادت إلى الأرشيف الليبي ولم تعثر على أي أثر لوثيقة من هذا النوع كما أن شخصيتين من النظام السابق إحداهما كانت ترأس الاستخبارات الليبية الخارجية، كما يفيد عبد الجليل،أكدتا أن هذه الوثيقة غير صحيحة، لكن المدير الإداري للمجلس، والذي اتصل به موقع ميديابارت له رأي آخر، فهو يتحدث عن quot;مشكل داخليquot; ، مضيفًا أنه لم يتم التأكد من صحة الوثيقة.
الحقيقة التي يجمع حولها كل المراقبين هي أن القذافي عرف quot;بسخائهquot; تجاه بعض الأنظمة والمجموعات المسلحة كما حصل مع جبهة البوليساريو جنوب المغرب لأهداف يعرفها وحده، كما أن وجود رمزين من رموز النظام السابق، الأول في قطر والثاني في باريس يدفع البعض إلى التساؤل حول الغاية من عدم تقديمهما إلى العدالة الليبية أو الدولية.

وإن كانت القضية الليبية لم يظهر لها أثر طيلة حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فالملاحظون يفسرون ذلك بتخوفات من الطرفين، سواء بالنسبة لليمين أو اليسار، لاستغلالها لصالحه، كما أن الاشتراكيين لم يكونوا متحمسين للخوض فيها لأن الكثير منهم يرى فيها مكسبًا مهمًا على مستوى العلاقات الدولية كان ممكنًا أن يخدم اسم ساركوزي.