يتولى الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي المسؤولية في أوقات عصيبة تمر بها مصر، وينتظره الكثير من الأزمات والقنابل القابلة للإنفجار في وجهه، إذا حاول الإقتراب منها، لاسيما في ظل سيطرة بقايا نظام مبارك على مفاصل الدولة، وتحكمهم في المؤسسات المؤثرة في صناعة القرار، وتعتبر عملية تطهير المؤسسات الرسمية من الفساد الذي تغلغل فيها طوال ثلاثين عاماً مضت، والنهوض بالإقتصاد معارك تحتاج نفسًا طويلاً من مرسي.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: وفقاً للناشط السياسي عمر الحضري، عضو إتحاد شباب الثورة، فإن أهم الملفات التي تحتاج حسمًا سريعًا من الرئيس مرسي تتمثل في تطهير مؤسسات الدولة من الفلول، ولاسيما وزارة الداخلية، ووضع مناهج جديدة لكلية الشرطة، بما يحافظ على حقوق الإنسان، ويحقق أهداف الثورة، ويقضي على التعذيب، فضلاً عن تطهير الإعلام من الفلول، وتطهير شتى مؤسسات الدولة من بقايا النظام السابق، ومنح الشباب الفرصة للمساهمة في قيادة مصر.

وقال الحضري لـquot;إيلافquot; إن الرئيس مطالب أيضاً بإعادة النظر في المحاكمات الهزلية لرموز النظام السابق، وفتح تحقيقات شفافة ونزيهة في كل أعمال العنف التي وقعت بعد الثورة وحصدت أرواح المئات من المصريين، ومنها أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وإستاد بورسعيد والعباسية، وماسبيرو. وأشار الحضري إلى أن منح أسر الشهداء والمصابين حقوقهم وتكريمهم هو أهم الملفات التي تنتظر الرئيس أيضاً، ونبّه إلى أن حركات وائتلافات شباب الثورة سوف تراقب أداء الرئيس في هذا الصدد.

التحقيق في عنف المرحلة الإنتقالية
ويرى النائب في مجلس الشعب المنحل محمد المنشد، أن التحقيق بجدية في كل أحداث العنف التي وقعت في مصر خلال المرحلة الإنتقالية ضروري، مثل ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وإستاد بورسعيد، وأحداث العباسية.

وأضاف المنشد لـquot;إيلافquot; أن ملف تطهير مؤسسات الدولة من بقايا النظام السابق من الملفات التي تنتظر الرئيس الجديد أيضاً، وقال إن وزارة الداخلية، التي يسيطر عليها أقطاب هذا النظام، ومازالوا على ولائهم له، تحتاج تطهيرًا بأقصى سرعة، لاسيما أن رجال الوزير السابق حبيب العادلي يسيطرون عليها ويساهمون في إِشاعة الإنفلات الأمني في مصر ونشر الجريمة من أجل إنهاك وإجهاد الثورة ومن ثم إجهاضها.

ولفت إلى أن الرئيس الجديد مطالب قبل كل هذا وذاك ببناء نظام ديمقراطي حقيقي، يساهم في وضع مصر في مكانتها اللائقة بها وبثورتها بين دول العالم. وأشار المنشد إلى أن هذه المعارك تحتاج نفسًا طويلاً من مرسي.

انهيار السياحة
تعتبر السياحة واحدة من أهم ثلاثة مصادر للدخل القومي المصري، وتعاني حالة ركود شديدة، وإستعادة نشاطها وحيويتها مرة أخرى من أهم الملفات التي يجب أن يوليها الرئيس أهمية خاصة.

وقال الدكتور محمود حسام الدين، أستاذ الإقتصاد في جامعة الأزهر، لـquot;إيلافquot;، إن قطاع السياحة صار في أزمة حقيقية، مشيراً إلى أن معاداة بعض قيادات التيار الإسلامي للأنواع السياحية السائدة في مصر، مثل سياحة الشواطئ والمنتجعات وسياحة الآثار، وما تبع ذلك من إصدار سلسلة من الفتاوى التي تحرّم السياحة، كان لها أثر سيىء على هذا القطاع، الذي يضم نحو 3 ملايين عامل.

ولفت إلى أن تدهور السياحة يرتبط بتدهور الحالة الأمنية، وإنتشار جرائم خطف السيّاح، مشيراً إلى أنه سيكون على الرئيس أن يجد حداً للإنفلات الأمني، ويتعامل مع السياحة ببعض المرونة، ويتصدى للتيارات الإسلامية المتشددة، حتى تتمكن من إستعادة عافيتها مرة أخرى.

وقال حسام الدين إن مرسي يواجه لغمين شديدي الخطورة أثناء محاولة إنعاش السياحة، أولهما سيطرة رجال أعمال النظام السابق على قطاع السياحة، ومنهما أحمد المغربي وزير السياحة والإسكان السابق الذي يقضي عقوبة السجن على خلفية قضايا فساد، وكذلك زهير جرانة وزير السياحة المسجون أيضاً، والذي يتحكم أبناؤه وأسرته في قطاع السياحة، فضلاً عن أسرة وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالي، وحسين سالم رجل الأعمال المسجون في أسبانيا وصديق مبارك المقرب، وآخرين.

النهوض بالإقتصاد
فيما يرى خبراء إقتصاد أن الملف الإقتصادي هو الأخطر، لاسيما في ظل سيطرة رجال أعمال النظام السابق على مفاصل الإقتصاد المصري أيضاً، وشددوا على ضرورة النهوض بالإقتصاد.

وقال الدكتور عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات، لـquot;إيلافquot;، إن مصر تواجه شبح الإفلاس خلال أشهر قليلة، ويجب على الرئيس الجديد العمل سريعاً على النهوض بالإقتصاد. وأوضح عامر أن الرئيس يواجه أيضاً مشكلة كبرى تتمثل في القروض والديون، مشيراً إلى أن الديون الخارجية وصلت إلى 36 مليار جنيه، بينما تجاوز الدين الداخلي التريليون جنيه للمرة الأولى فى تاريخ مصر، حيث بلغ 1.13 تريليون جنيه، مع وجود مؤشرات إلى أن الديون المصرية تزيد بمعدل 13% سنوياً.

وحذر عامر من أن الإعتماد على الاستدانة الخارجية، رغم انخفاض نسبة الفائدة عليها quot;ما بين 1: 3%quot;، إلا أنها تمثل خطرًا يتعلق بفرض برامج اقتصادية بعينها على مصر، ناهيك عن الفشل في تسديد الفوائد أو القرض، مما يعرّض مصر لتخفيض تصنيفها الائتماني، وبالتالي يزيد من الضغوط على العملة المحلية والاستثمارات الوافدة، التي قد تدفع البلاد إلى خطر الإفلاس التام، منوهاً بأن خطر القروض الداخلية يتمثل فى الفوائد المرتفعة للغاية التي تصل إلى 17% فى بعض الحالات، إضافة إلى أنها تسحب السيولة من البنوك، التي من المفترض أن تتوجه إلى مشروعات استثمارية أو تنموية.

التضخم
ويلفت عامر نظر الرئيس إلى أزمة إقتصادية خطرة تواجهها مصر أيضاً، تتمثل في زيادة معدلات التضخم والطبع المتزايد، مشيراً إلى أن البنك المركزي طبع أوراقًا نقدية بشكل غير مسبوق بعد الثورة.

وأوضح أن البنك المركزي كان يطبع خلال عامي 2003 - 2004، نحو 59.7 مليار جنيه، ليقوم بزيادة طباعة الأوراق النقدية بعد ثورة 25 يناير، ففي شهر فبراير/شباط فقط تم طبع 22 مليار جنيه، ويستمر النقد المطبوع في الزيادة وبشكل كثيف حتى بلغ في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي 190.1 مليار جنيه، بينما بلغ في يناير/كانون الثاني 2011 نحو 156.2 مليار جنيه (26 مليار دولار)، أي إن طباعة البنك المركزي لأوراق نقد ومن دون غطاء قد زادت معها النقدية المصدرة والمتداولة خلال عام 2011 (عام الثورة) وبمقدار 34 مليار جنيه.

ونبه عامر إلى أن طبع العملة ساهم في رفع درجة التضخم فى مصر، وخفض من قيمة الجنيه، وقلل من قيمة مدخرات المصريين، محذراً من أن زيادة أوراق النقد، مع عدم وجود تغطية تماثلها من السلع والخدمات والنمو الاقتصادي بالمجتمع، ترفع من المستوى العام للأسعار بشكل كبير، وتخفض من قيمة العملة، وتؤدي كذلك إلى ضياع الاستفادة من الفوائض المالية التي كانت موجودة في البنوك المصرية وحتى نهاية عام 2008 في تمويل عجز الموازنة.