فيما يتسع نطاق الاحتجاجات على النظام السوري تزداد المشاكل التي يواجهها الثوار في الحصول على الماء والسلاح، وخاصة في ظل اتهامات بالتحيز المالي.


دمشق: وقف أبو مؤيد قائد إحدى كتائب الجيش السوري الحر، وأشار إلى نظرائه الذين غصّت بهم الغرفة الخانقة بحرارة الصيف قائلا إن مقاتليه بحاجة إلى المال والسلاح.ولكنهم لا يتلقون الدعم الذي وعد به المانحون وقادة المعارضة في الخارج.

وصرخ أبو مؤيد quot;نحن نقترض المال لإطعام جرحانا! ليس هناك توزيع للسلاح، بل كل أسلحتنا نحن الذين ندفع ثمنها بأنفسناquot;.

ويتحدث اجتماع القادة الميدانيين الذي عُقد بعد صلاة الجمعة في مدينة انطاكيا التركية قرب الحدود السورية مجلدات عن أولويات التشكيلات المسلحة للمعارضة السورية في هذه المرحلة من النزاع المستمر منذ 17 شهرا الآن.

وكان النقاش بين المقاتلين محدودا عن أعمال القتل الجماعية في بدة التريمسة يوم الخميس رغم أن القادة العسكريين للمعارضة المسلحة سمعوا بها وان واحدا منهم على الأقل فقد أقارب فيها. ولم يتطرق الحديث إلى المراقبين الدوليين أو مبعوث السلام كوفي انان أو المناقشات التي لا تنتهي في مجلس الأمن الدولي لإنهاء النزاع. بل كان تركيز هؤلاء القادة العسكريين على أساسيات الحرب ضد نظام الرئيس بشار الأسد.

وكان أبو مؤيد، الإدلبي، من بين عشرات القادة الميدانيين الذين توافدوا لحضور الاجتماع الذي دعا إليه مجلس قيادة الثورة في ادلب. واتفق المشاركون في الاجتماع الذي عُقد في غرفتين كبيرتين في شقة عمارة سكنية، على توسيع التنسيق بين المجموعات المقاتلة ضد النظام داخل سوريا وعبروا عن شعورهم بالإحباط إزاء القيادة السياسية لمعارضة الخارج.

وكانت الشكوى التي ترددت طيلة الوقت أن المجلس الوطني السوري الذي يوجد مقره في اسطنبول، منقطع عن المعارك المحتدمة على الأرض. وكانت الشكوى الأخرى مضمرة في ظنون القادة الميدانيين بأن أعضاء لم يكشفوا أسماءهم في المعارضة السياسية السورية في تركيا يحولون الأموال إلى وجهة أخرى أو يفضلون مجموعات على أخرى في إيصال السلاح والمال عبر الحدود، بحسب صحيفة نيويورك تايمز التي حضرت الاجتماع في مدينة انطاكيا.

وقال القائد العسكري عصام عفارة مخاطبا نظراءه quot;بالأمس كان من المفترض ان نتسلّم هاونات وخراطيش ولكننا لم نتسلمها.اتصلتُ وطالبت: أين هي؟ أين؟quot;

ومنذ أواخر الربيع دخلت الحرب في مناطق من سوريا طريقا مسدودا تتخلله أيام من أعمال العنف الدموية مثل جريمة القتل الجماعي في التريمسة يوم الخميس حيث تُقدر فصائل سورية معارضة أن أكثر من 200 شخص قُتلوا على أيدي قوات النظام وشبيحته.

وأضفت الإدانات الدولية لأعمال القتل التي يتهم النظام السوري عناصر المعارضة المسلحة بارتكابها، طابعا أشد إلحاحا على الجهود الدبلوماسية لتسوية النزاع السوري في مجلس الأمن الدولي حيث أجرى الدبلوماسيون يوم الجمعة محادثات وراء أبواب مغلقة بشأن قرار جديد لحمل الفرقاء على احترام وقف إطلاق النار وخطة السلام التي اقترحها انان. ومن المتوقع التصويت على القرار يوم الأربعاء المقبل.

وبدت الدبلوماسية تتحرك في كوكب آخر، وربما بعد فوات الأوان لدى النظر إليها من منظار المقاتلين السوريين ضد قوات الأسد الذين طردوا قوات نظامية كبيرة من بعض الأرياف في الجبال الشمالية مقتطعين مناطق صغيرة لكنها ثابتة تحت سيطرتهم الفعلية حاليا رغم أن هذه المناطق ما زالت تتعرض للقصف والهجوم من الجو.

وبعد النجاح التكتيكي الذي حققته المجموعات المسلحة ضد قوات الأسد فإنها تواجه الآن مشكلة تشترك بها جميع الانتفاضات المسلحة.

وفي هذا الشأن نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن قادة ميدانيين أن 80 مجموعة قتالية على الأقل تعمل في ادلب وحدها غالبيتها بدأت شبكات شخصية صغيرة أو مجموعات من العسكريين المنشقين، ثم تنامت واتسعت صفوفها.

وتشترك المجموعات أحيانا في الاسم وكثيرا ما تعمل مجموعات متعددة في منطقة واحدة. ومع تزايد أفرادها وتعاظم حاجتها للسلاح والدعم الخارجي وجدت بعض هذه المجموعات نفسها تتنافس في ما بينها على الموارد وتشترك في استيائها من سوريين يتولون مواقع قيادية في المعارضة ولا يقاتلون بل يتصرفون بأموال تقول مجموعات قتالية عديدة انها لا تتسلم شيئا منها.

وعلى سبيل المثال ان القائد العسكري عصام عفارة قال لصحيفة نيويورك تايمز إن الأموال التي تُنقل عن طريق جماعة الإخوان المسلمين لا تُقتَسم مع مجموعات تُعتبر علمانية، وان هذا أثار غضب مقاتلين تصدوا لقوات الأسد وردوها على اعقابها بتضحيات جسيمة، ثم يُقال لهم الآن إنهم ليسوا مؤهلين لنيل نصيب من الدعم المالي الذي تبرع به مانح في الخارج لأن مواصفاته لا تنطبق عليهم.

وأضاف عفارة الذي يقود وحدة في مجموعة أكبر تُسمى كتيبة شهداء أدلب quot;نقول لهم quot;ألسنا أخوة؟ كيف؟ نحن مسلمون، ونريد ثورة شعبية كاملة يصنعها المسلمون والمسيحيون والدروزquot;.

وعبر القائد العسكري عبد الغفور عن غضب المقاتلين الآخرين قائلا quot;لا تظنوا أننا عميان، فنحن لدينا 600 شهيدquot;. وأضاف quot;أن المجلس الوطني السوري لا يمثلنا والثورة هي الناس الموجودون هنا ، الذين قاتلوا ضد العبوديةquot;.

وقال عبد الغفور إن البحث عن المال أو السلاح قد يصبح مصدر إحباط مثله مثل التعامل مع هيئات الإغاثة الخاصة والمنظمات غير الحكومية التي تقدم معونتها أحيانا مقابل الاتفاق مع وجهة نظرها. وحذر عبد الغفور من quot;أن الثورة كلها يمكن أن تتحول إلى مشروع منظمة غير حكومية، وهذا ما اعترض عليهquot;.

ونفى المتحدث باسم المجلس الوطني السوري محمد سرميني تهمة التحيز المالي التي وجهها القادة الميدانيون مؤكدا في اتصال هاتفي مع صحيفة نيويورك تايمز من اسطنبول انه quot;ليس هناك تمييزquot;. وقال سرميني إن المجلس بدأ يولي تمويل مقاتلي المعارضة اهتماما أكبر quot;وسندفع رواتب إلى جميع الضباطquot;.

وكانت أسعار الأسلحة الخفيفة ارتفعت بحدة خلال النزاع وأصبح الرشاش يكلف آلاف الدولارات وبندقية الاقتحام الجديدة 2000 دولار، بحسب قادة ميدانيين.

وقال المقاتلون والقادة الميدانيون الذين تحدثوا لصحيفة نيويورك تايمز إنهم حتى الآن يجمعون المال بأنفسهم لتسديد ثمن مشترياتهم من السلاح، وأحيانا يجمعون التبرعات من قراهم وأحيائهم. وكانوا في أحيان أخرى يبيعون سياراتهم وأراضيهم.

وقال قائد ميداني شاب قدم نفسه باسم بلال إن حاجته للسلاح دفعته قبل اشهر إلى أن يطلب من خطيبته إعادة المصوغات التي قدمها اليها. واعترف بلال بأنها quot;قالت لا ففسختُ الخطبة واستعدتُ المصوغات واشتريتُ الأسلحة التي احتاجهاquot;.

وأكد هؤلاء القادة أنهم يشترون الأسلحة من مسؤولين سوريين مرتشين أو مما قالوا إنها quot;مافيا تركية وروسيةquot; في تركيا.

وكان اجتماع القادة العسكريين يتحول أحيانا إلى مبارزة في الصراخ. وعبر عدة قادة خلال الاجتماع عن غضبهم على قائد آخر قال انه في الواقع تلقى أسلحة. ولكن المزاج راق بمرور الوقت وقال القادة إنهم يعتزمون العمل معا ودعوا إلى تطويره.

وقال قائد ميداني اسمه أبو حمزة إن المشادات الكلامية قد لا تبدو لائقة بقادة ميدانيين ولكنها معهودة في ثورة تتسع صفوفها وتتفتح آفاقها. وأضاف أن الاجتماع أظهر استعداد العديد من المجموعات القتالية لتعزيز التنسيق ومنح المقاتلين الأشد معاناة والأكثر تعرضا للخطر، كلمة أكبر في سياسة الحرب.

واتفق معه القائد ابو مؤيد فيما انفض الاجتماع وانتقل جدول عمله إلى تناول وجبة جماعية. وقال أبو مؤيد quot;نحن نريد أن نكون يداً واحدة، وجبهة واحدةquot;.