بغداد: في ظل رفاه اقتصادي نسبي لدى بعض العراقيين، يزداد تعدد الزوجات، لكن الظاهرة الملفتة في هذا الصدد، هي الزوجة السرية التي لا تعرفها الزوجة الأولى.
أم ليث زوجة ثانية، تزوجت منذ نحو سنة، لكن زوجها اشترط عليها كتمان الامر، وألا يكون بعلم الزوجة الأولى. وتبرر عدم البوح بزواجها بان الزوجة الأولى أنانية، كما يروي لها زوجها، الذي يقضي نحو خمسة أيام في الاسبوع عند الزوجة الاولى. وتنتقد أم ليث أنانيتها رغم أنها لم ترها او تكلمها، لكن الزوج على ما يبدو نقل صورة سيئة جدا عن زوجته الاولى.
الباحثة الاجتماعية سلمى البياتي تؤكد أن تجاربها الميدانية واستطلاعاتها تشير إلى أن اكثر النساء العراقيات لا يرضين بالتعدد، لكنهن مضطرات للقبول بذلك لعدة أسباب منها، إرضاء الزوج وعدم الوقوف بوجهه، والتخلص من العزوبية، إضافة إلى أسباب أخرى بينها الفقر، فقد تزوجت علياء محمد من رجل متزوج وله أربعة اولاد بسبب الحاجة المادية، وعدم قدرة عائلتها على سد رمق العيش لخمس بنات في العائلة. لكن علياء غير راضية عن كونها زوجة ثانية سرية، بسبب رغبة زوجها في عدم الإعلان عن ذلك.
ورغم مضي سنتين على زواج علياء إلا أن الزوجة الاولى لم تكتشف ذلك إلى الان، وربما يعود السبب في ذلك الى المسافة البعيدة بينهما إذ تسكن علياء في مدينة المحمودية (15 كلم جنوب بغداد) بينما تسكن الزوجة الثانية في منطقة أبو غريب في بغداد.
الزيجات السرية يمكن أن تكون مقبولة
ويقول رجل الدين فيصل الياسري إن التعدد جائز في الإسلام لكن بشروط أهمها العدل بين الزوجات وتوفر الأسباب الموجبة للتعدد. ويضرب الياسري في أوروبا مثلا، إذ تؤدي قلة الزواج والعزوف عن الإنجاب الى شيخوخة المجتمع والاستعانة بالهجرة لتعويض النقص في الاجيال. ويذهب الياسري الى ابعد من ذلك حيث يعتقد ان تعدد الزوجات يؤدي الى عدم إرهاق المرأة بكثرة الإنجاب بالنسبة إلى الرجل الذي يرغب في الاولاد ويصبح زواجه من امرأة ثانية مفيدًا من هذه الناحية.
لكن الياسري يرى أن الزيجات السرية يمكن ان تكون مقبولة اذا كان الغرض منها تجنب المشاكل العائلية، وزيادة النسل. ولا يجد الياسري ضيرا من الزيجة السرية ايضا في حالة أن الزوجة عقيمة محرومة من نعمة الإنجاب.
ثلاث نساء
ويقول أحمد الجبوري المتزوج من ثلاث نساء إن الزوجة الثالثة (سرية) لا يعرف بها احد، وانه تزوج للمرة الثالثة بسبب الحب، فقد وقع في غرام ام حليم، وطلب يدها من اهلها.
لكن المحامي اسماعيل حسين المتخصص في الاحوال الشخصية يرى أن تعدد الزوجات يشكل نوعًا من أنواع العنف الموجه للمرأة والطفل، وان من الضروري بمكان إلغاء المادة (41) من الدستور العراقي والعودة إلى قانون الأحوال الشخصية المرقم (188) عام 1959.
ويعتقد الجبوري ان تعدد الزوجات لا غبار عليه اذا توفرت الامكانات المادية، غير انه لا يرغب في الاعلان عن زواجه الاخير لكي لا تولد مشاكل بين الزوجات، لكنه يؤكد انه سيعلن ذلك في الوقت المناسب.
وينتقد ابو باقر، المتزوج من ثلاث نساء بصورة علنية، حيث تعيش اثنتان في الدار نفسها، اما الثالثة فتعيش مع اهلها، الرجال الذين لا يعلنون زيجاتهم مؤكدًا ان كرامة وشجاعة الرجل تحتم الإعلان عن الزواج. ويتابع: الزيجة السرية تؤثر كثيرا في نفسية المرأة والأطفال على حد سواء وتنذر بعواقب اجتماعية.
توزيع العاطفة
الناشطة النسوية كوثر ترى ان الذين يؤمنون بتعدد الزوجات يتخذون من إباحة الإسلام الزواج من اربع، حجة للتعدد من دون الحاجة. وتتابع : اصل اباحة التعدد الحاجة بحسب علماء الدين، وليس تعددا من دون اهداف فاذا كان بلا اهداف انتفت الحاجة اليه.
غير أن رجل الدين كريم الجنابي يقول ان من طبيعة الرجل قدرته على توزيع العاطفة لأربع نسوة بعكس المرأة التي لا تستطيع أن تمنح ودها الا الى رجل واحد. ويتابع : لعل هذا يفسر اباحة الزواج من اربع نساء. وتؤمن الناشطة الاسلامية آلاء حسين في ان تعدد الزوجات يحمي المجتمع من الامراض ويحل الكثير من الاشكالات الاجتماعية مثل العنوسة، والفقر، ويسهم في تأهيل المطلقات والأرامل والعوانس وله دور متجدد في المجتمع.
وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة العنوسة لدى الفتيات العراقيات تزيد على 30% ويعزو البعض السبب في هذا الارتفاع إلى الحروب التي شهدها هذا البلد ما أدى إلى وجود خلل في التركيبة السكانية. ورغم ان إحصائيات عراقية تفيد أن سنوات الحرب الإيرانية 1980 1988 خلفت ما يقرب من مليون أرملة، الا أن ذلك لا يبرر ادعاء البعض ان ظاهرة الزوجة الثانية السرية التي تنتشر اليوم في العراق هو مساعدة الارامل في التخلص من الوحدة والحاجة التي تعيشها.
اكتشاف متأخر
أم حسن المتزوجة منذ عشرين سنة اكتشفت العام الماضي ان زوجها متزوج من شابة تصغره بخمس عشر سنة بصورة سرية من دون علمها. وتتابع: رن تلفون البيت ذات مرة حيث وشت لنا امرأة ان ابو حسن متزوج وان عليهم التأكد من ذلك.
لكن ابو حسن اعترف بالأمر بعد ذلك معللا السبب انه تزوج امرأة مطلقة فقيرة بدافع العطف. وتعترف ام حسن انها رضخت للامر الواقع مؤكدة ان الظاهرة تنتشر اليوم بشكل لم يسبق له مثيل.
لكن الناشطة النسوية آلاء تؤكد ان عشرات الرجال في العراق يتزوجون زواج المتعة و المسيار و العرفي ومن دون علم زوجاتهم. وتتابع : يعتبر الرجل هذه الزيجات لفترة قصيرة جدا وبالتالي فلا حاجة للاعلان عنها.
ويعترف محمد العلاق المقيم في المملكة المتحدة ويزور مدينة النجف (601 كم جنوبي بغداد) انه تزوج للمرة الثانية في العراق منذ نحو سنتين بصورة سرية،حتى عرفت زوجته الاولى المقيمة في لندن بقصة هذه الزواج بعد سنة على مضيه، لكنها رضخت للأمر الواقع.
ويتابع: ظلت العلاقة (باردة) الى الان بين الزوجتين، مؤكدًا أن زواجه الثاني كان بسبب quot;عدم قدرة الزوجة الاولى على إنجاب طفل ذكرquot;. ويتابع: لم يرزقني الله بالطفل الموعود الى الان لكني آمل ذلك في القريب العاجل.
التعليقات