مسلحون سوريون قرب مدينة حلب

يهدد النزاع السوري الذي كثيرًا ما يُصور حربًا طائفية بين المسلمين، بجر مسيحيي سوريا البالغ عددهم مليونان أيضًا إلى غماره، حيث أصبح على المسيحيين أن يتخذوا موقفًا مع أحد الأطراف مع توسع رقعة القتال وانتقاله الى مختلف المدن.


لندن: بعد أن امتدت رقعة الاشتباكات بين قوات النظام والمعارضة المسلحة من العاصمة دمشق إلى حلب، أكبر مدينتين تعيش فيهما جماعات مسيحية كبيرة، يُجبر المسيحيون وأفراد الأقليات الأخرى على اتخاذ موقف مع هذا الطرف أو ذاك.

ويقول العديد من المسيحيين والناشطين في دمشق إن النظام يسلح الآن موالين في مناطق من العاصمة ذات أغلبية مسيحية أو درزية أو شيعية.

وكان النزاع يدور حتى الآن بين الموالين للرئيس بشار الأسد الذي ينتمي غالبية أركان نظامه إلى الطائفة العلوية، ومعارضة غالبيتها من السنة الذين تُقدر نسبتهم بنحو 70 في المئة من سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليونًا. ويشكل المسيحيون زهاء الـ10 في المئة من السكان، وهم بقوا عمومًا محايدين أو مؤيدين لنظام الأسد الذي قدم نفسه نظامًا علمانيًا يحافظ على وحدة سوريا بتنوعها المذهبي والقومي.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال، عن ناشطين أن النظام وزع ما لا يقل عن 200 كلاشنكوف في حي واحد من أحياء دمشق القديمة منذ يوم الخميس، بعد يوم على تفجير مبنى الأمن القومي ومقتل أربعة من أركان النظام بينهم وزير الدفاع المسيحي داود راجحة. وتقدم الموجة الأخيرة من أعمال الخطف والترهيب والقتل الثأري في بلدة القصير، التي كانت معروفة بتعايش السوريين على اختلاف مذاهبهم منذ قرون، مثالاً تحذيريًا على ما قد يحدث في مناطق مسيحية أخرى، وخاصة في المراكز المدينية.

وقتل يوم السبت اللواء نبيل زغيب، وهو ضابط مسيحي خبير بالصواريخ، مع زوجته وابنهما في منزلهما في حي باب توما المسيحي في دمشق. ويعتقد كثير من المسيحيين أنهم مستهدفون لوقوف غالبيتهم مع النظام.

وقال مسلمون من المنطقة إن النزاع في القصير اندلع عندما عمل بعض المسيحيين المحليين مخبرين للنظام. وخلال الأشهر التي مرت في هذه الأثناء قُتل عدة افراد من عائلة مسيحية معروفة، واختفى اكثر من 12 شخصًا من سكان البلدة دون اثر ونزح غالبية مسيحيي القصير، كما أكد سكان من الطرفين.

وقال قس من مدينة حمص، حضر مؤتمرًا لحوار الأديان جمع شخصيات مسيحية وعلوية وسنية في جنيف قبل أيام quot;إن الوضع يتفاقم والناس يرفضون بعضهم بعضًاquot;.

ويبدو أن خطر مثل هذه المواجهات المذهبية آخذ في الازدياد. وفي منطقة تضم نحو 30 قرية غربي حمص، تُعرف بإسم وادي النصارى، قال سوريون من أهل المنطقة، إن عائلة مسيحية رفعت السلاح إلى جانب علويين موالين للنظام. ويخشى كثيرون أن يتكرر ذلك في مدن كبيرة حيث بدأ النظام يسلّح المدنيين الموالين من أفراد الأقليات الأخرى.

وقالت ناشطة مسيحية معارضة للنظام في دمشق لصحيفة وول ستريت جورنال quot;مناوشة واحدة وسيكون المسيحيون جزءاً من حمام الدمquot; معترفة بأنها المعارضة الوحيدة في عائلتها المسيحية الموالية النظام.

وتحدث عن الأحداث الأخيرة في القصير أكثر من 12 شخصًا بينهم مقاتلون مسلمون، وافراد عائلة مسيحية معروفة لجأت الآن إلى مدينة زحلة اللبنانية.

وكان الاحتقان الطائفي بدأ قبل أكثر من عام، بعد تحول الإحتجاجات الأولى ضد النظام إلى مواجهات عنيفة. وقال هؤلاء الأشخاص إن قوات النظام بدأت تداهم منازل مسلمين وتعتقل الناشطين والمحتجين المناوئين للنظام. وبحسب مقاتلين في المعارضة، ومدنيين من سكان المنطقة، فإن اشخاصًا موالين للنظام بينهم العديد من المسيحيين ساعدوا قوى أمن النظام.

وقال المقاتل السني محمود حربة، الذي فقد إحدى ساقيه في القتال، لصحيفة وول ستريت جورنال: quot;إذا خرجتَ للاحتجاج سيكتبون اسمك ويرسلون رسالة نصية إلى قوى الامنquot;.

قصف على مدينة حمص السورية

وأضاف حربة ومسلمون آخرون من القصير، أن أسوأ المتعاونين مع النظام هم أفراد عائلة كسوحة المعروفة بين العشرة آلاف مسيحي في البلدة البالغ عدد سكانها 60 الف شخص.

وردت المعارضة المسلحة ضد المشتبه بأنهم مخبرون الصيف الماضي، بقتل احد افراد العائلة الثلاثة، كما يقول مسلمون مناوئون للنظام ومسيحيون من القصير. وأضافوا أن حنة كسوحة شقيق المقتول، أقام حاجزاً أمنيًا قرب منزله وحمل السلاح بمساعدة قوات النظام.

في هذه الأثناء، انضم العديد من مسلمي المنطقة إلى صفوف المعارضة المسلحة بينهم عدد متزايد من الأصوليين الاسلاميين الذين يعتبرون النزاع جهادًا والعلويين كفارًا يجب سحقهم، بحسب هذه النظرة التي تتخذ الموقف نفسه عمليًا من المسيحيين.

ونقلت صحيفة وول ستريت عن المقاتل السني حسن حربة، الذي عولج مؤخرًا في مستشفى داخل الأراضي اللبنانية بعد إصابته في اشتباك مع قوات النظام quot;إن جميع العلويين يجب أن يُذبحواquot; وأضاف أنه ليس ضد المسيحيين ولكنه ضد الذين يساعدون النظام في حملته الدموية. وأكد حربة quot;أن المخبر يجب أن يموتquot;.

وبعد أن أقام حنة كسوحة حاجز التفتيش بمساعدة قوى الأمن السورية، خطف مقاتلون مسلمون عمه، بحسب مصادر من الطرفين. ورد كسوحة بخطف ثمانية مسلمين من سكان المنطقة.

وفي مناسبات عدة خلال ذروة الأزمة في شباط (فبراير) أُطلقت إنذارات عبر سماعات مساجد في البلدة، بأن على المسيحيين أن يرحلوا ، كما قال مسلمون ومسيحيون على السواء.

وبدأ مسيحيون يغادرون البلدة منضمين إلى أعداد أكبر من المسلمين وغير المسلمين الذين انتقلوا إلى مناطق اخرى من سوريا أو سافروا إلى الخارج. واختفى آخرون دون أنيُعرف مصيرهم. وتحدث مسيحيو بلدة القصير عن أشقاء وأبناء عمومة وخؤولة وأقارب آخرين قائلين إنهم بين اكثر من 12 مسيحيًا مفقوداً.

وفي اواخر ايار (مايو) الماضي أمضى القس اليسوعي الإيطالي الأب باولو دالوغليو الذي يعمل في سوريا، ثمانية أيام في القصير، بطلب من عائلات مسيحية لمعرفة مصير 12 مسيحيًا مفقودًا. وقال الأب دالوغليو إنه التقى عددا من ممثلي أقوى فصائل المعارضة المسلحة في القصير لافتا إلى انهم كانوا ملتحين ويرتدون الزي التقليدي الافغاني. وتمكن القس الإيطالي، من تأمين الإفراج عن اثنين من المفقودين، ولكنه خلص إلى أن الباقين quot;قُتلوا على الأرجحquot;.

ويقول مسلمون من المنطقة إن المصالحة ما زالت ممكنة مع الذين يقفون الى جانب النظام. وأكد محمد ادريس وهو مزارع هرب من المنطقة، ويعمل الآن سائق تكسي quot;ليس لدينا شيء ضد المسيحيين والعلويين والنظام الغاشم هو الذي استغل ذلكquot;.

ولكن قلة في القصير يشاركون ادريس تفاؤله. ويعتقد المسيحيون الذين نزحوا إلى لبنان، بأنه لن يكون للمسيحيين مكان في سوريا ما بعد الأسد مشيرين إلى أن العداوات الأخيرة كشفت حقيقة المشاعر التي كان جيران سابقون يضمرونها نحوهم منذ سنوات.