الرئيس المصري السابق حسني مبارك مع أفراد عائلته

أثارت قضية عدم وفاء الحكومة البريطانية بوعودها في تجميد ثروة الرئيس المصري السابق مبارك، ردود فعل غاضبة خاصة لدى الرئيس محمد مرسي، الذي أصدر تعليماته بضرورة دراسة الوسائل اللازمة للتعامل مع بريطانيا.


القاهرة: تصاعدت أزمة عدم وفاء الحكومة البريطانية بوعودها في تجميد ثروة الرئيس المصري السابق حسني مبارك وأفراد أسرته و19 من رموز نظامه، بعد أن كشف تحقيق أجرته quot;بي بي سيquot;، عن استمرار أسرة مبارك وعلى رأسهم نجله جمال بالتصرف بأموالهم وممتلكاتهم، رغم صدور أحكام قضائية في مصر تدينهم بارتكاب وقائع فساد وتهريب أموال الدولة.

مرسي غاضب

وكشفت مصادر قضائية لـquot;إيلافquot; أن الرئيس المصري محمد مرسي أبدى غضبه الشديد من السلوك البريطاني، لاسيما أن لندن كانت من أوائل العواصم الأوروبية التي أعلنت دعمها للربيع العربي، وفي القلب منه ثورة 25 يناير المصرية، وأضافت المصادر أن مرسي أصدر تعليماته بضرورة دراسة الوسائل اللازمة للتعامل مع بريطانيا، ومنها التفاوض والتصعيد ضدها دولياً إذا لزم الأمر، مشيرة إلى أن النائب العام في وزارتي الخارجية والعدل يدرس الوسائل والإمكانيات المتاحة للتعامل مع الأزمة الحالية، ومنها إقامة دعوى قضائية جديدة أمام المحكمة العليا للقضاء الإداري في بريطانيا ضد حكومة بلادها، أو اللجوء للأمم المتحدة، لاسيما أن سلوك بريطانيا يمثل خرقاً لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

ولفتت إلى أن وفداً دبلوماسياً وقضائياً سيسافر إلى لندن من أجل التفاوض مع الحكومة البريطانية حول عدة ملفات، على رأسها استعادة الأموال المنهوبة من قبل مبارك ونجليه و91 شخصية من رموز نظام حكم السابق، إضافة إلى تسليم المطلوبين منهم لتنفيذ أحكام قضائية، ومنهم: الدكتور يوسف بطرس غالي، آخر وزير للمالية في عهد مبارك، والصادر ضده عدة أحكام قضائية في قضايا فساد وتربّح من المنصب، وممدوح إسماعيل رجل الأعمال الهارب منذ عدة سنوات، وصاحب قضية العبارة الغارقة في البحر الأحمر. وقالت المصادر إن بريطانيا ملزمة بالتعاون مع مصر وفقاً لإتفاقية مكافحة الفساد.

70 مليار دولار

و تقدر التقارير القضائية وتقارير أجهزة الأمن القومي المصرية ثروة مبارك وأسرته بـ70 مليار دولار، رغم أنه وفقاً للقانون رقم 47 لسنة 1978، يحدد الراتب الأساسي لرئيس الجمهورية بـ 1000 جنيه، يضاف إليه 200% علاوات منضمة ليصبح 3000 جنيه شهرياً، وعلاوات خاصة غير منضمة بنسبة 65% أي ما يعادل 650 جنيهًا، وعلاوة أول مايو 2008 التي بلغت 30% من الأساسي أي 330 جنيهًا، وبذلك تبلغ قيمة إجمالي هذه العلاوات الخاصة 980 جنيهًا، كما يحصل على حوافز ثابتة تقدر بـ 750 جنيهًا و10 جنيهات علاوات اجتماعية، ومنحة عيد العمال بالقيمة نفسها، ولا يحصل على أية مكافآت أو بدلات، ليصبح إجمالي الأجر المتغيّر 1750 جنيهًا، وبذلك يصل إجمالي الراتب إلى 4750 جنيهاً، حسب نص القانون.

عمولات السلاح والغاز

ويرجع عامر رئيس مركز المصريين للدراسات الإقتصادية تضخم ثروة مبارك رغم ضآلة راتبه الشهري الرسمي إلى عدة أسباب أولها أنه كان يحصل على نسبة 2.5% عمولة على صفقات السلاح، طبقاً للتفويض الذي كان يمنحه إياه مجلس الشعب، حيث كان يفوضه في عقد صفقات السلاح مع الدول والشركات الخارجية، أما السبب الثاني فيتمثل في أن مبارك كان يحصل على 7.5% عمولة من صفقة تصدير الغاز لأسرائيل سنوياً.

وأشار عامر إلى أن القصر الجمهوري أو مؤسسة الرئاسة تحصل على مخصصات قدرها 160 مليون جنيه سنوياً من ميزانية الدولة، لافتاً إلى أن هذا المبلغ هو وحده المعلوم، لكن هناك مخصصات أخرى يحصل عليها الرئيس من جهات حكومية أخرى منها الصناديق الخاصة، وكشف عامر أن سوزان مبارك كانت السبب في إقالة الدكتور كمال الجنزوري من منصبه في الحكومة في نهاية التسعينات من القرن الماضي، وأوضح أن الجنزوري طلب تخفيض اعتمادات الرئاسة المالية إلى مائة مليون جنيه فقط، الأمر الذي أغضب سوزان مبارك جداً، لاسيما أن مبلغ الستين مليون جنيه التي أراد الجنزوري استقطاعه كان مبارك يخصصه لنفقات أسرته وسفرياتهم، وهم علاء وجمال وأمهما، ولفت إلى أن سوزان أجبرت مبارك على إلغاء قرار تكليف الجنزوري بتشكيل الحكومة الثانية في اللحظات الأخيرة.

ثروة مبارك

عامر يؤكد أيضاً أن الرئيس السابق حسني مبارك كان صاحب الراتب والثروة الأكبر بين رؤساء الجمهورية السابقين عليه، مشيراً إلى أن الرئيس السادات كان يتقاضي 3250 جنيهاً شهرياً، ولم يترك ثروة ضخمة، ولم يثبت تورطه في قضايا فساد أو عمولات سلاح أو حصوله على أية عمولات في صفقات تصدير أو إستيراد، أما الرئيس جمال عبد الناصر فقد رحل ولم يترك في حسابه سوى مبلغ 35 ألف جنيه، ولم يثبت أن أياً من أفراد عائلته تربحوا من وظيفته، في حين أن ثروة أفراد أسرة مبارك وأصهاره تقدر بـ 70 مليار جنيه.

ويلفت عامر إلى أن الإشكالية ليست في راتب الرئيس أو وضع ضوابط له، لاسيما أن القانون ينظم هذا الأمر منذ 1978، ولكن الإشكالية الحقيقية في مخصصات القصر الجمهوري، التي لا تخضع للرقابة، ولا توضع في الموازنة العامة للدولة، وأوضح أن معظم الأموال التي تخصص للرئاسة تكون من خلال أموال المنح والمعونات التي تقدمها الدول الأخرى لمصر، وهي لا تدرج في الموازنة العامة للدولة، ولذلك يتم توجيهها إلى بنود أخرى.

كان تحقيق أجرته quot;بي بي سيquot; كشف أن الحكومة البريطانية لم تلتزم باتفاقات تجميد أموال وأصول خاصة بـ91 من رموز نظام حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ووجه مسؤولون مصريون بارزون اتهامات لبريطانيا بانتهاك الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد، بينهم الدكتور محمد محسوب وزير الدولة للشؤون القانونية والبرلمانية، والذي قال إن بريطانيا لم تساعد مصر بالشكل المطلوب، بخلاف ما فعلته سويسرا. وكشف التحقيق أن خبراء البنك الدولي يقدرون الأموال المنهوبة في بريطانيا بأكثر من 817 مليار جنيه مصري، أي ما يعادل 136 مليار دولار خلال ثلاثين عاماً من تاريخ مصر هي الفترة التي حكم فيها مبارك مصر.