القرى الحدودية الشمالية تعيش أجواء النزاع السوري |
يعيش مسيحيو القرى الحدودية اللبنانية حالة رعب من تداعيات النزاع السوري التي تصلهم عبر قذائف تسقط في أرضهم، ويطالبون البابا بنديكتوس السادس عشر الذي سيزور لبنان بدعم المسيحيين.
المنجز (لبنان): في قرية المنجز المسيحية الواقعة على تلة في شمال لبنان تطل على سوريا، يعيش حوالي مئتي مسيحي في حالة رعب على وقع القذائف المتساقطة على أراضي الجار السوري، والتي تطال غالبًا أرضهم، ويطالبون البابا بنديكتوس السادس عشر القادم إلى لبنان بعد أيام بدعم المسيحيين.
وتروي مارسال شاهين (37 عامًا) لوكالة فرانس برس أن سكان القرية quot;لا يتمكنون من اغماض اعينهم ليلاً بسبب القصف الذي بدأ يصل إلى منازلنا، وإلى داخل البلدة، وقد أصيب مؤخرًا منزل بقذيفة أدت إلى تحطيم كل شيء بداخلهquot;.
وتسأل quot;ما علاقتنا نحن بما يحصل في سوريا؟ لماذا يقصفوننا؟ لماذا ندفع نحن الثمن؟ على الدولة اللبنانية أن تعمل أي شيء لحماية مواطنيهاquot;.
ويقول الكاهن اسبر انطون إن القصف ألحق quot;اضرارًا طفيفةquot; بالقرية، مشيرًا إلى أن quot;الأهالي لم يتركوا منازلهم، لكنهم يتجنبون الاقامة فيها ليلاً، خصوصًا أن هناك منازل تطل بشكل مباشر على الاراضي السورية وهي معرضة أكثر من غيرها للقصفquot;.
ويؤكد الكاهن الماروني أن أبناء القرى اللبنانية الحدودية مع سوريا يخشون من أن يتحولوا إلى quot;ضحايا لحرب الآخرينquot;، مؤكداً أن quot;المسيحيين ليسوا خائفين لأن ما يحصل من قصف لا يستهدفهم بشكل مباشر، انما هم قلقون لأن هناك من يقول إن مسلحين يتسللون من اراضيهم إلى داخل الأراضي السوريةquot;.
وتكررت خلال الشهرين الماضيين حوادث تبادل إطلاق النار عبر الحدود بين الجيش السوري ومجموعات مسلحة في الجانب اللبناني، إلى جانب عمليات القصف من الجانب السوري في اتجاه الاراضي اللبنانية التي أوقعت إصابات.
وكانت المناطق الحدودية في شمال لبنان شهدت قبل ذلك عمليات توغل للقوات السورية داخل الأراضي اللبنانية أثارت استنكاراً من جهات غربية ودولية ومن المعارضة اللبنانية.
وتفيد تقارير أمنية عن عمليات تهريب محدودة لاسلحة وأدوية ومسلحين عبر الحدود من لبنان إلى المعارضة السورية.
ويقول فيكتور طنوس (45 عامًا) الذي يعمل تقنيًا في محطة تلفزيونية، quot;نحن قلقون إلى درجة الخوف في هذه المرحلة الانتقالية التي تشهدها الدول العربية، فالصورة غير واضحة ونخشى ازدياد العنف والتحريض الطائفيquot;.
ويضيف quot;انا اقيم مع زوجتي وأولادي في بيروت. واليوم انا هنا لأتفقد أهلي بعد القصف الذي تعرضت له البلدةquot;.
وشهدت المنجز كسائر القرى المسيحية في منطقة عكار في اقصى الشمال هجرة كبيرة لأبنائها خلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، ويعيش فيها اليوم 200 شخص من أصل 1400.
معظم منازل البلدة من طابق واحد وهي مبنية من الحجر القديم الاسود، وقد شيدت فيها مؤخرًا بعض البيوت الفخمة لمغتربين يأتون في فصل الصيف لزيارة عائلاتهم.
ويعول سكان المنجز على زيارة البابا لتسليط الضوء على وضعهم.
ويقول طنوس quot;المطلوب من البابا أن يدعم المجتمع المسيحي لكي يتثبت في أرضه ولا يبيعها أو يهجرهاquot;، مضيفًا quot;أنا من الأشخاص الذين قد يبيعون أرضهم في المستقبل اذا تطورت الأمور أكثر من ذلك، فهناك خوف من الفوضى التي قد تحصل في سوريا وتنسحب على لبنانquot;.
ويخشى عدد كبير من المسيحيين اللبنانيين، على غرار غالبية المسيحيين السوريين، من صعود للإسلاميين المتطرفين إلى السلطة في حال سقوط نظام الرئيس بشار الاسد.
وينقسم المسيحيون في لبنان حول النزاع السوري بين من يدعم النظام، وهم يشكلون جزءاً من تحالف اساسه حزب الله الشيعي، ومن يؤيد المعارضة وهم جزء من تحالف سني مسيحي مناهض لدمشق.
في بلدة الدبابية السنية المسيحية المجاورة، يشير عصام الماروني (71 عامًا) إلى طريق ترابية كان يسلكها مع زوجته السورية لزيارة أهلها في بلدة عزير داخل الأراضي السورية. ويقول quot;كنا نزور اقاربنا وهم يزوروننا من دون عبور الحدود. اليوم، لم يعد ذلك ممكناً، حتى عبر الحدود الشرعية، بسبب الخوف من الاشتباكات والتفجيراتquot;.
وتنتشر على طول الحدود السورية واللبنانية الشمالية التي يفصل بينها النهر الكبير المعابر الترابية غير الشرعية التي كان يسلكها سوريون ولبنانيون يتبادلون الزيارات، أو يعبرونها للعمل أو للتسوق. وقد اقفلت هذه المعابر تباعًا بسبب التدهور الامني في الجانب السوري.
وكان آلاف السوريين نزحوا عبر المعابر غير الشرعية خصوصًا إلى لبنان هربًا من العنف في بلادهم. إلا أن حركة النزوح تراجعت في الفترة الاخيرة بسبب تشديد التدابير الأمنية على هذه المعابر من الجانب السوري.
وينتقد الماروني محاولات تهريب السلاح والمسلحين إلى سوريا، قائلاً quot;هم يريدون أن يسقطوا بشار الأسد بأسلحة فردية من لبنان، لكن ما يحصل في سوريا اكبر مما نتصور. هذه حرب تشارك فيها دول لها مصالح، وقد يدفع المسيحي الثمنquot;.
وتتعرض البلدة بانتظام لاطلاق رصاص من الجانب السوري، ما دفع بعض اهلها إلى مغادرتها.
في دير سيدة القلعة الأثري الذي يعود تاريخ تشييده إلى العام 1909، يعبر الخوري اسبر انطون عن الامل في أن تحمل quot;زيارة البابا السلام والاطمئنان إلى لبنان أولا، وأن يعود كل الأطراف في لبنان إلى ربهمquot;، مشددًا على أن quot;الخلاف في لبنان سياسي وليس دينيًاquot;، وquot;سيبقى لبنان بلد التعايشquot;.
التعليقات