صدرت في الإعلام صور لأسلحة ليبية وجدت في مناطق انسحب منها المسلحون الإسلاميون في مالي، بينها بنادق M40 التي انتشرت بين أيدي الثوار الليبيين، وساعدتهم بفاعليتها على مواجهة القوات الموالية للقذافي.


منذ الحرب التي أطاحت بالعقيد الليبي معمّر القذافي في العام 2011، حذر محللون يتتبعون مسار الأسلحة التي نهبت من أن تجد مخزونات الزعيم الليبي طريقها إلى المسلحين في جنوب الصحراء الكبرى.

وعلى الرغم من وجود أدلة قليلة على انتقال هذه الأسلحة، إلا أن العديد من التقارير أشار إلى أن الأسلحة المهرّبة تصل إلى مالي منذ أكثر من عام، إضافة إلى مصر وغزة وتشاد ولبنان وسوريا وأماكن أخرى.

وثائق بالصور

في مالي، يبدو أن التقارير تواكب علامات تنامي قوة الجهاديين في شمال البلاد، لتؤكد وصول الأسلحة إلى البلاد وتأثيرها في تغيير مسار الحرب في مالي، لدرجة دفعت بالجيش الفرنسي إلى التدخل في نهاية المطاف.

تقدم الصور الأخيرة من مالي أوضح مؤشر حتى الآن إلى هذه التحولات، فالصورة الأولى التي نشرتها رويترز يوم 26 كانون الثاني (يناير) الماضي، تظهر قذيفة من مخلفات جيش القذافي ملقاة على الأرض في كونا، المدينة المركزية في مالي، التي شهدت هجومًا فرنسيًا لطرد الإسلاميين منها في الشهر الماضي. وعرضت صحيفة نيويورك تايمز في وقت لاحق المزيد من الصور الموثقة للأسلحة نفسها.

كانت قذائف من نوع NR-160S وذخائر المضادة للدبابات، صنعتها شركة توقفت حاليًا عن العمل في بلجيكا، تباع في السبعينات والثمانينات على نطاق واسع لجيش القذافي. ويبدو أن الإسلاميين قد تركوها وراءهم في كونا، بعد هجوم جوي تكبّدوا فيه خسائر كثيرة.

سياسات مكلفة

هناك أنواع أخرى من الأسلحة، التي يعتقد أنها أتت من ليبيا، تستخدم حاليًا في القتال في مالي، بما في ذلك بنادق هجومية من الحقبة السوفيتية ومدافع رشاشة وقذائف صاروخية.

لكن المؤكد هو أن قذائف NR-160 مصدرها ليبيا ما بعد القذافي، لأنها لا تباع بشكل واسع، ويمكن ربطها بسهولة مع بلد المنشأ والتوزيع.

عند دمج هذه الصور مع أخرى، تظهر فيها أسلحة مرتبطة بليبيا، انتهى بها الحال في صراع مالي، فإن وجود قذائف NR-160S يتحول إلى دليل مؤكد على مساهمة السلاح الليبي في عدم الاستقرار في الدول الأخرى، وبشكل أكثر وضوحًا في مالي. كما يقدم نظرة ثاقبة إلى صفقات الأسلحة التي ضلّت طريقها، وخيارات السياسة الخارجية التي كانت مكلفة والآثار غير المقصودة.

دفعة سلاح مفاجئة
قال نيل كورني، من مؤسسة أبحاث أوميغا، التي تبحث في تصنيع وتداول المعدات العسكرية، إن الحال في ليبيا لا تصدق، quot;والفوضى في البلاد أدت إلى انتشار الأسلحة في الدول المجاورةquot;.

أما عن الآثار المحتملة لأسلحة ليبيا على مالي فقال: quot;كان هناك دفعة مفاجئة من أفضل الأسلحة والعتاد وصلت إلى الجماعات المقاتلة في مالي، ما أدى إلى طرد الجيش المالي، وإرغامه على التراجع من مواقعه الاستراتيجيةquot;.

ووفقًا للمفهوم التقليدي للحكومات وصانعي الأسلحة، فإن عملية تصدير السلاح بشكل منسق ومنظم يمكن أن يساهم بشكل فعال في تقوية الدول الضعيفة، وإضفاء الطابع المهني على القوات العسكرية وتعزيز الاستقرار. لكن الواقع كان مغايرًا في ليبيا، وأدى إلى نتائج سلبية انعكست على الدول المجاورة.

الناتو أهمل السلاح

ترك التدفق المفترض للأسلحة من ليبيا إلى مالي آثارًا ميدانية غير مرغوب فيها، وأثار تساؤلات جديدة حول السبب الذي دفع بحلف الناتو والجيوش الحليفة، التي ساعدت على هزيمة جيش القذافي، إلى عدم احتوائه بعدما سببوا في انتشاره.

على مدى عقود حكم القذافي، تم الحفاظ على هذه الأسلحة، وبقيت كمياتها وأنواعها طيّ الكتمان، إلى أن عادت وظهرت في العام 2011 أثناء الثورة الليبية، إذ استخدمها الموالون للقذافي والثوار الذين استولوا عليها من المخزون الحكومي.

دليل قاطع

ثبت في نهاية المطاف أن بنادق M40 كانت واحدة من أكثر الأسلحة الفعالة التي أعطت الثوار قدرة على مواجهة قوات القذافي، ولا سيما أنهم استخدموها بشكل متكرر في خرق المباني التي اختبأ فيها الجنود.

وجدت هذه الأسلحة وغيرها من مخزونات القذافي في مالي، بعدما ثبت وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن الجيش المالي لا يملك بنادق M40 عديمة الارتداد.

وقال أحد الباحثين في مجال الاتجار بالأسلحة إن الصور التي توثق الأسلحة المستخدمة في مالي تثبت بشكل قاطع أن ليبيا هي مصدرها الرئيس.