قارن الإعلامي الإسرائيلي يوسي نيشر بين العلاقات المصرية - الإسرائيلية في عهدي مبارك ومرسي، وأكد أن بلاده مستعدة للتصدي لأي تهديد من سوريا أو إيران أو حزب الله، كما قيّم ما يُعرف بالربيع العربي، وقال إنه أثر إيجابًا على عودة قوة الشارع للساحة الإسرائيلية.


خاص- إيلاف: اعتاد متابعو إذاعة إسرائيل باللغة العربية الاستماع إلى تحليلات ورؤى الاعلامي يوسي نيشر، محرر الشؤون العربية بالإذاعة عينها، فباتت نبرة صوته تكشف عن هويته الاعلامية من الكلمة الاولى. كما اجتذب عُمق مراقبته للمشهد السياسي الاقليمي والدولي شريحة كبيرة من المستمعين.

وفي حوار خاص لـ quot;ايلافquot;، يكشف نيشر برؤيته التحليلية العديد من خفايا القضايا ذات الصلة بالعلاقات المصرية الإسرائيلية، وما انطوى عليها من مد وجزر، قبل رياح ما يُعرف بالربيع العربي وبعدها، فضلًا عن قراءته الشمولية لواقع الوضع في سوريا، واستعدادات إسرائيل لما وصفه بتهديدات حزب الله وإيران، أو ربما سوريا عينها. كما لم يغفل نيشر في حواره مع quot;ايلافquot; تحليل الواقع السياسي داخل إسرائيل، وما يتعلق منه بتشكيل الائتلاف الحكومي الجديد.

في ما يأتي نص الحوار:

كيف ترى تحولات المشهد المصري الأخيرة، وما ينطوي عليها من خلافات صامتة بين الجيش ومؤسسة الرئاسة؟ وما انعكاسات ذلك على إسرائيل في المستقبل القريب أو البعيد؟

التطورات على الساحة المصرية منذ ثورة 25 يناير شأن مصري داخلي. لكن لإسرائيل مصلحة واضحة بالحفاظ على معاهدة السلام بين الدولتين، وأن تكون الحدود بينهما مستقرة. خلق الربيع العربي حالة جديدة من عدم الاستقرار لدى بعض الدول المجاورة لإسرائيل، وبالتالي أحدث واقعًا جديدًا في العلاقة بين إسرائيل وعدد من جيرانها وعلى رأسها مصر، وينبغي على مصر وإسرائيل التعايش مع الواقع الجديد وبذل جهود كبيرة لبلورة مصالحهما المشتركة.

اما الأزمة بين الجيش المصري ومؤسسة الرئاسة فتنعكس على إسرائيل وأمنها، لا سيما أن الخلافات تتعلق بكيفية التعامل مع ملف الأمن في سيناء، أو مع قضية نقل الأسلحة إلى حماس بين سيناء وغزة عبر الانفاق.

لا تزال انعكاسات الأزمة على إسرائيل غامضة، وتنتظر التطورات المقبلة على الساحة المصرية. لكن من دون شك، تعامل إسرائيل مع حركة حماس في غزة يصبح أشدّ حساسية بسبب العلاقة التنظيمية والايديولوجية الرابطة بين الحركة وجماعة الاخوان المسلمين في مصر. ويبدو أن مكانة الجيش في الساحة المصرية ستلعب دورًا في المرحلة القادمة، وخصوصًا في طبيعة العلاقة بين مصر وإسرائيل، نظرًا لمتانة العلاقة بين المؤسستين العسكريتين الإسرائيلية والمصرية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

القاهرة وتل ابيب

كيف تقيّم العلاقات المصرية الإسرائيلية في عهدي مبارك ومرسي، وما تطلعات إسرائيل الرسمية من القاهرة؟

في عهد مبارك، كان عنوان العلاقات المصرية الإسرائيلية السلام البارد لكنه المستقر في الوقت عينه. تميزت العلاقات في حينه بتعاون أمني واستخباراتي وثيق من جهة، وانتقادات مصرية للسياسة الإسرائيلية حول القضية الفلسطينية من جهة أخرى. وفي الوقت عينه، اتسم عهد مبارك بشراكة المصالح بين القاهرة وتل أبيب، حول بعض الشؤون الاستراتيجية، وعلى رأسها مكافحة الارهاب ومواجهة التهديد الإيراني - النووي والشيعي لأمن المنطقة.

أما في عهد مرسي، فيبدو أن الرئيس المصري يحاول بلورة نوع من الحل الوسط في تعامله مع إسرائيل، بين التزاماته التنظيمية والايديولوجية للاخوان المسلمين من جهة، وظروف الواقع المحيط بمصر من جهة أخرى. فمنذ توليه منصب الرئاسة، لم يشر يومًا إلى اسم إسرائيل، بينما هناك تقارير عن لقاءات بين مسؤولين أمنيين مصريين وعسكريين إسرائيليين، وعن تنسيق حول الامن في سيناء. كما أن مرسي تبنى موقفًا مسؤولًا في الحرب الاخيرة في غزة، ولم ينجر وراء بعض الاصوات في الشارع العربي التي دعت إلى التصعيد ضد إسرائيل.

ما الذي يفتقر إليه مرسي على صعيد العلاقات المصرية الإسرائيلية؟

مرسي بحاجة إلى استقرار امني على الحدود مع إسرائيل لانعاش الاقتصاد في بلاده، وهو يعتمد على جهات خارجية على رأسها الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والدول الخليجية في محاولاته لانعاش اقتصاد مصر ما بعد الثورة، تمامًا كما كان الأمر في عهد مبارك. واشنطن، والتي لها تأثير كبير على صندوق النقد الدولي، تشرط دعمها الاقتصادي لمصر ما بعد الثورة بالحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل. أما الدول الخليجية، فقد وجهت الرسائل إلى مرسي حول استيائها من أي محاولات للتقارب بين القاهرة وطهران. لذلك هناك اعتقاد سائد اليوم بأن معادلة العلاقة بين القاهرة وواشنطن وإسرائيل في عهد مرسي، حتى هذه اللحظة على الاقل، هي تقريبًا المعادلة نفسها التي كانت في عهد مبارك، بمعنى أنه على مرسي الالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل وبحرية عبور السفن في قناة السويس مقابل تجاهل واشنطن ممارسات الرئاسة المصرية على الصعيد الداخلي.

إسرائيل تستعد

ما توقعاتك حيال امكانية نشوب مواجهة مسلحة بين إسرائيل وحزب الله؟

على خلفية الأزمة في سوريا وحالة عدم الاستقرار على الحدود مع سوريا للمرة الاولىمنذ عقود، تستعد إسرائيل لكل الاحتمالات، بما فيها انزلاق الأزمة السورية إلى الحدود اللبنانية والإسرائيلية. إسرائيل مستعدة لسيناريو الرد السوري المباشر أو عن طريق حزب الله أو إيران، بعد ما نسب لإسرائيل من غارة جوية على مركز الابحاث السوري بالقرب من دمشق الشهر الماضي.

وإسرائيل تستعد ايضًا لمحاولات الاسد لاقحامها في أزمته الداخلية، وايضًا لسيناريو انتقال كميات من الاسلحة الصاروخية وربما الكيماوية من سوريا إلى حزب الله في حال انهيار نظام الاسد، الامر الذي من شأنه أن ينعكس استراتيجياً على ميزان الردع بين إسرائيل وحزب الله.

وإسرائيل مستعدة ايضًا لسيناريو التصعيد في الملف الإيراني، الذي قد ينعكس تصعيدًا على سوريا وعلى لبنان. وألفت هنا إلى أن إسرائيل لم تتجاوز مرحلة المشاورات لتشكيل الحكومة، وبلا شك تشكيلة الحكومة الإسرائيلية العتيدة ستلعب دورًا في مسألة المواجهة مع حزب الله.

ما مواصفات النظام الجديد الذي ترغب فيه إسرائيل بعد الاطاحة بالاسد؟ وهل ترغب إسرائيل في دعم دروز الجولان للوصول للسلطة؟

النظام الجديد ما بعد الاسد شأن سوري داخلي، ولكن من مصلحة إسرائيل أن تكون الحدود بينها وسوريا مستقرة على الاقل، مثلما كانت في عهد الاسدين الاب والابن، والا يتكرر مشهد سيناء ما بعد الثورة في مصر في هضبة الجولان.

كما أن من مصلحة إسرائيل تفكك محور طهران - دمشق - حزب الله حال سقوط نظام الاسد، مع الادراك بأن هذا السيناريو لا يعني بالضرورة عدم تكوّن محاور اقليمية قد تكون أسوأ. اما سيناريو إيصال دروز الجولان إلى السلطة فمستبعد، فالدروز في سوريا اقلية ضعيفة نسبيًا، تلعب دورًا هامشيًا في الثورة الراهنة، فهل مثل هذه الاقلية قادرة أو حتى راغبة في الوصول إلى السلطة؟!

الربيع الإسرائيلي

ما تقييمك لمناخ الربيع العربي، وهل يمكن أن تصاب إسرائيل بالفيروس ذاته نتيجة الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي عبّرت عنها الاحتجاجات الاخيرة في إسرائيل؟

نموذج الربيع العربي في مصر منذ تولي مرسي زمام السلطة وانفراد الاخوان المسلمين بها مخيب لآمال الشارع العربي نفسه، وقد ينعكس سلبًا على مستقبل سير حركة الاحتجاجات في دول عربية أخرى، وكذلك على استعداد واشنطن والدول الغربية الأخرى لدعم الجهات البديلة للانظمة الحاكمة اليوم في بعض الدول العربية، وهو ما نلاحظه في تعامل واشنطن اليوم مع الملف السوري.

مع انطلاق الثورات العربية، كان الشارع الإسرائيلي متعاطفًا إلى حد كبير مع القوى (ولا سيما الليبرالية منها) التي أطلقت الربيع العربي. هذا الامر انعكس بالفعل على عودة قوة الشارع إلى الساحة الإسرائيلية، وبالتالي بروز موجة الاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدتها إسرائيل قبل حوالي عامين، وكان ابرزها في quot;جادة روتشيلدquot; الشهيرة في تل أبيب. ولكن موجة الاحتجاجات الإسرائيلية انهارت ولو موقتًا، على أرضية الخلافات بين قياداتها حول كيفية الاستمرار فيها، وحول مسألة الانتقال من الشارع إلى الساحة السياسية. وانتقل عدد من قادة الاحتجاجات المذكورة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة إلى الكنيست. وثمة اسباب أخرى لانهيار الحركة الاحتجاجية في إسرائيل كهيمنة الاجندة الامنية على الساحة الإسرائيلية على حساب الاجندة الاجتماعية ndash; الاقتصادية، وانعكاس تطورات الربيع العربي خلال العامين الماضيين سلبًا على الحركة الاحتجاجية الاجتماعية ndash; الاقتصادية في إسرائيل.

أزمة نتانياهو

هل سينجح نتانياهو في تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد؟

من السابق لأوانه التكهن حول مدى نجاح نتانياهو في مساعيه لتشكيل ائتلاف حكومي، لا سيما أن رئيس الوزراء اطلق المرحلة الثانية من المشاورات النيابية بعد حصوله على الضوء الاخضر من شيمون بيريز لتمديد فترة المشاورات بأسبوعين اضافيين. نتانياهو، الذي تراجعت شعبيته في الانتخابات الاخيرة، يجد نفسه امام خيار شبه مستحيل، على خلفية معارضة التحالف الجديد بين حزبي هناك مستقبل والبيت اليهودي للانضمام إلى الائتلاف اذا انضمت اليه الاحزاب اليهودية المتزمتة، وذلك بسبب مطالبة الحزبين بالمساواة في تحمّل عبء الخدمة العسكرية بين العلمانيين والمتدينين المتزمتين في إسرائيل.

عامل الضغط الجديد في المشاورات النيابية لتشكيل الائتلاف الحكومي، هو التلميحات الصادرة عن واشنطن بأن الرئيس باراك اوباما قد يلغي زيارته المقررة لإسرائيل في منتصف الشهر الجاري، إذا فشل نتانياهو في تشكيل الائتلاف قبل ذلك.

تشير المعلومات المتوافرة إلى أن نتانياهو مضطر إلى تشكيل ائتلاف يشمل حزبي هناك مستقبل والبيت اليهودي، إلى جانب حزب الحركة برئاسة تسيبي ليفي، من دون الاحزاب اليهودية المتزمتة للمرة الاولىمنذ فترة طويلة في الحياة السياسية الإسرائيلية.