يتردد داخل أروقة مجلس الأمة الكويتي همسًا يضج بمخاوف حقيقية لأعضائه من حل مجلس الصوت الواحد في شهر يونيو المقبل، ويلوح في الأفق البعيد أن ثمة صفقة سياسية تطبخ على نار هادئة تكاد تنضج وعلى طبقها سيُسكب حل الأزمة السياسية بين المعارضة والحكومة حيث تأمل الأخيرة أن تكون من خلال هذه الصفقة قد مدت يدها لمصالحة وطنية طالب بها الكثير لكن مع احتفاظها بماء الوجه.


الكويت: صرّح مراقب سياسي لـ إيلاف quot;أن المحكمة الدستورية في الكويت ستحصن مرسوم الصوت الواحد لكنها ستقضي ببطلان مجلس الأمة الحالي نتيجة الخلل الذي يشوب إجراءات الدعوة للانتخابات وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات والتي جاءت بمرسوم ضرورة أيضا، وبذلك يكون ثاني مجلس يتم إبطاله في تاريخ الكويت السياسي، ليبدأ مشوار العودة إلى السباق الانتخابي ودخول الفريق البرتقالي الذي قاطع العملية الانتخابية الأخيرة كمنافس للفريق الأزرق على المقاعد الخضراء في قاعة عبدالله السالمquot;.

وبيّن المراقب الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن هذا لا يعني إلا أن الحكومة تمعن في تفكيك المعارضة التي سيقبل بعض أطرافها بهذا الخيار بينما كتلة الأغلبية غالبا سترفضه وتقاطع الانتخابات الجديدة كما صرح بذلك أخيرا النائب السابق وليد الطبطبائيquot;.

الباحث في القش الخاسر الأكبر

الخاسر الأكبر في كل الحلول المقترحة لخروج البلد من حال الاحتقان السياسي هم أعضاء مجلس الصوت الواحد الذين عانوا حربا نفسية مزدوجة على مدى الفترة الماضية تقودها بنجاح ضدهم المعارضة بشكل مباشر ومعلن، والحكومة بشكل مبطن عكسه أسلوب تعاملها مع المجلس الحالي.

فمنذ بداية الفصل التشريعي الحالي وجد نواب مجلس الصوت الواحد أنفسهم كالباحثين عن إبرة وسط أكوام قش التراكمات السياسية، متشبثين ببصيص أمل ضعيف، لاستكمال مجلسهم مدته الدستورية4 سنوات، يتحقق لهم خلالها الرصيد الشعبي الذي يؤمن لهم العودة إلى المقاعد الخضراء مجددا.

وبعد أن فشل أعضاء المجلس الحالي في إثبات قوة مجلسهم أو انه على الأقل (يشمخ) بحسب ما صرح رئيسه علي الراشد، إذ نجحت الحكومة في تكبيل أداة الاستجواب، وإبقائها أداة مجمدة إلى دور الانعقاد المقبل من وخلال انتزاع (لا مانع) من الأغلبية النيابية على تأجيل أربعة استجوابات دفعة واحدة، أصبح المقاطعون للانتخابات أو الفريق البرتقالي ينظرون لهذا المجلس على انه في جيب الحكومة، ويوصف بالهامشي والصوري ولا يقارن بقوة المجلس المبطل الذي شارك أغلب أعضائه في إسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد عبر حراك عنيد انتهى بحادثة اقتحام المجلس الشهيرة.

المأخذ كثيرة

فمن أكبر المآخذ على مجلس الصوت الواحد أن الحكومة وضعت كل استجواباته في التجميد والتعليب والتغليف وأجلت كل تحركاته في مسألة الوزراء حيث اندفع النواب بشراهة نحو الاستجوابات التي وصفها البعض بأنها استعراضية ليس إلا حيث تفوق مجلس الصوت الواحد على المجلس المبطل بكم الاستجوابات ففي حين قدم المبطل 49 تهديدا بالاستجواب من 16 نائبا قدم المجلس الحالي 54 تهديدا بالاستجواب من 21 نائبا، وكان لوزير الداخلية أحمد الحمود نصيب الأسد من التهديدات من المجلسين معا يليه وزير المالية مصطفى الشمالي الذي حصل على 10تهديدات بالاستجواب من المجلس المبطل و9 من مجلس الصوت الواحد.

ورغم أن الصحافة تتعامل بحذر في انتقاد هذا المجلس مجاملة للحكومة إلا أن الاختبار الصعب في تنفيذ خطط عملاقة في التنمية والإصلاح جعل من المستحيل استمرار التغاضي عن هفوات المجلس وخصوصا بعد أن حصلت الحكومة على مبتغاها في تأجيل فصل المساءلة وانتزاع ضوء أخضر لتمرير كل ما يمكن أن يطلق عليه انجازا يحسب للمجلس (المتعاون).

ويتسم معظم نواب هذا المجلس النيابي - باستثناء الوجوه الشيعية البارزة - بقلة الخبرة في العمل السياسي ولاسيما ان بعضهم يخوض التجربة البرلمانية للمرة الأولى ولولا مقاطعة الأغلبية للانتخابات ما كان لهم أن يحصلوا على مقعد نيابي فيه، كما تنقصهم الحنكة التي تؤهلهم للتعامل مع الأزمات السياسية واحتوائها كما كانت تفعل المجالس السابقة فضلا عن افتقادهم أسلوب المناورة الذي يمكن من خلاله الموازنة بين المتطلبات السياسية والاستحقاقات الشعبية في التعامل مع الوزراء حيث إنهم يبحثون عن حضور شعبي ورصيد انتخابي في الشارع وهما مطلبان لا يتحققان إلا بأمرين الأول تسجيل المواقف السياسية والثاني انجاز خدمات للمواطنين من الوزراء.

وقد فشل النواب حتى الآن في الأمرين، فالحكومة تستخف بهم، وقد عبر أكثر من نائب عن هذا الأمر بقولهم إن (الحكومة مو معبرتنا) ومنهم من بلغ به الأمر إلى درجة أن يقول (الحكومة تحتقرنا).

وارتفعت نبرة الشكوى والتذمر من عدم تعاون حكومة الشيخ جابر المبارك مع مطالبهم الشعبية، كما عبر عن ذلك النائب الإسلامي خالد الشليمي بقوله في إحدى الجلسات إن quot; الوزراء لا يجيبون عن أسئلتنا.. لماذا يصادرون حقنا بالرد ثم يشتكون للقيادات العليا بأننا نثير التأزيم وعدم التعاون من خلال الاستجواباتquot;؟

أمل

بصيص أمل ضعيف كشف عنه مصدر نيابي لـ إيلاف بأن عددا من النواب ممثلين عن كتل نيابية في المجلس اجتمعوا مع رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك منذ أيام قليلة في اجتماع سري واستمع إلى مخاوفهم من خسارة رصيدهم الشعبي بسبب تجاهل الوزراء لهم وعدم تمرير معاملات المواطنين كما كانوا يفعلون مع نواب سابقين لا تزال معاملاتهم تحظى باهتمام الوزراء رغم مقاطعتهم العملية السياسية.

وأوضح المصدر أن رئيس مجلس الوزراء وعد النواب بأن يتلمسوا تعاونا حقيقيا من قبل الوزراء في المرحلة المقبلة، وتم الاتفاق على وضع آلية معينة للتعامل مع معاملات النواب من دون تمييز، وتخصيص عدة أيام يلتزم فيها الوزراء مكاتبهم من اجل الالتقاء بالنواب واستقبال معاملاتهم كما كان متبعا مع النواب السابقين.

صراع فكري ولبرلة التشريعات

وبعيدا عن التجاذبات السياسية يتهدد الصراع الفكري بنسف العلاقة في ما بين النواب الإسلاميين الذين خفت بريقهم في المجلس الحالي، في مقابل ارتفاع أسهم ما يسمى بالتيار الليبرالي مع زيادة عدد النواب المحسوبين بشكل أو بآخر على هذا التيار في مجلس الصوت الواحد.

ومن المتوقع أن يشعل المقترح الذي تقدم به عدد من النواب لإلغاء قانون منع الاختلاط في الجامعات والكليات والمعاهد التطبيقية فتيل أزمة نيابية نيابية قادمة، نظرا لما تمثله هذه الخطوة من استضعاف للتيار الإسلامي بشكل محرج للنواب الإسلاميين الحاليين ما قد يدفعهم إلى الانفجار ونسف كل الاتفاقات التي تمت مع بقية النواب من اجل إطالة عمر مجلس ولد وهو يحتضر.

ولكن مراقبين يرون أن الزج بقضايا خلافية من هذا النوع الهدف منه خلط الأوراق وإشغال الشارع بأزمة مفتعلة قد تحقق شيئا من التفاعل مع أعمال المجلس الحالي ما سينتج منه تحقيق كلا الفريقين شيئا من المكاسب الشعبية.

ورجح المراقبون أن رغبة الكتلة الشيعية التي نمت في المجلس الحالي بالتوازن في هذه المعادلة من خلال نسج تحالف سني شيعي يهدف إلى التصدي إلى ( لبرلة) التشريعات، وهو أمر من شأنه أن يكسب المجلس الحالي صبغة اعتدال افتقدها المجلس المبطل الموسوم بالطائفية.

والملاحظ في هذا المجلس أن ثمة تجانسا نوعا ما بين الشيعة والسنة وإن كان هناك أكثر من عنصر مهيأ لخلق أزمة طائفية إلا أنهم يسيطرون على انفعالاتهم تجنبا للشماتة وخوفا من حل مجلس الأمة.

ولادة كتل جديدة

ومن مميزات المجلس الحالي ولادة ثلاث كتل سياسية جديدة وهي كتلة quot;المستقبلquot; وكتلة quot;المحافظونquot; وكتلة quot;المستقلونquot; التي تشكلت من أعضاء ليس لهم ارتباط بكتل سابقة كما يميز هذه الكتل وجود هامش اكبر من الحرية والاستقلالية لدى أي عضو فيها لاتخاذ الرأي الخاص به وهو أمر يعد من الايجابيات.

واتسم المجلس الحالي بتراجع الزعامة القبلية التي كانت تحكم المواقف في المجلس السابق وتحسم العديد من المعارك السياسية وخصوصا بعد مقاطعة السواد الأعظم من أبناء القبائل الكبرى مثل العوازم ومطير والعجمان وعتيبة، لتحل بدلا منها ما تسمى بالأقليات وتشمل قبائل شمر وعنزة والظفير والصلبه بينما اكتسبت قبيلة الرشايده بفضل عدم إتباعها بقية القبائل الكبرى في المقاطعة حقائب وزارية ومنصب نائب الرئيس مع احتفاظها بمقاعدها النيابية المعتادة.

ومن أكثر القضايا التي يعول عليها في أن تكون مكسبا للمجلس الحالي قضية (القروض) المتنازع عليها بين المجلس والحكومة.

وبخلاف ما يظنه أعضاء المجلس الحالي في قانون إسقاط الفوائد الذي اقر في مداولته الأولى بعد تسجيل الحكومة تحفظها عليه، من أنه سيكون إنجازا شعبيا، يرى اقتصاديون أن القانون ليس إلا ضجة مختلقة من اللجنة المالية في مجلس quot;الصوت الواحدquot; لا يستفيد منها إلا 12 في المائة من أصحاب القروض الاستهلاكية والمقسطة، كما انها لا تعالج قضية شعبية عامة وتفتقد للعدالة فمن اقترض بعد 2008 لن يسقط عنه شيء ولن يدخل في مكرمة المجلس، وإنما هي مشروع في الغالب للتكسب السياسي على حساب هدر المال، والاستمرار في نهج الهبات من دون تحقيق المساواة والعدل بين المواطنين.

ويبدو أن المقارنة بين المجلسين المبطل بصقوره الجارحة والصوت الواحد بحمائمه الخانعة ستظل أكثر ما يتندر به الشعب الكويتيويشغله في دواوينه ونقاشاته عبر تويتر وغيره.