أفشل الأميركيون خلال 12 عامًا العديد من الهجمات الارهابية الكبيرة، لذلك تخاف الادارة الأميركية من أن يكون تنظيم القاعدة نبذ هذا النوع من الهجمات، وتحول إلى تنفيذ عمليات صغيرة، يصعب كشفها ويسهل تنفيذها.


لندن: حاول تنظيم القاعدة مرارًا، خلال الأعوام الاثني عشر الماضية، أن ينفذ هجمات تضاهي أو تفوق هجمات 11 ايلول (سبتمبر) بضخامتها. فأعدّ مخططات لضرب برج لايبراري تاور في لوس انجيليس، ومطار هيثرو، ومبانٍ وسط لندن بطائرات مخطوفة.

وحاول أن يفجر طائرات مدنية عدة، على متنها نحو 1500 مسافر فوق المحيط الأطلسي، باستخدام متفجرات مخبأة في مشروبات رياضية. وحاول فرعه في اليمن تفجير طائرة مدنية فوق ديترويت، باستخدام متفجرات مخبأة في الملابس الداخلية.

كما حاول تفجير طائرات متوجهة إلى الولايات المتحدة باستخدام عبوات مخبأة في خراطيش طابعات مع توقيت انفجارها فوق الساحل الشرقي للولايات المتحدة.

لكن هذه المحاولات باءت بالفشل. وفي ديترويت حال حسن الحظ دون وقوع كارثة، إذ تمكن تنظيم القاعدة من اختراق الدفاعات الاميركية، وإيصال عبوة ناسفة على متن طائرة، لكنها لم تنفجر بسبب خلل فني. وأُحبطت المخططات الأخرى نتيجة عمل استخباراتي دؤوب. ولا مراء في أن الولايات المتحدة صعبت على القاعدة تنفيذ هجمات بحجم اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر).

بغداد أخرى

لم يكف تنظيم القاعدة عن المحاولة. وأثار ذلك تساؤلات عن سبب تركيزه على الهجمات المثيرة، التي توقع اعدادًا كبيرة من الضحايا، بدلًا من تنفيذ هجمات أصغر مثل تفجيري بوسطن، وهي هجمات تنفيذها أسهل واكتشافها ومنعها أصعب.

وقد لا تقل الهجمات الصغيرة فاعلية في تعطيل الحياة. فرجل ومراهق أرعبا منطقة واشنطن كلها بسلسلة من اعمال القنص في تشرين الأول (اكتوبر) 2002. ومن السهل على تنظيم القاعدة تنفيذ هجمات مماثلة في واشنطن ونيويورك ومدن أخرى في الولايات المتحدة، باغتيال اعضاء في الكونغرس أو ابرياء أو تفجير عبوات مصنوعة محليًا في مناطق مزدحمة.

تصوروا ما سيحدث في الولايات المتحدة لو انفجرت في آن واحد عبوات ناسفة عصر يوم سبت في مراكز تجارية اميركية مزدحمة، أو فجّر انتحاريون انفسهم خلال مباريات كروية متعددة تُبث مباشرة على التلفزيون، أو بدأت عبوات مخبأة في حقائب كتلك التي استُخدمت في بوسطن تنفجر واحدة تلو أخرى على امتداد ايام أو اسابيع في مدن اميركية مختلفة. فإن تنظيم القاعدة قادر على أن يحيل واشنطن ونيويورك وبوسطن إلى بغداد أخرى، على حد وصف صحيفة واشنطن بوست.

دليل ضعف؟

لكن تنظيم القاعدة لم يعتمد هذا الاسلوب خلال العقد الماضي. وهذا ما يثير حيرة الخبراء، الذين يرون أن احد الأسباب هو أن حجم هجمات 11 ايلول (سبتمبر) عمل لصالح الولايات المتحدة في النهاية. فتنظيم القاعدة بتفجيره برجي مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون وقتل نحو 3000 شخص حدد لنفسه مستوى عاليًا للغاية. وصار التنظيم يخشى أن يُفسر تنفيذ هجمات أصغر بعد تلك الهجمات في عالم الجهاديين على أنه دليل ضعف.

ولعل قادة القاعدة أصبحوا أقل اهتمامًا بمثل هذه المسائل بعد مقتل اسامة بن لادن وغيره من قادة التنظيم. وتردد أن بن لادن ظل يلح على تنفيذ هجمات كبيرة ضد اهداف ذات دلالة رمزية كبيرة حتى النهاية. لكن بن لادن رحل الآن. وقد يطرأ تغيير على اسلوب عمل القاعدة في غيابه، لا سيما أن فروعه في اليمن وشرق افريقيا والمغرب العربي تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية عن القيادة المركزية للتنظيم في باكستان.

نقطة تحول!

لا يُعرف حتى الآن ما إذا كان الشابان الشيشانيان المشتبه بهما في تفجيري بوسطن تدربا في معسكرات تنظيمالقاعدة أو نفذا توجيهاته. لكن إذا اتضح أن تنظيم القاعدة مسؤول عن هجوم بوسطن، فيكون السؤال في هذه الحالة: هل بوسطن نقطة تحول؟ هل اتخذ تنظيم القاعدة قرارًا بالتركيز على هجمات صغيرة؟ هل يكون تفجيرا بوسطن فاتحة تفجيرات عديدة أخرى؟

وحتى إذا لم يكن تفجيرا بوسطن مؤامرة حاكها تنظيم القاعدة، فإن مؤثر المحاكاة فيها يمكن أن يؤدي إلى تغيير في الاستراتيجية.

وقد يرى قادة القاعدة، الذين تابعوا التغطية الاعلامية الهائلة لهجوم بوسطن وكيف تمكن شابان من تعطيل الحياة في مدينة اميركية كبيرة ودفع سكانها إلى ملازمة بيوتهم، أن سلسلة من الهجمات الصغيرة كهذه قد يكون لها تأثير لا يقل عن تأثير الهجمات الكبيرة بدافع الاثارة وإنزال خسائر أكبر.

ليس سهلًا

وإذا توصل قادة القاعدة إلى قرار كهذا، فهو نبأ سيئ للولايات المتحدة، لأن من المتعذر على أجهزتها أن تكون حاضرة في كل مكان في كل الوقت، لمواجهة هجمات من كل صنف ممكن.

وإذا اتضح أن تفجيري بوسطن منعطف جديد في الحرب على الارهاب، فإن التحديات الاستخباراتية ستكون هائلة أمام السلطات الاميركية. وقد لا تعود الولايات المتحدة قادرة على تفجير كل قيادي ارهابي بطائرات من دون طيار، ونسف كل ما في رأسه من معلومات.

وقد تكتشف الولايات المتحدة أنه من الضروري التحقيق مع إرهابيين أحياء لمعرفة ما يعرفونه، كما تلاحظ صحيفة واشنطن بوست.

وإذا كانت الولايات المتحدة نجحت في منع وقوع نسخة أخرى من هجمات 11 ايلول (سبتمبر) بخليط من الحظ والمهارات الاستخباراتية والتكنولوجية، فإن منع بوسطن أخرى قد لا يكون سهلًا.