سادت حالة من الترقب وحبس الأنفاس أوساط الجالية العربية الأميركية إثر تفجيرات بوسطن، لكنها انتهت بعد الإعلان عن إلقاء القبض على أحد الجناة ومقتل الآخر. وكان حال لسانهم يقول: quot;نرجو ألا يكون مسلمًا متشددًاquot;.

واشنطن: بعد هجوم بوسطن، سادت حالة من الترقب والقلق في الجالية العربية المسلمة على وجه الخصوص، أعادت إلى الأذهان ذكرى أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١، والتي ذهب ضحيتها الآلاف من الناس، وعانى على إثرها الكثير من العرب والمسلمين التضييق على أعمالهم، والطرد من وظائفهم، والتعرض للإعتقال التعسفي لمجرد تشابه الأسماء.
أفرزت تلك الأحداث واقعًا أميركيًا جديدًا، مرتبطًا بالهوس الأمني لدى الحكومة والناس، وأوجدت قانون مكافحة الإرهاب الذي اعتقل بموجبه الكثير من الناس، وتحولت المطارات إلى نقاط تفتيش مزعجة. كما وضع العرب تحت المجهر. وهو ما جعل العرب والمسلمين اليوم ينظرون إلى ما حدث بعين القلق، لما قد يؤول إليه الأمر. فمنفذا الهجوم ليسا من العرب، لكنهما مسلمان.
دأب العرب والمسلمون الأميركيون بعد تفجير أوكلاهوما في العام ١٩٩٥ على مد جسور من التواصل والحوار بينهم وبين المجتمع الأميركي، للتعريف بحقيقة الدين الإسلامي الذي يرفض قتل الأبرياء وسفك الدماء.
فظهر الدعاة المسلمون والأئمة ومشايخ المساجد في وسائل الإعلام، وألقى الناشطون العرب الأميركيون المحاضرات في الجامعات والكليات والمدارس، وفتحت أبواب المساجد للجمهور الأميركي الذي يرغب بالتعرف على الدين الإسلامي. كما قام ممثلو الجالية الإسلامية في كل الولايات بتعريف الناس بالقوانين الجديدة لتجنب أي سوء تفاهم قد يعود بالضرر على الجالية المسلمة.
حزن وقلق
يصف الشيخ عماد الإنشاصي، ممثل الجالية العربية المسلمة في ولاية أوكلاهوما والمتحدث الرسمي باسمها، بأن ما حدث في بوسطن عمل اجرامي بكل المقاييس، ويطال الجميع بلا استثناء، ولا يفرق بين دين وآخر، والجالية المسلمة ترفضه رفضًا قاطعًا.
يقول: quot;نرفض اتهام الدين الإسلامي بما يجري، فمن يفعل ذلك لا يمت للدين الإسلامي بأي صلة، و نحن من جانبنا نتبرأ منه كما نتبرأ من هذا العمل، فالعرب الأميركيون يتأثرون أسوة بغيرهم بما يحدث في المجتمع، لأنهم أبناء هذا البلد، ويحرصون كغيرهم على بقائه آمنًاquot;.
ويؤكد الإنشاصي أن البناء الذي شيّده العرب والمسلمون الأميركيون طوال الفترة الماضية quot;بدأ بعد تفجيرات أوكلاهوما وأزداد بعد أحداث ايلول (سبتمبر)، وساهم كثيرًا في تحويل الخوف الذي كان يشعر به المسلمون تجاه أي حادث إلى حزن وإلى قلق من قيام بعض القنوات باستغلاله لمصالح مغرضةquot;.
حسن تعريف بالدين
يقول: quot;تمنينا وصلينا ألا يكون منفذ الهجوم عربيًا أو مسلمًا، لأننا نعي تمامًا ما قد يؤول إليه الموضوع، ولا نعرف النتائج التي قد تترتب على ذلك في المستقبل، وحتى الآن لم نتلقَ أي تهديد، ولم تتعرض المساجد لأي هجوم، بل تلقينا اتصالات للإطمئنان من مركز تجمع الأديان الأخرى، ومن المباحث الفيدرالية التي تطوعت لحماية المساجد والمراكز والمؤسسات الدينية الإسلامية، وهو ما يؤكد تقدمنا في مجال التواصل والتحاور بين الأديان، فالناس تحلت بالوعي الكافي لتعرف أن ما يحدث لا يمت للدين الإسلامي بأي صلةquot;.
كما يشير إلى أن المراكز الإسلامية في كل الولايات مستمرة في إعادة تعريف كلمة الجهاد، من خلال حملة quot;جهاديquot; My Jihad، التي يشارك فيها الكثير من النشطاء المسلمين كل بطريقته في المجتمع، للتعريف الحقيقي بمعنى هذه الكلمة.
خطاب أوباما خفف التوتر
أما المحلل السياسي محمد كمال الصاوي فيرى بأن الرئيس باراك أوباما أصاب في خطابه الذي طالب فيه الجميع بضرورة التروي في الحكم وعدم التسرع في توجيه أصابع الإتهام للمسلمين وإصدار الأحكام، وهو ما ساهم بدوره في تحويل النظر عن المسلمين قليلاً.
قال: quot;ساعد خطاب أوباما للشعب الأميركي في امتصاص غضب الشارع، وحول نظر المتابعين إلى معرفة الجناة من دون التركيز على الديانة، وهو ما لاحظناه في وسائل الإعلام التي ركزت على الجناة وهويتهم بصورة أوليةquot;.
ويؤكد الصاوي أن هذا التروي مردود إلى استفادة الحكومة الأميركية من الدروس السابقة، وخصوصًا بعد حادث تفجير أوكلاهوما، حينما سارعت وسائل الإعلام وبعض المسؤولين إلى اتهام جهات عربية خلفه، ثم تبين بعد ذلك أن منفذ الهجوم مواطن اميركي.
ويعتقد الصاوي بأنه على الرغم من تفشي الإسلاموفوبيا، إلا أن المجهود الذي تبذله المراكز الإسلامية للتعريف بالإسلام والدين الإسلامي ساهم كثيرًا في امتصاص غضب الشارع الأميركي. فأضحى الكثيرون منهم يعون الفرق ما بين الدين الإسلامي كدين وسلوكيات بعض المسلمين المتشددين الذين يحسبون على تيارات معادية للغرب.