ازدادت قدرات تنظيم القاعدة خلال السنوات الأخيرة بسبب جملة عوامل، أهمها تركيز أوباما على القضايا الداخلية في بلاده وكذلك الظروف التي وفرتها الثورات في العالم العربي.
بعد سبعة أسابيع على مقتل أسامة بن لادن في عام 2011 أعلن الرئيس الأميركي باراك اوباما إن تنظيم القاعدة quot;في طريقه إلى الهزيمةquot;. واستخدام هذه العبارة في أحيان كثيرة لتبرير الانسحاب من أفغانستان وخفض الإنفاق العسكري. في هذه الأثناء أخذ تنظيم القاعدة يسخر من التوقعات القائلة بهزيمته الوشيكة.
التنظيم ينبثق في اماكن جديدة
وحتى بعد الخسائر التي تكبدها تنظيم القاعدة بمقتل عدد من قادته الكبار فان التنظيم ما زال ينبثق في مناطق جديدة وبأشكال جديدة. وشهدت الأشهر الأخيرة تفعيل فروع القاعدة أو إنشاء فروع جديدة في العراق وسوريا وعموم شمال إفريقيا ونيجيريا.
وإذا فقد تنظيم القاعدة ملاذا في أفغانستان فانه أقام قواعد متعددة في باكستان واليمن والصومال. واغتنم بذكاء ما سنح له من فرص فأصبح الآن أنشط ويعمل في أماكن أكثر مما كان يوم هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، كما يلاحظ المحلل في مؤسسة راند للأبحاث بروس هوفمان.
وتغيرت تكتيكات القاعدة بحكم الضرورة. فان القوات الخاصة والطائرات دون طيار الأميركية دفعت قادته quot;المركزيينquot; إلى الاختفاء عميقًا تحت الأرض. ويستبعد مسؤولون في إدارة اوباما أن تكون حركة الشباب في الصومال أو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يخططان لتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة.
ربما ليس الآن، ولكن إلى متى؟ يتساءل المحللون مشيرين إلى أن فرع القاعدة في اليمن أصبح أشد خطرًا مما كان بن لادن في باكستان. فان هذا الفرع تحديدا المعروف باسم القاعدة في الجزيرة العربية هو الذي أرسل انتحاريًا أخفى متفجرات في ملابسه الداخلية لضرب هدف أميركي أواخر عام 2009. وفي كل مكان للقاعدة نشاط فيه يبحث التنظيم عن ملاذ يخطط منه لإسقاط أنظمة صديقة للغرب ومهاجمة الولايات المتحدة.
ولعل تامرلان تسارناييف الذي نفذ تفجيرات بوسطن مع شقيقه لم يكن على ارتباط مباشر بفرع القاعدة في الشيشان، المعروف باسم الإمارة الإسلامية في القوقاز، ولكن المحققين الأميركيين ينظرون في مثل هذا الاحتمال لا سيما وان تقارير روسية أشارت إلى انه حاول العام الماضي الانضمام إلى التنظيم في داغستان وشوهد مع متطرفين معروفين.
الربيع العربي أفاد القاعدة
ويرى محللون أن تعاظم نشاط القاعدة في الوقت الحاضر تلقى دفعة من انتفاضات الربيع العربي التي بدلا من الحرية السياسية والازدهار أسفرت حتى الآن عن دول ضعيفة، في ليبيا وتونس واليمن، وأزمة سياسية مديدة في مصر، وحرب أهلية في سوريا، وعززت مواقع الإسلاميين ونفوذهم في جميع هذه البلدان. وفي حين أن رسالة التطرف التي ترتبط بالقاعدة لا تجند عناصر كثيرة للتنظيم فان كوادره يستغلون غياب سلطة الدولة.
حركة متغيرة لا مركزية
ورصد الباحثان فريد كيغان وكايتي زمرمان من معهد انتربرايز الأميركي فروع تنظيم القاعدة في أنحاء العالم. وتبين دراستهما أن تنظيم القاعدة الآن حركة متغيرة لا مركزية بخمسة فروع كاملة الانتماء ومعترف بها فروعا من قيادة التنظيم المركزية في باكستان. وأحدث هذه الفروع حركة الشباب في الصومال التي بثت شريط فيديو ظهر فيها زعيمها مع زعيم القاعدة أيمن الظواهري.
وذهب محللون ومسؤولون في إدارة اوباما إلى أن طالبان الأفغانية وحركة بوكو حرام في نيجيريا لا تنسقان مع القاعدة، ولكن وفرة من المعلومات تؤكد خلاف ذلك. فان قادة بوكو حرام كانوا على اتصال بأسامة بن لادن خلال الأشهر الثمانية عشر الأخيرة من حياته، بحسب الوثائق التي عُثر عليها في منزله في مدينة ابوت آباد.
فروع مختلفة
ونقلت صحيفة وول ستريت جونال عن المحلل هوفمان من مؤسسة راند ان بن لادن بدأ منذ عام 2003 يتحدث عن فتح فروع للقاعدة في غرب إفريقيا.
ويختلف كل فرع عن الآخر رغم أنها كلها بقيادة زعماء عملوا مع القاعدة أو تدربوا في معسكرات التنظيم في أفغانستان. وظلت الاستخبارات الغربية تنظر طيلة سنوات إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي انبثق عن الحركة الإسلامية المتطرفة في الجزائر على انه جماعة إجرامية همها الربح من التهريب وخطف الرهائن لا الجهاد. وقال الباحث كيغان إن هذا الفرع هو الأفضل تمويلا بين فروع القاعدة نتيجة مثل هذه الأنشطة.
سقوط القذافي والسلاح
ولكن مع تدفق السلاح من ليبيا بعد سقوط نظام القذافي وبعد الانقلاب العسكري في مالي العام الماضي رأى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي فرصة في هذه التطورات للسيطرة على شمال مالي وكان على وشك اجتياح العاصمة باماكو قبل تدخل فرنسا في مطلع العام. ورُد التنظيم على أعقابه، لكنه لم يُهزم، وأفادت تقارير أن مقاتليه انتقلوا شمالا إلى الجزائر وليبيا.
وتعمل فروع القاعدة بتنسيق فيما بينهما لا تريد الولايات المتحدة أن تعترف به. فان مقاتلي بوكو حرام تدربوا في مالي وتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية يتقاسم المقاتلين والخبرات مع حركة الشباب على الضفة الأخرى من البحر الأحمر.
وحاول الفرع اليمني ان يفتح فرعا في مصر. وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إن الإسلامي المصري المتطرف محمد جمال ابو احمد ضمن تمويل فرع اليمن لجماعته العام الماضي وطلب اعتراف مركز تنظيم القاعدة بها فرعا من فروعه.
الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي
وأفرجت عنه السلطات المصرية الجديدة عام 2011 في إطار عفو عن السجناء السياسيين. ثم شارك أبو احمد في الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي في 11 أيلول/سبتمبر الماضي ويُعتقد انه ما زال في ليبيا.
ويحذر محللون من أن انعدام الأمن في شبه جزيرة سيناء يرشح المنطقة للتحول إلى ملاذ آخر يستوطنه فرع جديد من فروع القاعدة.
ولعل الجائزة الكبرى لتنظيم القاعدة في المشرق العربي وبلاد الشام تحديدا. وبعد انسحاب القوات الأميركية من العراق أواخر 2011 أُفرج عن العديد من مقاتلي تنظيم القاعدة في العراق الذين عادوا إلى صفوف التنظيم. وزاد عدد المدنيين العراقيين الذي قُتلوا العام الماضي في هجمات نفذها التنظيم على عددهم في عام 2011.
جبهة النصرة في سوريا
في هذه الأثناء أكد مسؤولون أميركيون أن جبهة النصرة التي تقاتل في سوريا لإسقاط نظام الأسد لا تختلف عن تنظيم القاعدة في العراق. وقالت صحيفة وول ستريت جورنال أن وكالة المخابرات المركزية زادت دعمها لحكومة بغداد من أجل منع مقاتلي القاعدة من التسلل إلى سوريا، مشيرة إلى أن بن لادن كان دائما يحلم بموطئ قدم في بلاد الشام.
وكان الرئيس اوباما اختار فك الارتباط بالشرق الأوسط وجنوب آسيا للتركيز على المشاكل الداخلية فأسفر ذلك عن عدم استقرار في الشرق الأوسط وانتعاش في نشاط القاعدة. ولمعالجة هذه التحديات الناشئة يتعين على الإدارة أن تعترف بها أولاً. فان مد الحرب ليس في انحسار، كما قال اوباما ذات مرة، بل آخذ في الصعود، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
التعليقات