قد تقبل إيران بتوجيه ضربة محدودة لسوريا، برهانًا على اعتدال سياستها الجديدة وعلى ليونة مطلوبة منها، لكنها لن تقبل بإسقاط بشار الأسد، لخوفها من أن تكون طهران المستهدفة بعد الانتهاء من دمشق.


سوريا هي الدولة الحليفة الوحيدة لإيران في الشرق الأوسط، وبدونها ستصبح الجمهورية الإسلامية أكثر عزلة وضعفًا في منطقة غير مستقرة، تقبع على فوهة بركان، قد ينفجر بين لحظة وأخرى. وعلى الرغم من هذه العلاقة الوثيقة، إلا أن سلوك الرئيس السوري بشار الأسد يضع القادة الإيرانيين، وخصوصًا الرئيس المنتخب حديثًا حسن روحاني، في مأزق صعب. فإبادة المدنيين الأبرياء بالسلاح الكيميائي انتهاك صارخ للمعايير الدولية، ويتناقض بشكل واضح مع سياسة روحاني الخارجية، التي تعتمد على مبدأ العقلانية والاعتدال.

ليونة مطلوبة
وبما أن روحاني حريص على الحدّ من العقوبات ضد إيران، فعليه أن يبرهن لمحاوريه عن ليونته، وخصوصًا للولايات المتحدة. لكن المتشددين الإيرانيين، لا سيما داخل الحرس الثوري، ينظرون إلى العالم بطريقة مختلفة. بالنسبة إليهم، سوريا هي خط المواجهة في الحرب ضد إسرائيل والولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح هنا هو: هل يستطيع روحاني كسب المتشددين في بلاده، أو على الأقل المناورة لتخطي ضباط الحرس الأكثر مقاومة؟.

يعتبر المحللون أن الرئيس المنتخب حديثًا قادر على ذلك، بفضل مهاراته السياسية الحادة، وبسبب الضغوط الاقتصادية التي تواجهها طهران. لكن ينبغي أن لا يقلل أحد من قدرة الضربات العسكرية الأميركية ضد سوريا على تقويض المفاوضات النووية مع طهران، لا سيما إذا كانت ستلحق أضرارًا كبيرة بالأسد. والإيرانيون يعرفون الآثار الرهيبة للحرب الكيميائية، فالرئيس العراقي السابق صدام حسين أطلق العنان لسلاحه الكيميائي، الذي قتل الآلاف من القوات الإيرانية خلال حربه مع الجمهورية الإسلامية، وما زال كثير من الإيرانيين يعانون من آثاره المنهكة، وفقًا لصحيفة فورين بوليسي.

وضع روحاني ومستشاروه هذه التجربة في الاعتبار عند النظر إلى رد فعل إيران على هجوم أميركي محتمل ضد سوريا. وعلاوة على ذلك، فإن الرئيس الإيراني لا يستطيع أن يتجاهل استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية. وهذا من شأنه أن يضعف الدعم الذي يتلقاه من أنصاره الأكثر اعتدالًا وليبرالية، الذين ينظرون إلى الأسد على أنه ديكتاتور لا يرحم.

خوف من الغد
قد يرسل صمت روحاني تجاه هذه المسألة إشارة خاطئة إلى الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، بأن الحكومة الإيرانية، التي وعدت بأن يكون أكثر شفافية بشأن البرنامج النووي، تؤيد استخدام أسلحة الدمار الشامل. وبالتالي، من غير المستغرب أن يدين روحاني بشدة عبر حسابه في موقع تويتر استخدام الأسلحة الكيميائية، مع الحرص على عدم ربطها صراحة بنظام الأسد. لكن وجهة روحاني قد تكون مختلفة ومناقضة لتوجهات وآراء شخصيات أكثر تشددًا.

السؤال الرئيس هنا هو ما إذا سيمنعه ذلك من تبني سياسة أكثر ليونة. فالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي مؤيد قوي لنظام الأسد، ويعتبره خط المواجهة والمقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة. وخامنئي، رغم فتواه المفترضة ضد الأسلحة النووية، هو أقل احتمالًا بأن يهتم لاستخدام الأسد للمواد الكيميائية.

واعتبرت فورين بوليسي أن المرشد الأعلى لإيران ينظر إلى أزمة سوريا من خلال عدسة باردة، ويحتسب الأمور بدقة، لأن نفوذ طهران الإقليمي، وحتى وجود النظام الإيراني، سيكون في خطر في حال سقوط نظام الأسد. وأكثر ما يخشاه خامنئي أيضًا هو أن يؤدي التراجع عن هذا الموقف الصامد إلى تهديد قوة الردع الإيرانية وجهًا لوجه مع الولايات المتحدة في المستقبل، فتستمر فصول التقلبات الإقليمية وتتغير الأهداف: اليوم دمشق، غدًا طهران.

المحدود مقبول
للحرس الثوري مصلحة أقوى في دعم الأسد وتجاهل استخدامه للأسلحة الكيميائية، فمشاركته في سوريا لا تخدم مصالح الدولة فقط، بل مصالح مؤسسية أضيق من ذلك. فالحرس الثوري تربطه علاقات وثيقة جدًا بالأجهزة الاستخباراتية والعسكرية السورية، وفشل إيران في سوريا لن يؤدي إلى إضعاف النظام وحسب، بل يمكن أن يوجّه ضربة كبيرة إلى مصالح الحرس الثوري.

يتمتع كبار قادة الحرس، مثل الجنرال قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس النخبوي، باحترام كبير داخل إيران، بسبب قدرته على إبقاء المعركة مع الولايات المتحدة بعيدًا عن الحدود الإيرانية. وكان سليماني المسؤول عن تنسيق حركة التمرد الشيعية العراقية ضد القوات الأميركية، التي أسفرت عن مقتل مئات الأميركيين، ولذلك فإن الفشل في سوريا قد يضرّ بصورة الحرس. مع ذلك، فإن الانقسامات في طهران قد لا تكون شديدة.

روحاني لا يعارض استخدام الأسلحة الكيميائية انطلاقًا من الشعور بالالتزام الديني أو الأخلاقي، فهو حريص على مصالح الجمهورية الإسلامية أكثر من معاناة الشعب السوري. ويبدو أن المؤسسة السياسية الإيرانية أعطت روحاني مهلة للتفاوض مع الولايات المتحدة وشركائها، بانتظار أن تتكشف المرحلة المقبلة وتحدياتها.

وإيران التي تقبع تحت ضغوط اقتصادية شديدة من الممكن أن تتسامح وتكون أكثر مرونة في نهجها تجاه سوريا، لكن ذلك يعتمد على استجابة الأميركيين، فتوجيه ضربات عسكرية محدودة تعاقب الأسد بدون إضعاف موقفه قد تكون مقبولة من روحاني وخامنئي والحرس، لكن إسقاط الأسد من شأنه أن يجعل المرشد الأعلى وضباط الجيش أكثر عصبية وتوترًا، وبالتالي يؤدي إلى نتائج أكثر خطورة.

فروحاني يحتاج صراعًا محدودًا في سوريا من أجل المناورة، وإلا فإن سياسة العقلانية والاعتدال يمكن أن تتحوّل إلى مقاومة من دون تراجع عن البرنامج النووي الإيراني.