اذا ألقينا نظرة واقعية على الاعلام الكردي في اقليم كردستان العراق، نرى انه يتجاوز كل الحدود المسموح له في الدعاية المفرطة للقيادة الكردية، وبشكل خاص فيما يتعلق بدور رئاسة وحكومة الاقليم في حل الازمة السياسية والطاولة المستديرة في العراق ومشروع المملكة السعودية لحل نزاع العملية السياسية في تشكيل الحكومة العراقية.
تارة يتكلم هذا الاعلام عن المكالمات التلفونية بين رئيس الاقليم مسعود البرزاني والرئيس الامريكي باراك اوباما ونائبه بايدن، وتارة اخرى بين رئيس وزراء بريطانيا ورئيس الاقليم، دون ان يتطرق الى مضمون هذه المكالمات للتوضيح، ويشير هذا الاعلام ايضا الى الزيارات المكوكية واللقاءات بين كل من سفراء امريكا وبريطانيا وتركيا وايران مع القيادة الكردية ورئيس الاقليم بهدف تحقيق المبادرة الكردية المطروحة من قبل امريكا وتركيا.

اذا نظرنا الى دور هذا الاعلام في تضخيم الدور الكردي، في حل الازمة السياسية في العراق وتشكيل الحكومة، نستطيع ان نقول وكأن مفتاح الحل اصبح في يد القيادة الكردية التي بقيت عاجزة عن حل مشاكلها الداخلية التي تكلم عنها نيجيرفان البارزاني الرئيس السابق للحكومة لمجلة كولان عندما قال: ان الوضع الحالي لكردستان لا يزال هشا، ولم يتماسك جيدا، والاتفاقية الاستراتيجية بيننا وبين الاتحاد الوطني ضمانة لتثبيت هذا الوضع، لذلك بقيت متطلبات الاتفاقية الاستراتيجية بين الطرفين في العراق وكردستان كما هي، فالاتفاقية هي كحاجة ويجب الاستمرار فيهاquot;.

ولكن في الحقيقة ان الامر يختلف كثيرا عما يتكلم عنه هذا الاعلام للمبادرة الكردية والطاولة المستديرة، لان كل ذلك يدخل في اطار خدمة التوظيف السياسي لاهداف امريكية، ومن هنا بدأت ممارسة الضغط على القيادة الكردية وفرض اجندات تتعلق بالمصالح الامريكية والتركية والسعودية المخالفة للحق الكردي.

لقد انطلقت آلاعيب امريكا على الكرد، عندما ارسلت عميلها زلماي خليل زاده للمشاركة في الجلسة بين السيد مسعود البارزاني ووفد القائمة العراقية، ثم استقبال رئيس الاقليم للنجيفي وتكريمه وهو الذي يمثل الجناح البعثي العنصري المعادي للكرد، وهذا يعد مؤشرا واضحا على حدة الضغوطات الامريكية التي تتعرض لها القيادة الكردية لتقديم التنازلات السياسية على حساب الشراكة في الحكومة المركزية ومطاليب الكرد الجيوسياسية طبقا للدستور العراقي.

ان وزن هذه القيادة بالنسبة للادارة الامريكية هي ثقل بدون قيمة، والهدف وضعها في كفة الميزان السياسي في العراق لتشكيل الحكومة، لكي يتم التوازن والتوافق بين العرب السنة والعرب الشيعة على حساب مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها، وتقاسم عوائد النفط والغاز، والتي تناسب وتنسجم مع مصالح امريكا والدولة التركية التي تسيطر على الاقليم اقتصاديا وسياسيا وثقافيا مع الحضور الكثيف لآلاف من رجال استخباراتها في كردستان العراق، وأكثر من 600 شركة تركية تعمل في الاقليم، وبناء مراكز ثقافية بدعم من رجال الدين في الاقليم بإسم الاسلام رغم قرار مجلس الامن القومي التركي الذي صنف العراق ضمن قائمة التهديدات الخارجية وخلفيات هذا القرار هي القضية الكردية والدور الايراني ونفوذه في العراق. ومن هذا الباب تقوم الادارة الامريكية بالتتنازل عن الكرد عندما تدرك انهم يشكلون حجرة عثرة امام اجندتها في العراق حسب مبدأ كيسينجر الذي تآمر على الكرد في مؤتمر الجزائر وقال بأن امريكا لن تتعامل ولن تحمي المغفلين، ان امريكا تبحث عن مصالحها. هل هذا الكلام آنذاك من وزير خارجية الولايات المتحدة يكفي لقادة الكرد لأن يأخذوا منه التجربة والعبرة، لتصحيح وتوطيد وتوحيد مواقفهم لحماية الاقليم، والتعامل الجريء، دون املاءات خارجية، في تمثيل المصالح الكردستانية في تشكيل الحكومة العراقية والتحكم في الامور بالحكمة والدراية والشفافية لانقاذ مكتسبات الاقليم من المؤامرات الداخلية والخارجية والارهاب المتسلط على رقاب شعبنا الكردي في كركوك والمناطق المتنازع عليها وذلك بهدف تهجير الكرد مرة اخرى، اضافة الى ذلك تريد الحكومة المركزية حذف سؤال عن الانتماء العرقي اثناء التعداد السكاني في كركوك تخوفا من حصول الكرد على الاكثرية. اذن من هذا الموقف نرى ان الكرد لن يعملوا بكل جدية في جمع شمل وتوحيد جميع المكونات السياسية والاجتماعية في الاقليم واعادة الثقة بين الشعب والسلطة، وابعاد الاحزاب عن التدخل في شؤون الحكومة، مع اجراء تغيير نحو الافضل في حكم الاقليم، دون المحاصصة بين الحزبين الكبيرين والتمسك بالسلطة، والا ستبقى الحكومة العراقية اللاحقة كغيرها، رافضة للمطاليب الكردية المعترف بها حسب الدستور العراقي.

هناك حكمة متداولة تقول كلما تنازلت للخصم كلما زادت مطاليبه، والقوي سيلتهم الضعيف، اي حق القوة، ولا قوة الحق، والحق يؤخذ ولا يعطى، لذلك على الكرد ان يكونوا أقوياء في جميع المجالات، سياسيا اقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا وثقافيا، حتى يؤكدوا للعالم كلنا كردستانيون وكردستان للكل. وهذا لا يتحقق الا بالوحدة والتضامن بين كافة القيادات الكردية في الاجزاء الاربعة من كردستان. اذن اية حكومة عراقية تأتي للسلطة، سوف تشكل خطرا حقيقيا على مطاليب الكرد، اذا استمرت الخلافات السياسية والحزبية، وتجاوزوا ترتيب البيت الكردي الداخلي والخضوع للاملاءات الخارجية.

ان الذي يخضع لاملاءات خارجية مثل الولايات المتحدة الامريكية وتركيا والسعودية لمواجهة الدور الايراني في العراق، والذي لا يستطيع حل معضلات ومشاكل شعبه، ان كان على مستوى الاقليم الفيدرالي المتحرر، او على المستوى الكردستاني، وجمعهم حول الطاولة المستديرة للمصالحة الوطنية وتوحيد الخطاب الكردي، ليس بمقدوره حل مصائب ومشاكل شعب آخر، حيث ساستهم يتناطحون ويتناحرون ويتنافسون على السلطة، ولا يستطيع ارجاع المدينة المقدسة كركوك قلب كردستان، والمناطق المتنازع عليها، كما هو الحال في ضياع مدينة القدس الشريف، وبناء الدولة الفلسطينية نتيجة للخلافات السياسية والتنافس على السلطة بين منظمتي quot;حماسquot; وquot;فتحquot;، والاملاءات الخارجية الامريكية والاتحاد الاوروبي والدول العربية بما في ذلك ايران وتركيا بالتدخل في الشؤون الداخلية للشعب الفلسطيني. فلتكن هذه المواقف المتشابهة عبرة للقيادة الكردية في كردستان العراق، ودرسا مفيدا لتصحيح سياستهم الداخلية والخارجية والكردستانية.

انتهى مؤتمر الطاولة المستديرة في أربيل، لكن الاجتماع الذي بدأ بكثير من الكلام الرنان انتهى من غير اي تقدم او اتفاق، عدا الاتفاق على لقاء جديد وسط انسجام كلامي، على ضرورة الاسراع في العملية السياسية وحل أزمة تشكيل الحكومة.

القيادة الكردية في الاقليم وقعت في فخ امريكا والدول المجاورة وكالعادة اصبحت في خدمة الآخرين في تشكيل الحكومة العراقية على اساس المحاصصة والمشاركة السياسية التوافقية بدون معارضة في البرلمان، وهذا يعني تمثيل مصالح الكتل السياسية دون ان تعود بالفائدة على الشعب العراقي بعربه وكرده. ان رئاسة الجمهورية للسيد جلال الطالباني كان مطلبا ايرانيا لكون الطالباني يميل نحو الاتجاه الايراني، بعد ان اخفق في محاولته بناء علاقات مع تركيا، عكس رئيس الاقليم الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع حكومة أردوغان في أنقرة، والامر الآخر هو الحاح الرئيس مسعود البارزاني على منصب رئاسة الجمهورية للسيد الطالباني لاسباب غامضة تتعلق بالاقليم على اعتبار أنه من الصعب ان يجتمع زعيمان في مكان واحد.

ان مخاطر هذه الحكومة التي ستتشكل عن قريب حسب تصريح السيد مسعود البارزاني، ستكون أشد على المشاكل العالقة بين قيادة الاقليم والحكومة المركزية وذلك بسبب مشاركة الكتلة العراقية في السلطة ووجود أشخاص من أمثال صالح المطلك وأسامة النجيفي اضافة الى المواقف السلبية لنوري المالكي تجاه الشعب الكردي.

طبيب ومحلل سياسي كردي ألمانيا