في العديد من الاحاديث التي كنت قد كتبتها سابقاً ذكرت ان سوريا متخلفة عن جارتها تركيا على الاقل بنصف قرن. البعض ظن انني ابالغ بقصد الاثارة او التشفي. الحكومة السورية وبشكل رسمي وغير مباشر اكدت ان التخلف المذكور هو امر واقع وحقيقي وبنفس النسبة تقريباً. بمعنى quot;وشهد شاهد من اهلهquot;.

في خريف عام 1968 اصابت الدهشة كل الطلاب الاجانب (كنت واحداً منهم) الذين دخلوا امتحانات القبول الى جامعات استانبول. لأول مرة شاهدنا كتاباً صغيراً يحتوي على الاسئلة وورقة واحدة وحيدة للأجوبة وقلماً من الرصاص وزعها علينا المراقبون في قاعة الامتحان.

بإختصار كان الامتحان على الطريقة الاميركية. مواد الفحص كانت تتضمن الرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعية بالاضافة الى اسئلة اختبار الذكاء. كان علينا الجواب خلال ثلاث ساعات. عرفنا فيما بعد ان ورقة الجواب كان يتم قراءتها عن طريق آلة خاصة بذلك والنتائج تظهر خلال ساعات.

هذا الاسبوع نقلت الانباء على لسان المسؤولين السوريين أن سوريا ستتلقى المشورة والعون من تركيا للاخذ بالطريقة التركية في امتحانات القبول الى الجامعة.

أي أن على سوريا العودة 41 عاماً الى الوراء حتى تبدأ تجربة تركية..

اذا كانت الامور بهذه السهولة، أي اخذ نسخة جاهزة عن تجربة من دولة ما وتطبيقها في دولة اخرى في اليوم التالي، عندها يحتار المرء ويتساءل: لماذا لا يأخذ النظام السوري النموذج السويدي أو الياباني أوالتايلاندي أو.......الخ والمتطورعلى النموذج التركي؟؟؟

لو كان تقدم الشعوب يتم عن طريق الوصفات الجاهزة لما بقي مجتمع أو شعب متخلفاً على وجه الارض، اللهم تلك الانطمة التي يقودها quot;المتخلفون عقلياًquot; وهم كثر.

نجاح مثل هذه التجربة يحتاج على اقل تقدير الى هيئة يتمتع افرادها بالاستقامة والنزاهة والحصانة وتحافظ على السرية في اعداد الاسئلة وتوزيعها...الخ. كذلك لا بد من وجود صحافة حرة تراقب بالاضافة الى احترام وتطبيق القوانين الصارمة عند اللزوم حيث أن الامر يتعلق بمصير ومستقبل عشرات الالوف من الشباب الناشئ.

كل هذا مفقود في سوريا quot;الاسد باني سورية الحديثةquot; منذ ان تم الاستيلاء على السلطة منذ الستينات ولا تزال سوريا تسير نحو الاسوأ. إذ ان طباخاً يعمل عند أي رئيس فرع مخابرات يستطيع الاستيلاء على اسئلة الامتحانات وبيعها للغلابة من الفقراء. هذا عدا عن الذين يضعون المسدسات على خاصراتهم في شوارع المدن السورية ويحصلون على الارقام القياسية في سباق quot;الهروبquot; في حروب الجولان، هؤلاء لا يتحملون حتى عناء الاطلاع على اسئلة الامتحانات وقراءتها بل سوف يحصلون مباشرة على ورقة الاجوبة جاهزة ومطبوعة لأبنائهم وذلك بعد وجبة دسمة من quot;التحقيروالاذلالquot; بحق مدير الامتحانات وزملائه.

اذا كان هذا هو حالquot;الرفاقquot; والقيادة من ابناء quot;سورية الحديثةquot; في مجال اجراء امتحانات نزيهة والتي لا تحتاج الا الى خمسة ميليغرامات أخلاق وضمير، فكيف سيكون الحال مع تجارب اخرى تحتاج الى الكفاءات والتكنولوجيا المتقدمة؟؟؟.

لله درك يانزار قباني عندما قلت:

عفواً فيروز ومعذرةً...
اجراس العودة لن تقرع
والمدفع يحتاج الى كف...والكف يحتاج لاصبع
والاصبع تلهو غارقة في ...
الشعب له مرتع

اذا حدثت المعجزة وتم تشكيل هيئة عليا لامتحانات القبول في الجامعة، فإن رئيس الهيئة وجميع اعضائها سيقضون البقية الباقية من اعمارهم وهم على نفسquot;الاصبعquot; الذي وصفه الشاعر نزار قباني قبل عقود...

طبيب كردي سوري