واقعة كربلاء تشتمل على قضيتين أساسيتين. القضية الأولى هي الموقف، والقضية الثانية هي شكل هذا الموقف وتبعاته. فيمثل الموقف جوهر الفعل، أو المعنى، أما تبعاته فهي شكل هذا الجوهر أو المعنى. فيما يتعلق بجوهر الواقعة ومعناها تذكر كتب التاريخ أن الإمام الحسين خرج لهدف معين وهو طلب الإصلاح، فهو يقول...إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد. فالهدف سياسي ذو طابع أخلاقي وهو رفع الظلم والحيف عن شريحة كبيرة في المجتمع الإسلامي بعد سنوات من معركة صفين آن ذاك. الموضوع الآخر هو أن كل الناس قد رضخت ليزيد حين بايعوه طوعا ً أو كرها ً، إلا نفر قليل ومنهم الإمام الحسين، حيث بقى على مبدئه ولم يبايع وكان خلاصه بكلمة واحدة فأبى وردد...لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد. وفعلا ً مات حرا ً هو وأصحابه ولم يرضخ لسلطة الطاغية يزيد، ولو فعل لكان على الإسلام السلام. فهذا مجمل الموقف النبيل الذي أملاه عليه ضميره.أما فيما يخص الشكل فقد كان هذا الموقف وتبعاته في غاية المأساة. مأساة بمعنى الكلمة حيث قتل وأصحابه بطريقة تراجيدية لايصمد أمامها إنسان يملك عاطفة أو حس نبيل إلا ويتعاطف ويتألم ويتضامن معها.

السؤال المهم هنا، كيف نفهم قضية الإمام الحسين؟ وكيف نتعامل معها؟ هناك تصورين لقيمة الأشياء. فلكل شيء، أي كان، أما قيمة غائية أو قيمة أداتية. فالقيمة الغائية قيمة نهائية في ذاتها، كالإنسان والأخلاق والقيم. وأما القيمة الأداتية فهي قيمة لغيرها أي واسطة للوصول للقيمة الغائية النهائية. فالقانون هو قيمة أداتية غايته تحقيق العدالة، والعدالة هنا هي قيمة غائية. لايمكن في أي حال من الأحوال إستبدال القيمة الغائية بالأداتية، لكن يمكن في بعض الأحيان وفي بعد زمني معين أن يحمل الشيء القيمتين معا ً. فيمكن للعدالة مثلا ً أن تصبح قيمة أداتية مع قيمتها الغائية وهي تحقيق الرفاهية والسلم الأهلي في مجتمع ما.

كيف نتعامل مع قضية الإمام الحسين؟ وما هي قيمتها؟ هل هي قيمة غائية نهائية، أم قيمة أداتية؟ عندما تسئل خطباء المنبر الحسيني والقراء والمبلغين والزوار أيضا ً، لماذا تفعل هذا، يقول لك في خدمة الإمام الحسين. وهذا ليس بالغريب، فالخطاب الحسيني الشيعي يركز على قضية خدمة الإمام الحسين وحتى الفضائيات تردد هذا الشيء بشكل واعي أو لاواعي. إذن، نحن نتعامل مع القضية كقيمة غائية نهائية، مما يعني أن هناك مشكلة في فهم قضية الإمام الحسين. عندما نتعامل مع القضية كقيمة غائية نتحول نحن إلى أدوات لتحقيق هذا الهدف، فهل ما مطلوب هو أن نتحول إلى أدوات؟

عندما نتحول إلى أدوات نلغي ذواتنا ونصير مواضيع يسهل التحكم بها، نقتل الطاقة والإبداع التي تكمن بداخلنا. نتحول إلى دمى يسهل السيطرة عليها بخيوط يمسكها أصحاب المصالح والغايات للكسب، كالأيدلوجيات والتيارات السياسية. فأغلب القنوات الفضائية والتيارات السياسية والأيدلوجيات تستغل الحدث بالتركيز على المأساة ونسيان القضية الأساسية. وأكثر من يستغلنا في الشعائر الحسينية ذواتنا! وذلك عندما نصبح أدوات ومواضيع للتعذيب وإذاء النفس، من خلال التطبير وضرب الزنجيل. فهل هو هذا المطلوب؟ هل المطلوب أن نصير خدام للإمام الحسين؟ وكما شاهدت أحدهم وهو يكتب على صدره..خادم خدمة الحسين! إن فهم القضية كقيمة غائية يجعلنا ننسى القيم والمبادئ التي إستشهد من أجلها الإمام الحسين ونركز على جانب المأساة الذي نبالغ ويستغله الكثيرون من أجل الكسب التجاري، كشيوخ المنابر وأصحاب المواكب والفضائيات وماشاكل ذلك. فقليل من الفضائيات ممن تطرح القضية كموضوع لتحقيق غايات نبيلة من خلال فتح باب الحوار والنقاش عن القضية. الكل يمدح ويمجد ويفاخر بإستخدام أنقى الكلمات المنمقة لإستعراض فصاحته الشعرية والأدبية في عملية تكرارية تبعث على السأم والملل.

إن نسيان القيم والمبادئ التي إستشهد من أجلها الإمام يضيق القضية ويحدها ويجعلها حكرا ً على مجموعة لإستغلالها وعدم مشاركة الآخرين بها. هل سئلنا أنفسنا لماذا يضيق الخطاب الحسيني بباقي الطوائف الإسلامية؟ لماذا تصبح الحسينيات فقط للشيعة، وليس لكل البشر. إن كان المسجد والجامع يخص المسلمين فالحسينية أولى بأن تكون ذات طابع عالمي، فهي تحمل قيم إنسانية بالتحرر وتحقيق العدالة الإجتماعية ورفض الطغيان والتسلط والعمل من أجل الإصلاح بكل أبعاده، النفسية والإجتماعية والسياسية. لابد لهذه القيم أن تترجم لفعل منظم من خلال إنزالها لأرض الواقع.

هل هو هذا جوهر القضية؟ بالتأكيد لا! فالإمام الحسين لايريد خدمة ولايحتاج لخدمة. هو كان في خدمة الإنسان من خلال رفع شعارات إنسانية. هو تحرر من أن يكون موضوعا ً وتحرر كذات وقال كونوا أحرارا ً في دنياكم. إذن، قضية الإمام الحسين قضية ذات قيمة أداتية وليست غائية، أو ربما تحمل الإثنين معا ً، لكنها بالتأكيد ليست قيمة غائية ونهائية بحد ذاتها. فهي حققت قيمتها النهائية من خلال رفع قيم الحق. وما علينا إلا أن نستفيد من هذه القضية لتحقيق العدالة ونشر المبادئ الإنسانية التي نادى بها الإمام. وإلا لماذا نشهد في بلد الإمام ثقافة الاتسامح والظلم والطغيان والقتل، فأين الإمام؟ فرغم الحشود المليونية لازال العراقيون يعيشون فقر وفساد وظلم وتسلط وإحتلال وسرقات وقتل. أين هو الخلل. فإن ركزنا على الشكليات والطقوس ستضيع القيم والمبادئ في يوم ما، وهل أكثر منها أضاعة عندما تتوقف دولة باكملها ويترك مدرسون وطلاب مدارسهم لتوقف الدراسة لإحياء الشعائر والمبالغة فيها. فهل يريد منا الحسين أن نتخلف ونتأخر؟ بالتأكيد لا.

إن التركيز على الشعائر في الخطاب الحسيني يحول دون تحقيق الهدف المناط بها. ويحتاج لقلب المفاهيم في عقولنا. فقضية الإمام تشبه لحد كبيرشيوخ الإسلام من كل الطوائف ومن على كل المنابر والجوامع في كل دول العالم...نحن في خدمة الإسلام؟ لايوجد أحد في خدمة الإسلام، بل الإسلام في خدمة الإنسان. هذا جعل المسلمين يركزون على الشكليات أكثر من المعنى الحقيقي للإسلام. نعم، لقد بعث الله محمدا ً من أجل خدمة الناس، وهداه للإسلام لخدمة الناس. فالإسلام ليس بحاجة لخدمة لتخدموه، هو بحاجة لأن تطبقوه ولاتخلطوا الأمور يرحمكم الله.

http://www.elaphblog.com/imadrasan