نوري المالكي.. أو ابو أسراء كما يناديه بعض المقربين اليه، و أشعر بالخيبة حين سماعي هذه الطريقة التي يتبعها بعض قيادات حزب الدعوة او الواجهات السياسية باستخدام الكنية لان هذا الاستخدام يعطي اشارة لضعف تكون الدولة العراقية الجديدة او كأننا في منظمة التحرير الفلسطينيية. في العراق يقال في مديح المرء أنه quot; أبن عرب quot; بمعنى أنه أبن الريف العراقي او ابن quot; مدن الارياف quot; الذي يكون اكثر التصاق بالاصول واكثر تمسك بالسمات التي تجمع الحياء والحزم والخجل والقوة أضافة لسمات الخلق والكرم والامانة ومن يعرف نوري المالكي يعرف جيدا انه يحمل هذه السمات بل ويعتز بها. وأبن العرب هي مفردة او أشارة مرادفة quot; لابن المدينة او ابن الحضر quot; الذي لم يتربى في الريف وتستخدم هذه المفردة لابناء بغداد على وجه الخصوص، فتكون له سمات أخرى مختلفة ليس من العسير على العراقي ان يفرق بين الاثنين في أول دقائق من الحديث، لذلك حينما تندر طارق الهاشمي في ثالث ليلة رمضانية في أحد البرامج السياسية المباشرة على احدى الفضائيات العراقية وقال quot; أسألوا أبن طوريج نوري المالكي quot; لم أجد في هذا التندر والغمز واللمز او كما يقال بالعراقي الشعبي quot; هذا البز quot; فيه مايسئء للمالكي بل انه مديح من حيث لايدري الهاشمي وهو ترسيخ لواقع أيجابي جديد بعد عقود من الاقصاء والتفرد، والهاشمي اكثر شعور بهذا التغير لانه أبن مدينة وعاش في بغداد ومن البديهي يكون قد تعود على منظر دبابتين تحتل مبنى الاذاعة في الصالحية ومثلها تحتل القصر الجمهوري لينطلق حاكم ديكتاتوري وطائفي جديد لحكم العراق ومن دائرة معينة واحدة، لذلك ممكن الشعور بمرارة البعض بان يكون ابن طوريج quot; رئيس حكومة منتخب quot; للعراق ومن وسط قلب بغداد. ولم تاخذني الدهشة حينما رأيت بعد أربعة وعشرين ساعة من تصريح الهاشمي أنه يجاور المالكي في جلوسه معه في احتفالية الذكرى الاولى لوفاة السيد عبد العزيز الحكيم. انه quot; كوكتيل quot; او تنوع ابن العرب وأبن المدينة مع التذكير أن ابن العرب حينما ياتي الى المدينة ياخذ من بعض ايجابياتها ويضيفها لرصيده الايجابي وهذه فرصة يفتقدها ابن المدينة.
والمالكي أبن طوريج لكنه لم يتصرف يوما على هذا الأساس، وقد جاءه يوما احدهم ليخبره نصا quot; أن الموظف السني الفلاني سحب المياه لقريته و الموظف الشيعي الفلاني لم يسحب الماء لقريته التي هي بجوار القرية السنية المعنية quot; فقاطعه المالكي وقال له نصا quot; قل أن الموظف الفلاني أجاد بعمله واوصل الماء الى القرية و الموظف الاخر لم يجيد عمله ولم يقم بواجبه، لاتتكلم معي بلغة السنة والشيعة quot;.
ولااعتقد ان المالكي كان يتصور او يخطط يوما بان يصل الى هذا المنصب الخطير في عراق اليوم، لكن الظروف والتقاطعات السياسية جرت لخدمته وأوصلته الى هذا المنصب الرفيع، وحينما حط الرحال في منصب رئيس الحكومة العراقية أجاد كثيرا في ترسيخ مفهوم quot; الرجل القوي في المنصب quot; مما اثار حفيظة الكثير من حلفائه قبل خصومه. لذلك حينما يتكلم عن انجازاته الامنية فان الجميع يبرز لمشاركته بالانجاز ولكن حينما يتم الاشارة الى الاخفاقات في ملف الخدمات والكهرباء فان هولاء quot; الجميع quot; يتفرقون عنه وتخلفهم سهام الاتهامات الى المالكي بالتقصير.
والمالكي لم يجيد بمحاربة الفساد ولذلك أسباب كثيرة، لكنه أجاد بان يمسك وبحرفية عالية بخيوط متناقضة على المستوى المحلي العراقي والمستوى الخارجي وسخر كل هذه الامور لخدمة مسيرته السياسية فاتفق عليه المتخاصمين مثل ايران والولايات المتحدة الامريكية. والمالكي لم يجيد اختيار quot; بعض quot; مستشاريه وخاصة المقربين منه بل ان سبب الكثير من النفور والمواقف المعادية له والمطبات السياسيةو الاعلامية والاجتماعية صنعها هولاء quot; البعض quot; بسبب قلة الخبرة او بسبب ضعف الامكانيات التي تجعل من صاحبها عبارة عن قوقعة هوائية متارجحه وغير مستقرة وجراء ذلك دفع المالكي ثمن واضح في بعض المراحل.
الآهم أن المالكي رسخ مفهوم جديد في الاسلام السياسي يكاد يصل الى مرحلة الاسلام الليبرالي وهذه قفزة كبيرة حاول بها أن يوزع قدميه على كفتي نهر !! فمثلا منع المشروبات الكحولية في فندق الرشيد تجاوبا مع تقرير رفعه له احد اعضاء البرلمان العراقي من quot; المعممين quot; عام 2007، لكنه غض النظر عن ثلاث محال لبيع الكحول امام الباب المؤدي الى مكتبه في المنطقة الخضراء في احد الشوارع العامة وسط بغداد. و المالكي يجيد فن الاصغاء كما يجيد في الاجابة الا في حالات استثنائية قد يكون اخرها اللقاء الذي أجري معه على قناة العراقية الفضائية فقد غلب على كلامه الانفعال مما اثار اكثر من علامة استفهام واكثر من سؤال عن حجم الضغوط التي يتعرض لها الرجل وحجم الاعياء الذي أنعكس عليه !! اما في اخر ظهور تلفزيوني له على قناة الفيحاء الفضائية فلقد كان رئيس الوزراء العراقي أقل انفعالا !!
اليوم المالكي على مفترق طرق خاصة بعد اعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التي مضى عليها حوالي خمسة اشهر ولم تاتي رياح الانتخابات بما تشتهي سفن المالكي، الذي مازال يعتقد بانه الفائز بهذه الانتخابات وأن سبب تراجعه الى المركز الثاني يعود الى سببين الاول طريقة حساب اصوات الناخبين ولو تغيرت هذه الطريقة لحصل على مائة واربعة مقعد. والسبب الثاني الذي مازال يعتقد به المالكي انه كان قد حصل على مائة وعشرين مقعد لكن تلاعب ما حصل فتراجعت مقاعده الى أقل من ذلك بكثير.
في كل الاحوال الامور لن تجري معه مثلما كانت خلال السنوات الاربعة المنصرمة سوى بقي في هذا المنصب او خرج منه فاللعبة تغيرت مقاعدها وتوزعت قواها وتنوعت أثقالها وأختلفت الوجوه وتغيرت المواقف وشددت القيود والامر لم يعد في الحكم quot; بساط احمدي quot; كما يقال بل بساط تتنازعه الطموحات المختلفة وتراقبه العيون الواثبة والنفوس المتنازعة. في المرحلة القادمة ملفات كثيرة ستفتح وملفات اخرى تغلق وفي الحالتين سيثبت ان الامور قد تغيرت كثيرا والمسالة لم تعد محصورة فقط بكرسي رئاسة مجلس الوزراء... بل أبعد من ذلك بكثير وبذات الوقت أقرب من الوريد الى كرسي الحكم وهذه واحدة من تناقضات العراق الجديد.
التعليقات