إن قدر الإنسان العراقي، كما أظهرتها لنا التجارب الماضية، هو، في أغلب الأحوال و الأزمان، قدر مأساوي، بل أحياناً لا يتجسد في شيء سوى العذابات و الويلات، أو التعرض لأسوأ المعاملات و الإكراهات، أو الإجحافات و الإملاءآت، لاسيما في أوقات الأزمات و الإضطرابات أو الصراعات و النزاعات، التي باتت جزءاً كبيراً من تاريخ العراق لاتنفك تعصف على مواطنيه من كل حدب و صوب و في ظل كل الحكومات و الأنظمة الحاكمة.

ولا مراء من أنه بسبب التجارب المريرة للحروب التي شهدها البلد، إن كان في الداخل أو مع العالم الخارجي، و نتيجة لتقهقر قيمة الإنسان في هذا البلد الى أدنى مستوياته، لاسيما مع تحول المجتمع العراقي، إذبان الحكم البائد، الى معسكرات كبيرة وتحول أفراده الى مجرد كائنات مغذية لحيتان الحروب و السياسات العدوانية للأنظمة التي حكمت البلاد، نجد و نلمس دوماً أن الإنسان العراقي، لم يكن مهتماً بحماسة و شغف، أو من باب الدفاع المطلوب عن ذاته، بقضاياه الإنسانية و بمفاهيم الحقوق المدنية و السياسية، التي لايمكن للإنسان أن يشعر بوجوده من دون الوعي و الإهتمام به.

وقد آل المواطن العراقي و بفعل الحالة العراقية المأساوية و بمرورالزمن، آل الى مجرد كائن ضعيف و مئيوس، كائن يظهر و كأنه لا يريد شيئاً في الحياة سوى أن يبقى و يعيش و أن يتفاعل مع حياة متواضعة حتى و إن كانت، هذه الحياة، حياةً تعيسة و عصيبة بالمعني العريض للكلمة، خاصة بعد أن أصبح متعوداً، نوعا ما، على مساويء القهر و الصهر أو التعرض المعهود! لشتى أنواع الإهانات و الإساءآت لعزته و كرامته، لاسيما مع إطالة أمد حكم النظام العراقي البائد، نظام صدام حسين، و الخيبة الكلية في أن تكون ثمة فعلاً إرادة حقيقية للإطاحة بذلك النظام (1968-2003) خاصة بعد قمع هذا النظام المتتالي لكل الإنتفاضات و الثورات الشعبيه بالحديد و النار.

مع زوال النظام السابق قلنا أن المواطن العراقي سوف ينطلق الى حياة جديدة، سوف يعيد بناء كينونته و هيبته أو يمكن للحرية و نهاية الإستبداد أن تتيح له مجالاً واسعاً لمراجعة ذاته و ماضيه و التمعن في مصادر و منابع إذلاله و هلاكه و أسباب و عوامل خضوعه للسلطان القاهر و سايكولوجية الإستسلام و الخيبة، أو النظر الى الذات بنظرة إستخفافية.

قلنا أن بعد الدكتاتورية سوف تعود العافية للمواطن العراقي تدريجياً و سيحترمه الجميع، لأنه وبطبعه، على عكس ما يقوله السوسيولوجي العراقي الراحل، د.علي الوردي، ينزع الى التحضر و يتطلع الى التقدم، و قد يكون صدى أبناء هذا البلد و مساهماتهم الساطعة في شتى مجالات الإنشطة السياسية و الأجتماعية و الثقافية و العلمية في العالم بأسره خير دليل على ذلك، و لكن ظهر لنا فيما بعد، و بعكس المتطلعات و التمنيات، أن كل ذلك لم يكن سوى مجرد أحلاماً وردية، و أن الوقائع أقسى مما كُنا نتصورها، أي لم يتحقق ما كُنا نتوقعه و لم تؤول الأمور ما كُنا بإنتظار بوادره و بداياته، بل العكس أنحط مفهوم المواطن و المواطنة في العراق نحو الأسوأ مما كان سابقاً، و تحول بفعل الصراعات الطائفية و القومية أو السياسية و الآيديولوجية الى مفهوم مشتت و الإنسان العراقي الى كائن ثانوي الهوية تتبخر عراقيته بطريقة دراماتيكية لحد أرساء حالة من الكراهية بل الحقد في نفسه و موقفه ضد أبناء بلده و التمييز بينهم على أساس التمييز الطائفي و القومي و السياسي.

السؤال هنا هو: من السبب ياترى؟ لمَ لم تشهد قيمة الإنسان العراقي و واقعه المستجد أي تغيير حقيقي؟ لمَ لم يشعر، حتى بعد زوال الديناصور، أنه يعيش في عالم مغاير و مختلف عما مضى؟ الجواب هنا هو أنه، للأسف، أن المُسبب الرئيس هو الدولة ليس إلا، الذنب في النهاية هو ذنب الدولة العراقية الجديدة التي لاتنفك تردد على الدوام شعارات الديمقراطية و الحرية و حقوق المواطن و الإنسان بينما تُنتهك يومياً حقوق مواطنيه على الملأ دون أن تلتزم مؤسساتها و مرافقها المعنية بأدنى مستوى من إلتزاماتها الدولتية تجاه العراقيين.

هنا أروي و بعجالة حادث تعرض طالب عراقي خلال الايام القليلة الماضية، لأبشع صور التعذيب و الإهانة على يد الجهاز الأمني المصري لا لشيء آخر، برأيي، سوى أنه، في النهاية، مواطن عراقي، مواطن لبلد ينعدم فيه الإهتمام بالإنسان، و الموقف مفهوم أساساً!، فالصورة المطبوعة في أذهان المجتمعات الأخرى عن المواطن العراقي، هي أن مواطن هذا البلد، أي العراق، يعيش أصلاً ليتعذب و يموت، يعيش ليكون سلعة رخيصة في سوق الصراعات و النزاعات السياسية، أي لا قيمة لإنسانيته و لا معنى لوجوده لأنه أصلاً مسلوب الحقوق و مهتوك الحرمة و مهضوم الكرامة، و الدليل لتدعيم هذه الصورة هو قتل المئات و الآلاف منهم في شوارع بغداد أو البصرة أو كركوك يومياً دون أن يأبى به أحد.

أعتقال طالب عراقي في منطقة دوقة بالقاهرة لمجرد خروجه الى الشارع قبل إنتهاء موعد حضر التجوال بخمسة دقائق و رميه في السجون المظلمة و تعذيبه بشتى أنواع التعذيب، ليس سوى مثال بسيط بين الأمثلة المحزنة و الدالة على تقهقر قيمة الإنسان العراقي في نظر العالم.. هذا الحادث الذي هز قلوب العشرات بل المئات من المواطنين العراقيين الباقيين في مصر خير دليل على تراجع مفهوم قيمة الإنسان في العراق و في نظرالآخرين و العالم، كما أنه أكبر دليل لغياب إهتمام الحكومة العراقية المطلوب بالجالية العراقية، أو تمييزها بينهم على أساس مكونهم العرقي أو الطائفي، و إلا لما كان كل هذا الإساءة للإنسان العراق أو الإستهانة بقيمته و كرامته..

سنكر حسام عبدالله

السؤال هو مالذي يفسر يا ترى إعتقال طالب عراقي لمدة قرابة أسبوع عند أجهزة الدولة المصرية الأمنية دون إسراع وزارة الخارجية العراقية في البحث عنه أو عند العثور عليه، عدم التحقيق في ملف القضية؟

لماذا تقبل الحكومة العراقية أن تُنتهك حقوق مواطنيه في الخارج و يتعرضوا للإهانة دون تسجيل حتى دعوة قضائية ضد الجهات الأمنية المُنتهكة لحقوق العراقيين و المطالبة بالتعويض المعنوي و المادي؟. مثال ( سنكر حسام عبدالله ) كطالب عراقي في مرحلة دراسة الماجستير في علم الإجتماع و ما تعرض له على يد جاهز الأمن المصري من المعاملات اللاإنسانية و إهانته لحد الإذلال و ضربة بوحشية لدرجة نقله الى المستشفيات المصرية لا يدل على شيء آخر سوى على إنحطاط قيمة الإنسان العراقي، إنحطاط ليس في نظر الآخرين فحسب، و إنما حتى في نظر المسؤولين في الحكومة العراقية، و الأسوأ من هذا كله هو أن يخرج لنا بعض من المسؤوليين العراقيين في الخارجية أو في وزارة الهجرة و المهجريين و يدلي لنا للصحف و الوكالات بتصريحات غير دقيقة و يجزم لنا إعتباطاً بأن أفراد الجالية العراقية جميعهم بخير و لم يتعرض أي منهم لأي نوع من أنواع الأذى و العنف كما قرأنا ذلك في أكثر من صحيفة و وكالة خبرية !!.

مثال هذا الحادث هو من الأمثلة الحية التي تعكس لنا مرارة واقع الإنسان العراقي إن كان في داخل الوطن أو خارجه، و لا نُذكر هنا مرارة حياة العراقيين المهجرين و المشردين في بلدان العالم، فهي كالسيف الذي يقطعنا من كل جهة كُلما أطلعنا على تفاصيلها و تفاصيل حياة العوائل و الأسر التي لم تعد تشده بالوطن أية رابطة حقيقية سوى الذكريات.. حسبِ الله و نعمل الوكيل..

* كاتب و صحفي عراقي ndash; كُردستان العراق