ماجرى ويجري في البحرين منذ يوم 14 شباط الماضي، من مظاهرات ظلت تتصاعد بوتيرة مختلفة؛ خضعت للكثير من التأويلات وردود الأفعال لا سيما على خلفية التكوين الثنائي لشعب البحرين بين السنة والشيعة.
القراءات الخاطئة في العادة تؤدي إلى نتائج خاطئة. ذلك أن التأويل إزاء أحداث البحرين سواء في التغطية الإعلامية لقناتي الجزيرة والعربية، أو في التصريحات التي تطلقها الولايات المتحدة وإيران، أو حتى في التحليلات الصحفية، ظل باستمرار ناقصا إن لم يكن مضللا في كثير من الأحيان.
إن قراءة أحداث البحرين في سياق التحولات في المنطقة العربية يحيل إلى أن الحراك الذي يجري فيها إنما هو رد فعل متوقع على أحداث الثورتين التونسية والمصرية من ناحية، وانفجار لتراكمات ظلت تحتقن تحت السطح حتى دقت لحظة الحراك ضمن تلك التحولات من ناحية أخرى.وبالتالي فإن تأويل ذلك الحراك على خلفية تدخل إيراني يجانب الحقيقة للعديد من الأسباب التالية
1ـ الحراك البحريني ذو طبيعة سياسية واضحة. وإذا كان غالبية الشعب البحريني أو حتى نصفه مثلا من الطائفة الشيعية،فإن حراكهم ذاك لا يمكن لأي محلل سياسي نزيه أن يصفه كحراك طائفي لأن مطلق الغالبية هنا لا يعكس رؤية الطائفة بقدر ما يعكس الشعارات السياسية المرفوعة، وكان واضحا أن رفع أعلام البحرين بين جموع المتظاهرين دلالة على طبيعة ذلك الحراك نحو الإصلاح والتغيير خصوصا ذلك الشعار الذي كان يهتف به المتظاهرون : (إخوان سنة وشيعة هذا الوطن مانبيعه).
2 ـ إيران في الجوار هي الأخرى مثل بقية الدول العربية تخشى التظاهر من قبل المعارضة الإيرانية. والتماثل الظاهر بين تحرك المعارضة البحرينية والمعارضة الإيرانية يعكس بوضوح موقف إيران وخشيتها مما يجري في البحرين.
3 ـ الولايات المتحدة لم تشر في تصريحات مسؤوليها إلى الحذر من التدخلات الإيرانية في البحرين على خلفية حراك المعارضة لا سيما وهي المتابعة الحريصة على التحرك الإيراني في المنطقة بالإضافة إلى أن وجود الأسطول الخامس على سواحل البحرين يمنع الإيرانيين من أي محاولة للتدخل في الشأن البحريني.
وعلى ضوء هذه الأسباب نجد أن ماصرح به أحمدي نجاد على خلفية دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، يأتي ضمن المواقف السياسية المستهلكة فقط من أجل الاستعراض، فنجاد يعرف تماما أن مايجري في البحرين هو ضمن موجات التسونامي الثوري الذي يضرب المنطقة العربية، وهو يخشى انعكاسه على الوضع في إيران ولذلك يحاول هنا لفت الأنظار إلى الخارج عن مشاكله الداخلية.
في سياق آخر تعكس أزمة البحرين محنة الإعلام العربي وتختبر مدى حدود الحرية المصنوعة في الفضائيات الإخبارية بما في ذلك قناة الجزيرة، الأمر الذي يضعنا دائما أمام الخلل الأصلي لمأزق الإعلام العربي. أي في أن ذلك الإعلام لا يملك سلطة حقيقية تجعله حرا نتيجة لاستقلاله عن الأنظمة وفق المعادلة المعروفة في الغرب : إعلام مستقل عن السلطة = انتشار واسع +إعلانات مضمونة، في مناخ حريات سياسية مكفولة بالدستور. ولهذا كل من يقارن دور قناة الجزيرة في مصر وليبيا (وهو بالطبع دور مشروع) مع تغطيتها لمظاهرات البحرين، يدرك تماما ذلك المأزق المزمن للإعلام العربي أي ذلك التناقض والاختلاف في التغطية ضمن مناخ واحد وسياق واحد. وعليه فإن موقف قناة الجزيرة شبه الصامت عما يجري في البحرين هنا لا يجد تفسيره إلا في ضوء مشاركة بعض وحدات الجيش القطري ضمن وحدات درع الجزيرة التي دخلت البحرين؟!
ما يجري في البحرين لا بد من قراءته ضمن الخط العريض للتحولات التي تحدث في المنطقة العربية وهي تحولات ستستمر طويلا في تجديد حراكها. فما حدث في كل من مصر وتونس كان بمثابة هزة أركلوجية شكلت قطيعة مع تاريخ طويل من القمع والاستبداد في المنطقة العربية؛ وإذا صح أن ماحدث في تونس هو في تأويل ما، أول حركة عربية مستقلة من أجل الحرية في التاريخ العربي منذ أيام الفتنة الكبرى إثر مقتل الخليفة عثمان بن عفان، فإن ماحدث في مصر لم يحدث له مثال سابق منذ أيام الفراعنة. والحال أن التأويلات والتحليلات التي يسوقها البعض حيال مايجري في البحرين تحت عناوين طائفية، لا تكفي لتفسير الظاهرة، لأنها أعقد من ذلك بكثير، وأعمق من ذلك بكثير.
مايجري في واقع الأمر هو حراك نحو الحرية وتحقيق أبسط مطالب الحداثة السياسية في هذا الجزء من العالم المسمى عربيا، وهو حراك لم تعهده الأنظمة العربية طوال تاريخها، ولهذا تبحث له عن تفسيرات تريد أن تقنع بها نفسها وتتعلل بها حين تعجز عن رؤية الغابة وراء الشجرة.
إن قيمة الوعي الذي تطرحه هذه الثورات يندرج في تلك المعادلة التي مفادها : أن الحرية هي الشرط الشارط للتغيير. وبالتالي لا يكفي النظر إلى ما قدمته الأنظمة العربية لشعوبها كما لو أنه منة أو تكرما من قبل تلك الأنظمة على شعوبها. هذه التحولات الجديدة لا سيما كما ظهرت في الثورة التونسية تقول : أن الثقافة الجديدة للوعي الثوري تدرج ماقام به الحكام تجاه شعوبهم في خانة الواجب، وأبسط التعريفات السياسية للواجب هو ما : إذا قام به الحاكم لايشكر عليه، ويلام وعليه إذا قصر عنه. وإزاء وعي كهذا تختفي كل تلك الادعاءات التي تمتن بها الأنظمة على شعوبها، الأمر الذي يفسر أن الحكام في هذا الجزء من العالم المسمى عربيا يتصرفون كآلهة لا كبشر تسري عليهم فكرة الحق والواجب.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات