أيا كانت نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، فالحقيقة المؤكدة هي أن الشعب المصري يستنشق لأول مرة عبير الحرية، الإقبال الجماهيري على صناديق الاقتراع أمس السبت فاق التوقعات، المصري يشعر أن صوته ذات قيمة، يقول دون خوفquot; لاquot; للتعديلات الدستورية، أو quot;نعمquot; لهذه التعديلات، المهم أن يقول رأيه، ونتيجة الاستفتاء ستكون موضع احترام للجميع، هذه هي الديمقراطية، وتلك أحدى ثمار ثورة الخامس والعشرين من يناير، واعتقد أن المجلس العسكري أحسن صنعا حين مضى قدما في الاستفتاء على الرغم من دعوة قوى سياسية مختلفة إلى إلغاءه، فهو يريد معرفة وزن وحجم القوى السياسية الموجودة على الساحة المصرية، لأخذ ذلك في الاعتبار حين يتم وضع دستور جديد.
ومهما يقال من أن المجلس العسكري يريد بعد ستة أشهر أن يسلم السلطة ويعود إلى مهامه المختلفة، فاني أتصور أن هذا المجلس ليس في عجلة من أمره ويمكن أن يبقى بعد الستة أشهر، حتى تتضح الصورة، ويسلم السلطة بشكل امن إلى إدارة مدنية، وهذا الانتقال لن يحدث ما لم تتاح الفرصة للأحزاب لنزول الشارع، وطرح برامجها، وقد يحتاج ذلك إلى سنة على الأقل، وأيا كانت نتائج الاستفتاء، فالموافقة على التعديلات تعني أن محترفي الانتخابات من الإخوان الذين قيل إنهم يوزعون السكر والزيت على الناخبين بل وصل الأمر إلى إقحام الدين وإقناع الناخبين أنquot; لاquot; تعني تغيير المادة الثانية من الدستور التي تنص على:quot;الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريعquot; أن على الرغم من أن المسيحيين يريدون هذه المادة لأنها مرجع للكنيسة في أمور كثيرة، فضلا عن أن الموافقة على التعديلات يستفيد منها الحزب الوطني في دخول البرلمان، وكأنك يا بو زيد ماغزيت، الشعب يصنع ثورة تطيح بالطغاة، والإخوان والوطني فقط يجنون ثمارها، فنعود للدوران في دائرة مغلقة مرة أخرى،وهذا مالا يريده صناع الثورة.
والسؤال هو لم العجلة؟ ألا يحق لشعب مصر أن يرتدي ثوبا جديدا، بديلا عن الثوب البالية التي ارتداها طوال عهد مبارك؟ الحل هو أن تمنح الأحزاب والقوى السياسية الجديدة برهة من الوقت، حتى تعمل وتقدم نفسها إلى الشارع، ويتم إعداد دستور جديد ليس له صلة بالنظام البائد، ولا يعيد عقارب الساعة إلى الوراء. وإذا كان المجلس العسكري يريد أن يرفع الحمل عن كاهله يمكنه تشكيل مجلس رئاسي يقوم بالمهمة في الفترة الانتقالية بدل التسرع في تبني دستور يعطي صلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية وهو ما يجعله غير صالح ليكون الإطار الحاكم لمصر بعد الثورة الشعبية، وإذا كان الدستور في رأي فقهاء القانون وحدة عضوية فمن الأفضل ألا يتم ترقيعه وإنما إسقاطه والشروع في عمل دستور جديد.
تجربة مصر مع الدساتير تجربة قديمة بدأت مع ثورة 1919، وقبل ذلك مع نشأة مصر الحديثة في عهد محمد علي 1833، بعدها انشأ الخديوي إسماعيل مجلس النواب 1866، وكان أول دستور 1923 في عهد الملك فؤاد 1923 تجربة فريدة، وبعد قيام الثورة 1952، وضع فقهاء القانون دستور 1954 الذي لم يرى النور، وبعد عامين ظهر دستور 1956 ثم الغي بدستور 1964 لينتهي الأمر بدستور 1971، الذي خضع لأهواء الحاكم، وكان ساقطا بحكم حالة الطوارئ التي فرضها النظام السابق بعد مقتل الرئيس الراحل quot;أنور الساداتquot; سقط من جديد مع ثورة 25 يناير 2011.
إن المشاركة الكبيرة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية تبشر بالخير فها هو شعب مصر يصنع تاريخا جديدا لبلد يستحق أن يأخذ مكانة لائقة بين الأمم، بعد أن كان مكبلا بقيود من حكموه على مدار ستة عقود، وهي خطوة نحو الديمقراطية والعدالة والكرامة في سبيل التحول إلى دولة مدنية حديثة طال انتظارها.
إعلامي مصري
- آخر تحديث :
التعليقات