لنتفق في البداية اننا لن نتنازل عن القضية الفلسطينية، فالقضية الفلسطينية هي قضيتنا جميعا وهي قضية كردية وليست فقط عربية ليس بسبب تاريخ الدولة الأيوبية فقط بل للصلة المتينة التي جمعت بين العرب والأكراد عبر التاريخ.

لقد هدمت سنوات الحرب الأهلية الكثير من معالم هذه القضية وطمست العديد من الحقائق وشوهت وجهها لكن ما يحدث هذه الأيام يصل بالتشويه الى القلب والروح، وينذر بسقوط هذه القضية المصيرية على ايدينا وبالتالي ضياع الحاضر والمستقبل ويمهد الارض لأنجاز ما أراد تحقيقه بعض القوى الدولية والأقليمية الشريرة وحلفاءهم في المنطقة وعجزوا عنه،بالرغم من الاحتلال والارهاب وبالرغم من محاولات اسقاط الأنظمة الوطنية.

فالجامعة العربية لم تعد مكانا آمنا لكي تحتضن القضية الفلسطينية من جديد. حتى في أزمة احتلال العراق للكويت شوه الموقف الفلسطيني فتعرضت منظمة التحرير لحملة عشواء. فالفلسطينيون لم يكونوا مع احتلال العراق للكويت بل كانوا ضد التدخل الأمريكي والأجنبي في المنطقة.

وجاء انطلاق مسيرة السلام التفاوضي في مدريد كنتيجة مباشرة لتلك الأزمة. ولم تحقق منظمة التحرير الفلسطينية اية مكاسب من هذه المفاوضات، فإسرائيل رفضت حتى التباحث حول مصير القدس أو عودة اللاجئين الفلسطينيين.

والان التاريخ يعيد نفسه عندما نتحدث عن مواقف دول تعمل من خلال الجامعة العربية والذين أطلقوا المبادرة العربية للسلام.هذه الدول تلتقي مصالحها مع اسرائيل في موضوع الحد من أسلحة الدمار الشامل في المنطقة وقبل بدء أية عملية تفاوض جديدة. وكل هذه الصفقات السرية بين تلك الدول وان كانت عربية لا تخدم مصلحة القضية الفلسطينية ان لم تضع مصلحة قضية الشعب الفلسطيني كأولوية في العمل العربي المشترك.

وعلى هذا الأساس عملت أسرائيل مع حلفائها ومع تركيا من أجل ممارسة الضغوط على سوريا تحديدا لأضعافها حتى يصبح موضوع السلام القادم مع الفلسطينيين على غرار مؤتمر مدريد سلاما بشروط أسرائيلية.

اذن ليس خافيا على أحد بأن الولايات المتحدة والقوى العظمى تحاول توظيف كل هذه التغييرات لمصلحة حليفتها أسرائيل بالدرجة الاولى. ولا شك في أن القضية الفلسطنية ستكون أكثر الموضوعات تأثرا بهذه التغييرات الواقعة في المنطقة.

اذن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة مهمة وحساسة ليس فقط بسبب الجمود الحاصل بين الطرفين بل بسبب تداعيات ثورات ماتسمى بالربيع العربي على هذه القضية والتي حولتها الى قضية مهمشة داخل أروقة الجامعة العربية. وأعتقد اننا جميعا متفقون على تشخيص الحالة وتعداد المخاطر والمطالبة بأن يتحمل المعنيون من قادة المنطقة مسؤولياتهم تجاه هذه القضية.

فمتي يتم ذلك ؟ ومن هو المعني بأن يأخذ زمام المبادرة ويفوز بشرف رعاية مفاوضات بين الأخوة الفلسطنيين مع اسرائيل؟
من المبادر اذن؟ومن القائد والقيادة ؟! من المسؤول والمشرف في المسؤولية؟! من القادر والمؤهل والمستعد؟
هل تقدر الجامعة العربية بدورتها الحالية أن تقول: أنا القدرة والمسؤولية فأتركوا الأمر لي؟

ان أبسط ما يمكن المطالبة به هو مؤتمر سلام و مفاوضات مباشرة في اقليم كردستان وبرعاية الرئيس مسعود البرزاني من أجل النظر في مجمل القضايا العالقة التي تعرقل ولادة الدولة الفلسطينية، ولأيجاد الحل السياسي للأعتراف بفلسطين كدولة عضوة في الأمم المتحدة.

ان مثل هدا المؤتمر يوفر فرصة ممتازة لأعادة الأمور الى نصابها في المنطقة برمتها، اذ عبره يستعيد الصراع طبيعته كصراع سياسي بين الطرفين المتخاصمين وليس اقتتالا بين أديان أو شعوب المنطقة.

فالرئيس برزاني بشخصيته الدولية المعروفة وتجريته السياسية الغنية هو خير من يستضيف مؤتمرا من هذا النوع الذي قد يشكل بداية لمرحلة جديدة و يوفر للجماهيير المرجع المعنوي والسياسي والقيادة المفتقدة الان.ثم لا ننسى أنه حليف رئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وفد منح مؤخرا جائزة حلف الأطلسي(الناتو) للسلام لحمايته للأقليات المسيحية في الشرق الاوسط.

والجدير بالذكر ان الرئيس برزاني حضر بنفسه مراسيم افتتاح القنصلية الفلسطينية في اقليم كردستان ورفع بنفسه العلم الفلسطيني ووصف يوم الافتتاح بأنه تاريخي وهو يحظى بدعم كبير ليس لكونه أبرز زعيم على الساحة الاقليمية وانما لكون رجل مبادئ.

فمثلما كانت أربيل محطة أمل ولقاء في ظل الرئيس البرزاني لتعزيز وحدة صف العراقيين وخرجت من رحمها الحكومة العراقية نتمنى لها أن تغدو محطة أخرى للقاء الفلسطيني الاسرائيلي هذه المرة وأن تكون هي الحاضنة الحقيقة للقضية الفلسطينية.