يزداد الوضع العراقي تشنجا وتوترا، وساسة الحكم يقامرون بسيادة البلد وبأرواح المواطنين من خلال التكالب على المناصب والامتيازات.
المالكي يواصل تركيز الصلاحيات ومراكز السلطة في يديه، ويكرر ممارسات النظام المنهار ببث ما يدعى بالاعترافات، وبالاعتقالات الاعتباطية وبالتصريحات التهديدية. والقائمة العراقية تواصل التخبط والتقلب، فلا إستراتيجية واضحة ولا مواقف تكتيكية حصيفة، بل هو الارتجال وردود الفعل. والأطراف السياسية الأخرى ليست أفضل أداء، ولمعظمها مليشياتها المسلحة. والبرلمان يتقزم أمام المالكي خاصة، وأحزاب السلطة عامة. والقضاء قد نخرته السلطة التنفيذية منذ زمان- هذا فيما عصابات القتلة الإرهابيين، من مختلف الهويات المذهبية والسياسية، لا تكف عن حصد الأرواح. وبعض المليشيات الشيعية التي ادعى المالكي أنها انخرطت في العمل السياسي، وأقصد خاصة كتائب أهل الحق، لا تزال محتفظة بسلاحها وتهدد علنا السفارة الأميركية بعمليات إرهابية.
لقد رد المالكي بانفعال على تصريحات القادة الأتراك حول الوضع العراقي؛ ويقينا فإن هؤلاء، وإن قدموا نصيحة حكيمة، فإنهم تصرفوا كأوصياء على المنطقة مع أنهم هم أيضا في حاجة لمن ينصحهم في كيفية التعامل مع الأكراد و المسيحيين والمذبحة الأرمنية. وإذ نسجل ذلك، فلا بد من التساؤل عما إذا كانت هذه التصريحات تستحق الرد بالقذائف على السفارة التركية؟ من المسئول يا ترى عن هذا العمل الإهابي؟ أليس من حق البعض أن يقول إنه رد حكومي حتى وإن لم تأمر به الحكومة؟؟ ثم هل quot;النصيحةquot;- إن اعتبرت هكذا، هي أخطر من العدوان على مياه العراق والعدوان على أراضينا؟! هل الحرص على السيادة مزدوج التفسير والتطبيق؟! فكيف نفسر الصمت عن العدوانين التركي والإيراني على أراضينا ومياهنا ثم تهزنا تلك التصريحات فنثور- علما بأن زعماء إيران قد اعتادوا تقديم quot; النصائحquot;، وبصيغ آمرية، سواء عند كتابة مشروع الدستور أو حول الاتفاقية الأمنية مع واشنطن، أو عن معسكر أشرف- ناهيكم عن التدخل اليومي الطاغي! وها هو قائد فيلق القدس يصرح بلا مواربة بقوله:quot; إن جنوب لبنان والعراق يخضعان لنفوذ إيران في أدائها وفكرهاquot;[ الحياة عدد 19 الجاري]؛ ولكننا لم نر السيد المالكي قد زعل ولو زعلة خفيفة!
تقول صحيفة لو فيجارو الفرنسية في مقال لها بتاريخ 13 يناير الجاري، وهي تعلق على الدور الإيراني بعد الانسحاب الأميركي:
quot; إنه فقط عن طريق العراق تستطيع إيران زيادة نفوذها في العالم العربيquot;. فبعد الأزمة العاصفة التي يتعرض لها النظام السوري، الشريك الإستراتيجي الأول لنظام الفقيه، فإن العراق هو المرشح ليكون الميدان الأول لإيران للمضي في تدخلها في شؤون المنطقة ومناكفة الغرب، والولايات المتحدة بوجه خاص، وكذلك في السعي لإنقاذ النظام الأسدي. وليس بعيدا عن الدقة القول بأن كثيرا مما يجري في العراق هذه الأيام ذو صلة بمأزق النظام السوري والخطط الإيرانية لإنقاذه. ولم تعد مكتومة المساعدات المالية والعسكرية الإيرانية لسورية. ووفقا لصحيفة لوفيجارو أيضا فإن أعدادا من الضباط السوريين يتدربون في إيران على أساليب قمع الشعب. ومواقف حكومة المالكي من الوضع السوري واضحة هي الأخرى، سواء في تصريحات المالكي أو فيما تذيعه المعارضة السورية عن مساعدات مالية وتقنية [ أجهزة مراقبة ألكترونية]. ولكن الأخطر في رأيي هو مناورات النظام السوري لتفجير النزاع الطائفي بأمل إنقاذ نفسه، وثمة مؤشرات في العراق عن وجود خطر مماثل لتصفية الحسابات السياسية الداخلية. هذه المناورات الخطيرة تستهدف، في وقت واحد، تحويل مراكز الانتباه، داخليا وإقليما ودوليا، سواء عن غطرسة النظام الإيراني ومشروعه النووي، أو عن محنة الشعب السوري، أو عن الخطوات السريعة التي يخطوها رئيس مجلس الوزراء العراقي لإقامة دكتاتورية استبدادية فردية. ولاشك في أن ميوعة وتخبط إدارة أوباما يتحملان مسئولية خاصة في كل هذا الذي يجري. ولهذا حديث مقبل.