ينهمك النظام الثيوقراطي العسكري الإيراني، هذه الأيام، في سلسلة عمليات استفزاز وتحد وعنجهية عسكرية، من التهديد بغلق مضيق هرمز، إلى التحركات العسكرية باسم مناورات، وإلى تهديد الأسطول الأميركي، وتجربة صواريخ محظور على إيران صنعها بموجب قرار دولي.
تبدو هذه العنجهية المتصاعدة كرد على العقوبات الأميركية الجديدة التي أدت لتدهور العملة الإيرانية، وكاستباق لاستعداد الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات جديدة. كما أنها ترمي للتقليل من خطورة برنامجها النووي ومحاولة صرف نظر المجتمع الدولي عنه. وإن هذه التحركات العصبية، المقترنة بتصريحات صاخبة ومتهورة، تتزامن مع بوادر انهيار النظام السوري، من جهة، ومع التطورات الخطيرة في الوضع العراقي بعد الانسحاب الأمريكي، والتي لا شك في دور إيراني فاعل وكبير فيها؛ وهذا من الجهة الأخرى.
إيران تستعرض عضلاتها العسكرية في منطقة شديدة الحساسية، حيث هناك دول حليفة للولايات المتحدة، وحيث ممرات تصدير البترول، وإذ توجد على مقربة القوات والأساطيل الأميركية.
ترى هل جن جنون نظام الفقيه- باسدران- نجاد؟ أم هو مجرد بلف وتخويف يخفيان القلق والهلع والضعف؟
لاشك في أن هناك دوافع وعوامل متناقضة وراء ما تقوم به إيران، مما يجعل ممكنا تعدد التفسيرات والتكهنات، ولكن ما لا يجوز بحال من الأحوال الاستخفاف بهذه العنجهية المنفلتة التي قد تؤدي، بحسابات خاطئة غير عقلانية، لعملية عدوانية تفجر حربا مدمرة في المنطقة.
في رأينا، أولا، أن إيران على وشك تصنيع القنبلة النووية. وقبل عامين، اضطر الدكتور البرادعي، المقرب من إيران، للاعتراف للشرق الأوسط بأن لإيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب ما يكفي لصنع قنبلة واحدة. ولكن التقارير الغربية والدولية السرية- قبل عامين أيضا- كانت تؤكد على قدرة تصنيع أكثر من قنبلة واحدة مع الرفع المستمر لنسبة التخصيب. وكان التقرير الأخير لوكالة الطاقة النووية واضحا وحازما في التحذير من هذا الخطر الإيراني. أما الرئيس الإسرائيلي، فهو يصرح اليوم بأن إيران تقترب من صنع القنبلة، ثم يتوقف ليقول إن القضية لا تخص إسرائيل وحدها؟؟ أما الإدارة الأميركية والصحف القريبة منها، فهي، وكالعادة، تحاول التخفيف من هذا الخطر النووي بالقول بأن هناك عاما آخر على الأقل قبل القدرة على تصنيع القنبلة. فأوباما منهمك في حملته الانتخابية، ومنذ 2009 كنا نسمع منه ومن مسئولين آخرين في إدارته ما يفهم منه إمكان التعايش مع القنبلة الإيرانية، كالقول مثلا quot; إذا حصلت إيران على القنبلة فسوف نفعل كذا وكذا..quot; غير أنه مهما كانت حسابات أوباما الانتخابية فإنه سيكون مضطرا للرد بقوة على أية خطوة إيرانية تؤدي لغلق مضيق هرمز أو للتحرش بحاملة الطائرات الأميركية؛ مضطر تحت ضغط نفس الرأي العام الأميركي وضغط القادة العسكريين. وفي رأيي أن علينا عدم غض النظر عن الخطر النووي الإيراني الصاعد، وهو أخطر من التهديدات والمناورات القائمة- هذا إن لم تتعد مجرد التهديد والوعيد والتخويف. ولابد للمجتمع الدولي من أن يركز على اتخاذ الإجراءات الحازمة، الكفيلة حقا بردع إيران من المضي قدما في نشاطها النووي العسكري، وألا يطرح جانبا من الحلول أي خيار مهما كان صعبا شائكا وذا عواقب. فإيران خطرة بلا قنبلة، فكيف إن امتلكتها! وستكون دول الخليج قبل غيرها تحت رحمة ابتزاز إيران مستمر بوجود القنبلة، وهي التي تعاني من هذا الابتزاز اليوم ولكن دون رد فعل جماعي قوي ومتماسك. ويدهشنا هذا الصمت الخليجي والموقف المائع تجاه التحديات العسكرية الإيرانية الحالية وتهديداتها!!؟؟
باتريك سيل، العراب النظري والسياسي للنظام السوري، يكتب مقالا في quot; الحياةquot; يسعى فيه لإقناع العرب ودول الخليج خاصة بان إيران دولة صديقة، بل وشريكة إستراتيجية لهذه الدول [ الحياة عدد 2 ديسمبر 2011 ]. ويتهم المقال هذه الدول بquot; تشويه سمعة إيرانquot;. ولكن من الذي لا يريد علاقات حسن الجوار مع الآخرين، القائمة على المساواة والمصالح المتبادلة؟؟ أليست إيران هي التي تحتل جزرا عربية، وتنظم الخلايا والمجموعات الإرهابية وتسلحها في دول الخليج ومصر والعراق، فضلا عن ذراع حزب الله في لبنان واللعب بالقضية الفلسطينية، ودعم النظام السوري؟؟
مشكلة النظام الإيراني، الذي عسكره خامنئي وحراس الثورة الذين يمتلكون ناصية الاقتصاد أيضا، غروره المقترن بقلقه من العزلة الدولية ومن مزيد من العقوبات؛ غرور لأن بين يديه أوراقا قوية، في مقدمتها العراق ولبنان وحماس والنجاح الانتخابي الإسلامي في دول لانتفاضات، حيث نعرف أن الإخوان هم حلفاء طهران منذ قيام النظام الخميني، ناهيكم عن المصاعب المالية والاقتصادية الأوروبية والأميركية، والانشغالات في واشنطن وأوروبا بالانتخابات القادمة.
كثرة من التعليقات التي نقرأها يوميا تحذرنا من أي صدام غربي مع إيران حتى لو كان هذا الصدام هو الحل الذي سيفرض نفسه في نهاية المطاف، أي دعوا إيران تفعل ما تشاء. وهذا مما يذكرنا بسياسة تشمبرلن مع الهتلرية في صفقة ميونيخ الاستسلامية باسم حفظ السلام والأمن، والتي، بالعكس، شجعت هتلر على المزيد من العدوان وإشعال حرب شاملة وقع فيها أكثر من خمسين مليون ضحية.
نعم، يجب تجنب الحرب؛ فقد عانت المنطقة الكثير والكثير من الحروب الكارثية؛ ومن أجل ذلك، فلابد من اتخاذ الإجراءات الأميركية والدولية والخليجية التي توقف الاستهتار الإيراني عند حده، وتردع نظام الفقيه عن مواصلة نشاطه النووي الخطر وعن تنفيذ تهديداته بغلق مضيق هرمز. كما لابد من وقفة أكثر حزما تجاه النظام السوري، الشريك الإستراتيجي لإيران في تخريب المنطقة ورعاية الإرهاب والطائفية. وهذا لا يتحقق بمجرد العقوبات. أما من يتصور أن التحديات الإيرانية المتصاعدة مجرد بلف، فعليه ألا ينسى أن النظام الإيراني غير منضبط وغير عقلاني، كنظام كوريا الشمالية وكنظام صدام بالأمس، وأن اليأس والغرور قد يدفعانه لارتكاب إجراءات شديدة التهور قد تجر المنطقة والعالم لمخاطر الصدام، وبكل ما يعنيه ذلك من عواقب على كل الأصعدة، وستدفع إيران قبل غيرها الثمن الأكبر. ولا ننسى أيضا ماذا وكيف يفكر زعماء إسرائيل بعد تصريح بيريس عن قرب امتلاك إيران للقنبلة. فأمر إسرائيل في يديها هي وموقفها غامض- ربما عن عمد؟؟
والخلاصة، فإن أبواب المنطقة مفتوحة للويلات، ويتحمل مسئولية ذلك نظام الفقيه قبل سواه. ودفع الله ما كان أعظم! ونقول أخيرا إن الشعب الإيراني لا يستحق أن يحكمه زعماء يبذرون ثروات البلاد في العسكرة وتهديد الآخرين ويطاردون الحريات وكل أشكال المعارضة. الشعب الإيراني العظيم يستحق غير هذا، وهو نفسه مفجر انتفاضة 2009 وانتفاضات سايقة وله تاريخ مجيد عريق، مثلما لا يستحق شعبنا العراقي نخبته الحاكمة الحالية.
فهل سيكون عام 2012 عام صدام كارثي في المنطقة أم ستنتصر العقلانية المقترنة بالحزم؟؟