تونس فاز الإخوان بالأغلبية في البرلمان، وبالتالي برئاسة الحكومة، ولكن لم يمض كثير من الشهور إلا ونحن نشاهد خروج الشعب بالآلاف للتنديد بحكومة النهضة الإسلامية التي كشفت عن تخبطها أيضا حين بدأت بأهم إنجازات الرئيس الحبيب بورقيبة المعروف بقانون ماجيلا.. وعلية عممت حصر الحريات ليس فقط المرأة بل والمجتمع بأسره بمصادرة الحريات العامة.. خاصة حين عمل السلفيون على التدخل بحريات شباب الجامعات.. وكان الرد الشعبي إعلان إضراب عام في 4 محافظات تونسية.. والنتائج المحبطة والسلبية لا زالت تتزايد يوما بعد يوم.. وتأتي بعدها صورة سوريا القاتمة السواد والتي لا يستطيع احد التكهن بما ستصل إلية.. والجدول الزمني لإنتهاء شقاء الإنسان السوري. وفيما إذا كان سقوط النظام سيعني نهاية الشقاء أم سيكون بداية لشقاء آخر يستند إلى تضييع وتغييب وعي الإنسان في غيبوبة الإنقسامات العقائدية. وأيهما سينتصر الدولة الدينية أم الدولة المدنية؟؟؟ لماذا نشاهد، وفي كل المجتمعات العربية التي إنتفضت وثارت ضد الظلم والإستبداد، وإنتخبت بمحض إرادتها الأحزاب الإسلامية لإنقاذها وبناء مستقبل أفضل تثور وتنقلب عليهم الآن.. لماذا نرى إنقساما حادا بين فئتين من المجتمع الواحد.. ما بين مؤيد 100% لهم وبين معارض 100% لوجودهم في السلطة.. ما الذي فضح الإخوان والسلفيين في مصر بالتحديد؟؟ الإنقسام الحاصل في مصر مابين الحكومة المنتخبة وبين المعارضة هو إنعكاس للإنقسام الحاصل في الشارع المصري الآن.. هو أكبر من مجرد فشل الرئيس في تنفيذ وعودة.. وأكبر من صياغة الدستور والتحايل في موادة في محاولة بائسة ويائسة للتوفيق ما بين الدين.والدولة.... نصفة متأسلم للغاية يرفض وجود الآخر من غير عقيدته ويريد العودة بمصر إلى زمن السلف يرفض ويحرّم الحريات الفردية.. ويريد التدخل في حياة الأفراد في كل كبيرة وصغيرة.. حتى في حرية التديّن واللا تديّن. وعلى مدى سنين أقنعوا الإنسان المصري البسيط بأن أي شكل من أشكال العلمانية.. ماهو إلا كفر بالله وبأحكامه.. كلا الحزبان، الإخوان والسلفيين بنوا قاعدتهم الشعبية العريضه بتوظيف الدين لسد حاجات المجتمع التي قصّرت الدولة في كفالتها لمجموعات مسحوقة.. والإختلاف الحاصل بين تفسيراتهم الدينية ما هو إلا إختلاف سطحي لأن الأساس العقائدي واحد.. والنصف الآخر من المصريين، طبقة المتعلمين، وميسوري الحال الذين خبروا المعاملات والعلاقات الدولية وعاشوا تجربة تختلف إختلافا جذريا عن تجربة إنسان العشوائيات.. أو الطبقة المسحوقة الأخرى.. ولم يحتاجوا للدين إلا في معاملاتهم وتعاملاتهم.. وقصروة على أركانه فقط.. بدون الدخول في متاهات التفسيرات والتأويلات والتي كثيرا ما تتناقض مع بعضها البعض.. في مفهوم التدين والإسلام.. كلنا يعلم بأن نتيجة إستبداد النظام المخلوع.. كانت الفجوة الطبقية العميقة في المجتمع المصري.. والتي تجلّت في خروج هائل لطبقة المسحوقين الذي إستغلهم الإخوان والسلفيين في الإنتخابات.. ولا زال يعوّل عليهم في الإستفتاء الدستوري.. نعم يحاول كلا الطرفين فلسفة مبدأ توافق الشريعة مع كل الحقوق.. برغم تناقضها ومخالفاتها الكبيرة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.. خاصة فيما يتعلق بحقوق الأقليات.. ومنهم وبالتأكيد حقوق المرأة التي قصروها على طاعة الزوج من طاعة الله.. إستبداد النظام السابق سيكون مجرد نزهة مقارنة بالإستبداد الأكبر الذي سيوظف كل ما في الدين لخدمة نصف المجتمع بينما سيتغاضى كليا عن حقوق النصف الآخر وسيراوغ في تحقيق وإرساء مبدأ العدالة الإجتماعية طبقا لتأويلات بشرية تتناسب مع أهداف الجماعة المستفيدة.. إن الإستفتاء المزمع حتى وإن فاز بالأغلبية.. لن يكون إلا عملية قمع أخرى مؤقتة.. ألأزمة المصرية أكبر من إنقسامات وإختلافات.. ولن يستطيع احد حلها إلا بالمواجهه الفكرية الحقيقية وبدون إستخدام قداسة الدين في السياسة التي تخضع لتغييرات تبعا لتغيرات المصالح الشخصية والمحلية والإقليمية والدولية.. وإثبات بأن الدولة المدنية المتلحفة بعباءة الدين لا يمكنها تحييد الدولة داخليا في ما يختص بالإختلافات الدينية بين مواطنيها للمحافظة على تساوي حقوقهم بما يحمي الحقوق الإنسانية للجميع.. المواجهة الفكرية يجب أن ترتقي ليبين الإخوان والسلفيين أنفسهم.. وفي وضوح تام تأثير القوانين الدينية على المواطنين وفيما إذا كانت هذه القوانين تتماشى مع الديمقراطية الحقيقية ولا تتعارض مع المواثيق العالمية لحقوق الإنسان!!! منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية
أتابع ما يجري في المنطقة العربية.. الأحداث تتسارع في كل دولة فيها.. نتائج ما rsquo;سمي بالربيع العربي لم rsquo;تفتح ولا زهرة واحدة في أي دولة من دولها،،.. في مصر فاز الإخوان المسلمون في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. ولكن رئيسها المنتخب يتخبط في كيفية الموازنة ما بين رغبات الشعب المنقسم نصفين متقاربين.. ورغبات المرشد العام الذي يرفض رؤية هذا الإنقسام ويوظف الدين للقفز على رغبات القسم الرافض لحكم المتأسلمين..الغضب الشعبي ورفض الآخر وصل بمصر إلى طريق اللا عودة حين ارتبطت مصداقية كلا الطرفين بمدى تشبثه في موقفه.. خاصة وأن الثقافة الشعبية تفسر المرونة في مثل هذه المواقف على أنها ضعف أو تنازل..
الإنقسام الحاصل هو بين مجتمع مسلمين :
رقيّهم الفكري رفض الإنصياع والسماع لفقهاء الدين الذين شوهوا الصورة السمحة والإعتدالية له..
ولكن هل هذا هو الحل لمصر للخروج من أزمتها الدينية العميقة. هل الحل في تثبيت دستور مشوه يخدم فئة معينة من المجتمع ويلغي حقوق الفئات الأخرى من مختلفي العقيدة ومن المسلمين الغير متأسلمين.. وهل نجاحهم في الإستثار في السلطة بعد الفوز سيكون في صالح مصر الدولة أم سيدخلها في متاهات وظلمة أكبر.. لقد كشف الإخوان عن أنفسهم منذ الأيام الأولى لإنتخابهم.. فهل تستطيع جبهة الإنقاذ إنقاذ مصر كلها؟؟
لا أستطيع هنا أن ألقي اللوم وأقول بأنها مؤامرة خارجية.. بل أجزم بأنها مؤامرة داخلية خطط لها بعناية كلا من الإخوان والسلفيين.. وإن لم يعلنوا عنها صراحة.. لكنها عاشت في مخيلتهم ومطامحهم..
وبرغم أنهم لم يشاركوا في أحداث الإنتفاضة إلا أنهم سرقوها.. وبرغم التظاهر بزهد السلفيين السابق في الحكم ورفضهم المشاركة في الإنتخابات.. إلا أنهم تحللوا من ثوابتهم القديمة والتهموا فكرة المشاركة في الحكم حين rsquo;قدم لهم على طبق من فضة..
حتى خلافهم في تفسير الديمقراطية.. فبينما يروّج الإخوان لقبولهم بمبدأ التعدديه يبقى موقف السلفيين متعنتا وواضحا لا لبس فيه من رفض أي شكل من أشكال الديمقراطية.. ولكن العامل المشترك الواضح الآن وفي ظل الظروف الحالية وضغط جبهة الإنقاذ هو فلسفة فكرة الديمقراطية بتحايل واضح في الدستور الملفّق بأن الشريعة الإسلامية هي مرجعية الديموقراطية، و أخلوا مسؤوليتهم أمام الشعب حين أرجعوا وفق هذا الدستور الملفق أي تفسيرات في ذلك إلى أعلى هيئة دينية لا يستطيع إنسان التصدي لتفسيراتها ولا يجرؤ باحث على التحاور معها وهي الأزهر..ثم قبول كلا الطرفين بالمادة التي تنص على أن الشعب هو مصدر السلطات..برغم إيمانهم ومرجعيتهم طبقا للشريعه بأن الحاكمية لله وليس للبشر.. حتى بعد أن وضعوا كل الشروط والقيود لتقييدها في عملية تحايل على النص ومراوغة للحصول على الموافقة الشعبية بعدما وافقت عليها اللجنة التأسيسيه..... يضيع أي مفهوم للديمقراطية الحقيقية من خلال هذا التحايل والمراوغة!!!
لأن بذور التفرقة مبثوثة في الدستور.. لأن شتان ما بين الديمقراطية والدولة الدينية من فروق تصل إلى أساس الإستقرار المجتمعي.. البنية التحتية لأي إستقرار وهي العدالة الإجتماعية. الدستور الملفق بشكلة الحالي لا يضع دعائم الإستقرار في المجتمع لأنه وفي نصوصه تمرير وقفز على مفهوم العدالة الإجتماعية.. حين يفرق بين المسلم وأخية المواطن من عقيدة أخرى.. وحين لا يضمن العدالة لأي من حقوق المرأة أسوة بالرجل.. استخدام قداسة الدين فى الحسابات السياسية المتغيرة
الطريق طويل وشاق لأن الثورة الحقيقية هي التي تعترف بكل حقوق الآخر.. وتعترف بقصور كل الأديان عن الإعتراف بحقوق وبإنسانية الآخر... وأي حل وسطي لا يعني إلا تأجيل ٌلثورة ثالثه.. أسوأ بكثير مما قبلها لأنها ثورة فكر ضد إستبداد النص بين شعب واحد يتشارك الأرض والدين والمفروض أن يتقاسم لقمة العيش..
- آخر تحديث :
التعليقات