بعد طول صمت وتخبط إعلامي وسياسي quot;متعمدquot; فيما يبدو، جاء تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان ليكسر حاجز الصمت والتكتم والنأي بالنفس عن الأزمة في سورية، على الرغم من العداء التاريخي بين البلدين، واحتلال quot;إسرائيلquot; لمرتفعات الجولان الاستراتيجية لأكثر من أربعة عقود، بما قد يعنيه ذلك ويفرضه من ضرورة وأهمية اتخاذ موقف واضح وصريح ومحدد من الأزمة السورية، لكن quot;الدهاء الإسرائيليquot; وربما quot;الترددquot; في استشراف مستقبل المنطقة بعد حراك الربيع العربي، هو ما دفع quot;إسرائيلquot; إلى التردد طويلاً ومراراً أمام اتخاذ أي موقف أو إصدار أي تصريح.
وزير الخارجية الإسرائيلي (الروسي) الأصل، والمحسوب على شريحة المهاجرين الروس في إسرائيل، عرض المساهمة في quot;الجهود الدولية الرامية لتوفير مساعدات إنسانية لسوريا دون تدخل مباشر في الصراع الدائر هناكquot;، بحسب ما نقلت عنه وكالات الأنباء.
ووصف ليبرمان ما يقوم به النظام في سورية من ممارسات بأنها quot;مفزعة أكثر من أسوأ أفلام الرعب في هوليوودquot;، ودعا إلى القيام بمزيد من الجهود العالمية لوضع حد للعنف. وقالت وزارة الخارجية الاسرائيلية في بيان أن quot;إسرائيلquot; اقترحت تقديم مساعدات لسوريا عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وفي لغة لا تخلو من تهكم وتباك على مأساة الشعب السوري، اعتبر ليبرمان أن عجز المجتمع الدولي عن وقف إراقة الدماء في سوريا، يشكك في مدى إمكانية اعتماد quot;إسرائيلquot; على وعود الدعم الخارجي، وأنه quot;إذا كان العالم أجمع لا يستطيع وضع حد للمذبحة المروعة وإراقة الدماء، فما قيمة جميع وعود المجتمع الدولي لاسرائيل بأنه سيضمن أمننا؟.quot;
ردة فعل الكتاب والنخب العربية جاءت quot;منفعلةquot; وquot;ارتجاليةquot; في كثير منها، ووجد فيها طرفا النزاع في سوريا وأنصارهما فسحة لتقاذف الاتهامات وكيل الشتائم، واعتبار أن الطرف الآخر مسؤول عن هذه التصريحات ودليل على إدانته، واعتبر بعض الكتاب عرض quot;إسرائيلquot; quot;مسموماًquot; وفرصة للتدخل بالشأن السوري، وتلويث أي جهد خارجي لإيجاد حل للأزمة في السورية.
لست هنا في معرض الانحياز إلى فريق دون آخر، أو الدفاع عن وجهة نظره وتحميل الطرف الآخر مسؤولية تصريحات ليبرمان، فهذا شأن ليس مكانه الآن، كما أنني لست معنياً بكيل الشتائم للسيد ليبرمان، بل أقول له بكل بساطة: شكر الله سعيكم!
الزيت الإسرائيلي المغلف بورق ملطخ بدماء أطفال غزة، وحواجز الضفة، وأمعاء أسرى الاعتقال الإداري، لا يمكن لشعب عرف عنه استضافة الشعب الفلسطيني وإكرامه له بذات ما يتمتع به من حقوق، وتبنيه للقضية الفلسطينية ونصرته لها، سواء كان شعباً أو نظاماً، أن يقبل به أحد في سورية أو أن يتمرغ في أوحاله، وهو يدري حقيقة التباكي الإسرائيلي على الدماء السورية المسفوكة، وأنها لا تعدو كونها دموع تمساح غض بإحدى لقيمات فريسته ليس إلا!؟
صحيح أنه ما كان لليبرمان أن يدعو إلى تقديم مساعدات للسوريين لولا العجز الدولي الحالي عن إيجاد حل جذري للأزمة، إلا أن رائحة الاستغلال الخبيث لمكونات الأزمة من خلال إبراز مدى عجز المجتمع الدولي عن إيقاف شلال الدم السوري، بما يثبت عجزه مستقبلاً عن إيقاف الخطر النووي الإيراني، بحسب زعمه، ومحاولة صب الزيت على النار التزاماً منه دون أن يدري ربما، بالآية القرآنية: (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله)، لن يزيد الشعب السوري والأزمة في بلاد الشام المغرقة في تاريخ التسامح والحضارة الإنساني، إلا قوة ووعياً وانتفاضاً في وجه الأعداء المتربصين.
ألون ليئيل، مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية السابق، عقّب على دعوة ليبرمان لتقديم المساعدات إلى سورية بما يبين الغاية من هذا quot;العرضquot; المسموم بالقول: quot;إنه مهما فعل النظام في سورية لاسترجاع الجولان، فإننا بعد المجازر التي ارتكبها لا يمكن أن نتفاوض معه على ذلكquot;، وكأن ما يحدث في سورية مبرر لاحتفاظ المحتل بما اغتصبه خلال سنوات خلت؟
بل إن حجم التآمر الإسرائيلي والاستغلال للأزمة السوري يتضح من خلال إصرار (ليئيل) على تقديم ملاذ آمن quot;مؤقتquot; للسوريين الهاربين من سفك الدماء هناك في الجولان حصراً؟ في إيحاء لأهمية هذه القطعة الغالية على قلب كل مواطن سوري في الأزمة الراهنة، وإذكاء للسجال حول العرض المقدم من قبل جميع الأطراف، بما يزيد من اشتعال الأزمة ولا يتيح أي فرصة لتبريد الأجواء أو إطفاء الأزمة التي شغلت العالم بأسره.


... كاتب وباحث
[email protected]