لا ينفع في المواقف واللقاءات الإعلامية والسياسية الرسمية أن تبتسم للكاميرات وتنحني أمام الصحفيات وتبالغ في إكرام ضيفك، وأنت تحاول إخفاء مدى امتعاضك وتوترك من زيارته، واضطرارك لقبول تصريحاته والتعامل معها بدبلوماسية، والمناورة على أسئلة صحفيي بلاد الضيف وابتزازهم لك طول الوقت!
حال الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو يستعد لاستقبال رئيس الحكومية الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ينطبق على ما تقدم إلى حدا بعيد. ورغم وصف أوباما الدعم الأميركي لإسرائيل بأنه quot;مقدسquot;، متحدثاً عن ضرورة مساعدتها في الحفاظ على ما سماه quot;تفوقها العسكريquot;، قبيل زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، فإن ذلك لا يكفي من وجهة نظر الضيف للتأكيد على حجم الدعم الأمريكي لإسرائيل.
أوباما أشار أمام اجتماع مخصص لجمع أموال في نيويورك من أجل حملته للانتخابات الرئاسية، التي ستجرى في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني القادم- إلى التغييرات الجيوسياسية التي حملتها الثورات الشعبية في العالم العربي الإسلامي منذ مطلع عام 2011، واعتبر أن أحد أهداف الولايات المتحدة على المدى الطويل هو تجاوز دعم القدرات العسكرية التي تحتاجها quot;إسرائيلquot; إلى تأمين التفوق العسكري الضروري لها في quot;منطقة خطرة جداًquot;، معتبراً ذلك التزاماً quot;مقدساًquot;، مضيفاً أنه يجب على الولايات المتحدة أن تتعاون مع quot;إسرائيلquot; quot;في محاولة لإطلاق سلام دائم في المنطقةquot;.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبدأ هذا الأسبوع زيارة للولايات المتحدة، يبحث خلالها الملف النووي الإيراني الذي يشهد خلافاً في وجهات النظر بين واشنطن وتل أبيب. ورغم أن تل أبيب تقول إنها لم تتخذ بعد قراراً بضرب إيران، فإن تصريحات على لسان مسؤولين إسرائيليين عمقت المخاوف الأميركية من الانعكاسات السلبية لمثل هذا الإجراء على كافة أنحاء العالم. إذ تخشى واشنطن أن يؤدي أي هجوم إسرائيلي على إيران إلى توريطها في مواجهة عسكرية جديدة بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة أن الولايات المتحدة مقبلة على موسم الانتخابات الرئاسية، لذلك فهي تريد أن تعطي للدبلوماسية والعقوبات على إيران مزيداً من الوقت لحل الملف.
صحيفة معاريف أكدت أن أجواء quot;انعدام الثقةquot; تسيطر على اللقاء المرتقب بين quot;بنيامين نتنياهوquot; والرئيس الأمريكي quot;بارك أوباماquot; يوم الاثنين القادم في واشنطن. وأشارت الصحيفة أنه من الملاحظ أنه بالرغم من الضغوطات الممارسة من الجانب الإسرائيلي، إلا أن الولايات المتحدة لا تنوي التشديد على إيران بشكل جوهري، ولذلك تسود حالة من عدم الثقة في العلاقات بين الجانبين، مشيرة إلى الأمريكيين يتذكرون جيداً تصريحات نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لواشنطن والتي هاجم فيها أمام الإعلام الرئيس الأمريكي بسبب موقفه المؤيد لتجديد المفاوضات مع الفلسطينيين.
وبحسب تسريبات quot;معاريفquot;، فإن quot;نتنياهوquot; سيطلب خلال لقائه الرئيس الأمريكي توضيحات حول quot;الامتيازاتquot; التي ستقدمها الولايات المتحدة quot;لإسرائيلquot; لضبط خيارتها أمام التهديد الإيراني، وما هو الخط الأحمر لدى الأمريكان الذي يجب على إيران أن لا تتخطاه؟، وأنه في حال تنازلت quot;إسرائيلquot; عن ضرب إيران.. ما الدوافع التي ستقود الولايات المتحدة إلى مهاجمة إيران بعد ذلك؟
بالمقابل، أبدى مسؤولون إسرائيليون كبار رضاهم كون هذه المرة الأولى التي يصل فيها نتنياهو إلى البيت الأبيض دون وجود الرئيس الفلسطيني quot;محمود عباسquot; في مركز المحادثات، وأنه سيسيطر الملف النووي الإيراني على جدول أعمال الجانبين، بعد حالة اليأس التي تنتاب المجتمع الدولي من توقف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
ومع ذلك، أوضحت معاريف أن الفجوات بين quot;إسرائيلquot; والولايات المتحدة حول الموضوع النووي الإيراني مستمر في التوسع، كون الطرفين يعتقدون بأنهم لن ينجحوا في التوصل لتفاهمات مشتركة، وما تم إقراره إلى الآن هو أنه لن يكون هناك بيان علني مشترك يعقب اللقاء المرتقب بين نتنياهو وأوباما يوم الاثنين القادم في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وبحسب الصحيفة، فإن البيت الأبيض أيضاً لم يقر بعد ما إذا كان سيجري مؤتمراً صحفياً مشتركاً بعد اللقاء، مشيرة إلى أن نتنياهو يبدي اهتمام كبير لعقد مثل هذا المؤتمر، لأنه يريد من الرئيس الأمريكي رفع لهجة الخطاب الإعلامي الموجه ضد إيران، وتحويل الملف الإيراني إلى خطر عسكري حقيقي على العالم.
نتنياهو يعتقد أن التصريحات الأمريكية الحالية بخصوص إيران، والمتمثلة بأن الولايات المتحدة quot;عازمة على منع إيران من امتلاك السلاح النوويquot;، وأن quot;جميع الخيارات مطروحة على الطاولةquot; غير كافية لخلق عملية ردع حقيقي أمام إيران، وأنه من الواجب تصعيد اللهجة الخطابية ضدها. لكن امتحان الانتخابات ووقع أوباما بين شرين أحدهما الحاجة إلى صوت اللوبي الإسرائيلي الداعم لنتنياهو في الانتخابات المقبلة، وكذلك عدم التورط في حرب قبيل الانتخابات يشكل عامل تشتيت للرئيس الأمريكي الذي لن يرتاح قبل أن يرى قدمي ضيفه تغادران مطار واشنطن بأقل الأضرار الممكنة، وربما.. الابتزازات المعقولة!


.... كاتب وباحث
[email protected]