هناك شبه إجماع علي مستوي الحورات الآنية التي يعيشها المجتمع المصري بمختلف قواه السياسية ومنظماته المدنية ومراكزه البحثية.. ونخبة الفكرية والثقافية.. وتجمعاته الفئوية، أن جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي الحرية والعدالة فرضت مصلحتها الذاتية عندما قام تحالف حزبها هذا مع حزب النور السلفي بتشكيل اللجنة التأسيسية التى ستقوم بكتابة دستور مصر الجديد متعمدين إقصاء الأخرين. فجلسات الإستماع لا طائل من ورائها، ولن تؤدي إلي نفس التنوع والتعدد والتخصص الذي كان غالبيتنا يرجوه من وراء تشكيلة لجنة لا يهيمن عليها الإخوان المسلمون وحلفائهم من السلفين.. ولو سلمنا قيادنا لمثل هذه جلسات فلن يكتب الدستور قبل عشر سنوات.. خاصة وأنها ليست بديلاً لمن لم يقع عليه الإختيار لكي يكون من بين المنتخبين علي مستوي لجنة المائة.. وأخيرا لأن هذه الجلسات ليست ملائمة لأبناء مصر في سيناء وفي النوبة، كما لن تكون ذات مردود عملي لقطاعات العمال والفلاحين الذين خذلتهم الغالبية في مجلسي الشعب والشوري وهمشتهم ولم تفسح لهم مكان يستحقونه بين جنبات اللجنة التأسيسية.. نعم هم لا يسمعون ولا يعوون..
فهذا الإجماع يري أن التشكيل مخالف لكل المقاييس والقيم والمعايير والإطروحات الديموقراطية المتعارف عليها :
-فهو من ناحية يقوم علي عدم المساواة
-ولا تتوافر له مقومات التوافق الشعبي من ناحية ثانية..
لذلك تتوقع الغالبية العظمي منة أبناء الشعب المصري أن لا يخرج الدستور كـ quot; عقد اجتماعي بين المواطن ومؤسسات الدولة وهيئاتها المختلفة quot;..
ضمن هذا السياق الذي تبلورت ملامحه بعد ساعات معدودة من إعلان تشكيل اللجنة بالكيفية التى أعلنها التحالف الحزبي الذي أشرنا إليه، وسرعان ما انسحب منه الكثيرون، سعت بعض الأقلام ذات المصداقية إلي تقديم النصيحة والمشورة إلي أصحاب الأغلبية العددية في مجلسي الشعب والشوري لكي يعيدوا النظر فيما تفتقت عنهم أفكارهم.. كما بذلت بعض القوي السياسية العاملة في الساحة جهدها لكي تُقنعهم بضرورة التريث في إستكمال مسيرة كتابة الدستور فوق هذا الدرب المملوء باللألغام السياسية غير المطمأنة.. وقام المجلس الأعلي للقوات المسلحة، بحكم مسئوليته في إدارة شئون البلاد، بقعد لقاء ضم جميع الأطراف السياسية الفاعلة على الساحة بهدف التقريب بين وجهات نظرها..
كل هذه المساعي لم تصل إلي هدفها ولم تنجح في اقناع ممثلي التيار السياسي الإسلامي بالتخفيف من غلوائهم، حتى أن الدكتور سعد الكتاتني لم يشأ أن يعلق علي أي منها ضمن كلمته التى ألقاها بعد إنتخابه رئيساً للجميعة التأسيسية.
في نفس الوقت ركز إهتمامه حول أمرين..
الأول.. أن اللجنة ستعقد جلسات إستماع لكافة القطاع الشعبية والحرفية والمهنية والحزبية، للتعرف علي رؤاها السياسية فيما يتعلق بكتابة الدستور..
الثاني.. أن عملية صياغة الدستور ليست فنية بحته quot; بل هي سياسية تتعلق برسم العلاقات بين قوي المجتمع السياسية quot;..
وهذا التركيز يشير بما لا يدع مجالا للشك إلي أن جماعة الإخوان المسلمين مُصرة علي المضي في إحكام قبضتها علي اللجنة، ومن ثم علي فرض الصياغة النهائية التى يراها التياري السياسي الاسلامي أنها هي الأكثر مٌلائمة لشعب مصر كما جاء علي لسان الكثير من قياداتهم منذ بداية شهر مارس الحالي..
أما ما يتعلق بعدم الحاجة لفنيين لصياغة الدستور، فحقيقته الأمر أنهم ndash; أي الحزبين المتحالفين - ليسوا في حاجة للجنة بأكملها لأن صيغة الدستور كما يرونه quot; جاهزة quot;.. ومن ثم هم ليسوا في حاجة للغرف المغلقة ولا للمتخصصين، فقد وضعت نصوصه الجماعة وناقشها مجلس شورتها وأقرها وإنتهي الأمر !!..
ولم يبقي إلا الإشهار والعلانية بين الناس عن طريق الإستفتاء علي مجمال مواده..
وكأن لسان حالهم يقول quot; آذاننا لا تسمع وقلوبنا لا تعي quot;..
اللجنة التأسيسية لا تتشكل من 30 % من أعضاء حزبي الحرية والعدالة والنور المنتخبين بمجلسي الشعب والشوري، والباقي من القوي السياسية الأخري.. كما قال رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة !! بل تتألف من 60 % من منتسبي تيار الإسلام السياسي الذين وصفهم عاصم عبد المجيد عضو مجلس شوري الجماعة quot; بأنهم قادرون علي وضع الدستور دون مشاركة التيارات العلمانية التى إنسحبت من اللجنة بهدف إفشال مهمتها quot;..
هذا الإستنتاج يؤكده تعليق مختار العشري رئيس اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة الذي قال إن مشروع الدستور الذي quot; أعده الحزب quot; لتقديمة للجميعة التأسيسية سيُبقي علي الأبواب الأربعة الأولي التى جاءت في دستور 1971 كما هي quot; إلا في إطار ضيق من التغييرات اللازمة quot; أما الأبواب الأخري فسيجري عليها تغييرات واسعة وشاملة في ظل الجمع بين النظامين السياسيين quot; البرلماني والرئاسي quot; مع تحديد إختصاصات رئيس الجمهورية في الشئون الخارجية فقط quot;..
نعم هم لا يسمعون ولا يعوون..
فالأغلبية لهم علي مستوي اللجنة حتى لو كانت 55 % كما يؤكد البعض..
ومسودة الدستور جاهزة..
وسيجري التصويت علي المواد علي طريقة 50 + 1 من الحاضرين ( سواء كانوا موزعين إلي لجان أو في صعيد واحد )..
ولذلك قلنا انه لا فائدة ترجي من وراء الأمرين اللذين ركز عليهما الدكتور سعد الكتاتني في كلمته التي إفتتح بها اعمال اللجنة.. لأن لجان الإستماع، حتى وإن إنعقدت فسنتهي إلي لا شئ طالما ان نسخة الدستور سابقة الإعداد، ولان الصياغة لم تعد في حاجة إلي غرف مغلقة لأنها تمت فعلاً بين أربعة جدر شيدها التيار السياسي الإسلامي بمفرده..
فتهميش المرأة والشباب والمتخصصون بعيدا عن عضوية اللجنة، لا يعنيهم..
والإفستقالاات من عضويتها بالجملة، لا يعنيهم..
والإنسحاب من عضويتها علي مستوي إتحاد نقابات عمال مصر وقاضي المحكمة الدستورية والفنانين متواصل..
وتعليقات القوي السياسية التى تدين هذا التشكيل لا تنقطع عبر المنابر الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة..
وعدد القضايا التى رفعها حقوقيون ومحاميون أمام محكمة القضاء الإداري يزداد عددها علي مدار الساعة..
وآراء المرشحون المحتلمون لمنصب رئيس الجمهورية التى تتقاطع بالجملة مع الفكر الذي وقف وراء تشكيها، لا تشغل بالهم..
وما يقطع به الفريق الأكبر من أساطين القانون الدستوري أنها - أي اللجنة - غير مؤهله للقيام بالواجب المنوط بها quot; لأنها تضم الكثيرون ممن لا علاقة لهم بالمهمة quot;..
والمؤسسات الدينية التى تعارضها لأن رئاسة مجلسي الشعب والشوري إستبعدت الأسماء التى قدمتها لها، ووقع إخيارها علي شخصيات أخري..
وشباب الثورة الذي لم يٌمثل فيها.. حتى طالب جامعة المنصورة الذي فاز بعضوية اللجنة، لم ينل هذا الشرف لأنه يمثل كيان طلابي شرعي بل لأنه كادر اخواني.. وربما يكون ذو صلة قربي برئيس حزب الحرية والعدالة..
كل ذلك لم يحرك فيهم ساكناً، فالآذان لا تسمع والقلوب لا تعي..
ويبقي السؤال..
هل الشارع المصري في طريقه إلي صدام جديد، سيقع هذه المرة بين الثوار وقوي التيار السياسي الإسلامي؟؟
وهل إذا وقع لا قدر الله، سيقف المجلس الأعلي للقوات المسلحة ساكناً؟؟
إلي أين ستتجه بصلة التخويف والتهديد التى بدأت منذ ثلاثة أيام بين القطبين الكبيرين..
-الإخوان المسلمون ومعهم السلفون..
-و المجلس الأعلي للقوات المسلحة..
إلي مزيد من التصعيد؟؟ أم إلي نقطة وسطية بين قوة الطرفين الناعمة والخشنة؟؟..
هل كل هذه القوي تضع مصلحة الوطن quot; مصر quot; فوق كل إعتبار بنفس النسبة والقدر والمسئولية؟
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات