في مصر باتت ظاهرةquot; لله يامحسنين quot; أي الدعوة للتبرع من أجل إقامة المشروعات الخدمية مثل بناء المدارس، المستشفيات، الجامعات، المساجد، مشروعات الصرف الصحي وغيرها من مشروعات عديدة، ظاهرة شائعة في مصر ليس لها سقف محدد،غير أنها بعد الثورة، وبعد كل الحقائق التي تكشفت عن نهب اموال المصريين علي ايدي لصوص النظام السابق، اصبحت تقابل بالسخرية وعدم الإكتراث عند إطلاقها، خاصة عندما تصبح بديلاً لدور الدولة الذي يجب أن تقوم به.

هكذا قوبلت دعوة العالم المصري الدكتور زويل الحائز علي جائزة نوبل في الكيمياء، من أجل التبرع لإقامة مدينة علمية وجامعة للتكنولوجيا تحمل اسمة، وأيضا دعوة الشيخ محمد حسان الذي طالب بإستبدال المعونة الأمريكية بتبرعات المصريين وهي الدعوة التي أطلق عليها اسم quot;في حب مصر quot;.

الأمر المحير هنا أن الدعوة للتبرع بالمليارت، أصبح وقعها شديد الغرابة على أناس، في مجتمع يعاني أصلاً من الفقر والنهب المنظم لثرواته علي ايدي لصوص الحكم وعصابات بعض رجال الأعمال طيلة السنوات الماضية، حتي اصبحت حساباتهم البنكية في الخارح وليس في مصر متخمة بمليارات تكفي بسخاء لإخراج مصر من أزماتها المتلاحقة.

إن حيرة البسطاء من الشعب الواقفين بالساعات في طوابير أنابيب البوتجاز وطوابير الخبز اليومية وهم يتابعون نداءات quot;لله يامحسنينquot; من الدكتور زويل من أجل إكمال مدينته التي تتطلب 10 مليارت جنيه، والتي سوف يعمل في مجلس أمنائها 4 من العلماء الحاصلين علي جائزة نوبل وفق تصريحاته، تجعل الناس تتساءل وكم سيقبض هولاء المستشاريين العلميين من الأجانب؟ وماذا سيقدم ذلك الصرح الكبير لمن طلب منهم الدكتور زويل التبرع؟ مثل سكان العشوائيات؟ وسكان المقابر؟ والذين يبحثون عن انبوبة بوتجاز أو رغيف خبز هنا او هناك؟.

تصبح الدعوة للتبرع أكثر درامية وأشد سخرية عندما يدخل رجال الدين علي الخط، وتستبد الحيرة بالناس أكثر عندما يجدون أنفسهم مطالبين بالتبرع من أجل رفض المعونة الأمريكية التي لايعرف عنها المصريون أصلاً شيئاً! وفي أي مجال يتم إنفاقها!، بل أكثر من ذلك هناك تسريبات عديدة تربط بينها وبين فساد كبير في مؤسسات هامة في الدولة.

ان حيرة المصريين في مثل هذه الدعوات لا تكمن علي الإطلاق في جوهر الدعوة السامي للتبرع من أجل فقير أو مريض او محتاج، فالمصريون شعب طيب، يعرف جيداً نبل هذا المطلب،ولا يتأخر عنه،لكن الحيرة تنصب حول الشخصيات العامة من الأثرياء ورجال الدين الأكثر ثرائاً الذين يوجهون دعوة التبرع عبرتسابق حميم في نشرها عبر المنابر الأعلامية التي يمتلئ بها فضاء مصر الإعلامي الأن.

لماذا لم يستغل الدكتور زويل مثلاً علاقاته حول العالم في جمع هذا المبلغ؟ خاصة وأن هناك آلاف المؤسسات والأوقاف التي تتبرع لمثل هذه المشاريع العلمية، عندئذ سيصبح اسم العالم الكبير علي جامعته حقاً له..ولماذا لم يوجه الشيخ حسان ندائه للمسؤليين وللمجلس العسكري بالجدية وسرعة وقف الفساد والعمل بإخلاص من اجل استرداد ثروات مصر المهربة؟

ان الدولة التي غرقت في الفساد طيلة 30 سنة ولم تصحو بعد منه،لا يمكن الإعتماد عليها في إقامة مثل هذه المشاريع الخدمية فهي قد اسقطتها من اولوياتها وتخصصت فقط في نهب الثروة ونقلها الي الخارج وتركت ورائها شعباً كاملاً،ضائعاً، تائهاً يدبر أحواله بنفسه من جيبه الخاص رغم تنظيف جيبه اولاً بأول في ظل الحكومات التي تعاقبت عليه لهذا تفتقد دعوات التبرع وسط هذه الأجواء الكياسة والحنكة،فالأجدي هو استرداد اموال مصر المنهوبة سواء في الداخل او الخارج واستخدامها في تشييد وإصلاح ما أفسده لصوص العصر الحديث.

إن الكيفية التي تم بها سرقة مصر، وكم الأموال الرهيب الذي تم نقله الي الخارج،يجعل الإنسان البسيط يتساءل عن مشروعية هذه التبرعات، في ظل هذا التراخي الكبير في عملية استرداد هذه الاموال المنهوبة او علي الأقل مصادرة القصور والأراضي التي مازالت ملكيتها في ايدي رجال النظام السابق.

[email protected]