تقرير مغرض حول أوضاع حقوق الانسان في المغرب تصدره وزارة الخارجية الأمريكية. وإذا كان من حق الولايات المتحدة الأمريكية أن تصدر ما شاءت إصداره من التقارير حول أوضاع حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم حتى ولو كانت تقارير جزئية وانتقائية بل ومنحازة، فإنه لا يحق لها، كما لا يحق لغيرها من الدول مهما كان حجمها الدولي كبيرا ومهيمنا على الصعيد العالمي، أن تعمل على فرض استنتاجاتها الخاصة على المؤسسات الدولية لتصبح هي الموقف الرسمي للمجتمع الدولي والذي على أساسه تصنف الدول في إطار خانة احترام او عدم احترام وخرق حقوق الانسان الأساسية في بلدانها.

إن المسألة نسبية إلى أبعد الحدود في الزمان والمكان، وبالتالي، فلا يحق لواشنطن أن تنطلق من وجهة نظرها في مسألة معقدة ومركبة مثل مسألة حقوق الانسان لتفرضها بحذافيرها على غيرها من البلدان والدول المستقلة ذات السيادة لا سيما اذا استحضرنا كيف أن الولايات المتحدة لا تقبل إخضاع نفسها للمقاييس إياها التي تحاول فرضها على غيرها بدعوى كونية حقوق الانسان.

ولا ينبغي النظر إلى هذا التقييم كما لو كان افتراء أو تحاملا على الولايات المتحدة الامريكية على أساس إيديولوجي أو سياسي منحاز، بل هو عين الحقيقة والواقع حيث إن واشنطن تضع مواطنيها فوق الكثير من المبادئ والقوانين التي تدافع عن طابعها الكوني عندما يتعلق الأمر بمواطني البلدان الأخرى وهذا ما سمح لها بوضع نفسها خارج المحكمة الجنائية الدولية التي تدافع عن تقديم مواطني دول أخرى أمامها بمن فيهم رؤساء الدول المستقلة، في حال ارتكابهم جرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية وتستثني من ذلك مواطنيها وجنودها ومسؤوليها بصورة قطعية، الأمر الذي يكشف النقاب عن اعتقاد أمريكي خطير مفاده ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تسري عليها القوانين ولا تخضع لأي سلطة ولو كانت معنوية إلى أقصى حد ما لم تكن هذه السلطة بنت المجتمع الأمريكي بصورة حصرية. وبهذا المعنى، فإن واشنطن تمارس تمييزا صريحا وواضحا على أسس غير مقبولة قانونيا وأخلاقيا كما لو كانت هي المرجعية التي تحدد المقاييس ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسري عليها أحكام تلك المقاييس.

تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في المغرب وخاصة في الأقاليم الجنوبية مغرض ولا تكاد أهدافه القريبة والبعيدة تغيب عن إدراك كل متتبع لملف حقوق الإنسان في منطقة المغرب الكبير وشمال أفريقيا بصفة عامة.

فليت وزارة الخارجية الأمريكية أطلعتنا على الكيفية التي عالجت بها حقوق الإنسان في البلدان التي تحتلها القوات الأمريكية أو في سجونها السرية والعلنية حتى نتعرف جميعا على النموذج الذي يحتذى في مجال احترام حقوق الانسان الأساسية. لكن ليت لا يتم اللجوء إليها إلا في معرض التمني البعيد عن التحقيق أو مستحيل التجسيد على أرض الواقع. ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية أبعد ما تكون عن إعطاء الدروس في مجال حقوق الإنسان لأن خروقاتها الجسيمة لا تعد ولا تحصى وهي ترتكب يوميا في مختلف مناطق العالم سواء من قبل عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الذين يقومون بعمليات سرية وعلنية ضد كل من لا يخضع للإملاءات الأمريكية ومن قبل عسكرييها وطائراتها التي تقصف يوميا اليمن وباكستان وأفغانستان وغيرها من بلدان العالم بذريعة محاربة الإرهاب في حين أن الأبرياء كثيرا ما يكونون الضحايا الأوسع جراء هذه الضربات الجوية العشوائية.

إن التحالف الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة الذي يبدو أن قيادتي البلدين تحرصان على استمراره وتطويره في مختلف المجالات لا ينبغي أن يحجب عن الأنظار التباينات والتعارضات الممكنة للمصالح بينهما خاصة أن الرباط وواشنطن ليستا الوحيدتين المعنيتين بما يجري في المنطقة وإنما هناك دول أخرى منخرطة في لعبة المصالح الإقليمية والدولية مثل الجزائر وفرنسا وإسبانيا وغيرها، وبالتالي فإن استحضار هذه الحقيقة يساعد على بلورة التكتيكات الملائمة لكل مرحلة من مراحل التنافس بين الدول المعنية بقضايا المنطقة جميعها بما في ذلك قضايا حقوق الإنسان. والحال أن الموقف الذي عبر عنه تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الأخيريقفز على كثير من حقائق التطور الذي عرفه ملف حقوق الإنسان في المغرب خلال العقود الأخيرة حيث تشهد بذلك مختلف التقارير الدورية للجمعيات والمنظمات الحقوقية المغربية وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية ذات المصداقية العالية في هذا المجال. وإذا كان هذا لا يعني أن المغرب قد أصبح الجنة المثالية لحقوق الانسان فمن بإمكانه أن يدلنا على هذا الجنة في مختلف بقاع العالم خاصة عندما تتم معالجة بعض القضايا ذات الحساسية الكبرى مثل الدفاع عن مظاهر السيادة الوطنية أو الحرب على التطرف والإرهاب؟

وفي كل الأحوال، فإن الموقف الرسمي الأخير للولايات المتحدة قد كشف عن أن كريستوفر روس عندما دعا إلى توسيع صلاحيات المينورسو لم يكن ينفذ إلا التوجيهات الرسمية وإن لم تكن في ذلك الوقت علنية للإدارة الأمريكية التي استاءت أيما استياء من موقف المغرب الذي أعلن فقدانه للثقة في المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء ورفض التعامل معه إلى أن تدخلت الأمانة العامة للأمم المتحدة في شخص بان كي مون الذي اتصل بالملك محمد السادس وطمأنه على نوايا كريستوفر روس فأعلن قبول استمرار روس في مهمته على أساس الضمانات التي تلقاها من الأمين العام للأمم المتحدة. لكن يبدو أن روس مصر على موقفه من مسألة حقوق الإنسان وإرادته في توسيع مهام بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء وفي مخيمات تندوف. وقد تعزز هذا الموقف بدخول واشنطن مباشرة على الخط من خلال تقرير الخارجية الأمريكية حول أوضاع حقوق الانسان في الصحراء ومن خلال تقديم مشروع قرار بتوسيع صلاحيات المينورسو إلى مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية لبلورة موقف مشرك بينها وعرض نص متفق أمام أنظار مجلس الأمن الدولي لتدقيق المهام الجديدة للمينورسو.

قد يكون السبب في الكشف عن هذا الموقف كون الفريق القائد لوزارة الخارجية الأمريكية في ولاية اوباما الثانية معروفا بمواقفه المؤيدة للموقف الجزائري من قضية الصحراء وبإعطاء الأولوية للأطروحات الانفصالية على مبدأ احترام سيادة الدولة المغربية ووحدتها الوطنية والتراتبية، وقد يكن الهدف من إثارة المسألة بهذه الدرجة من الضجة والصخب محاولة إعادة quot;التفاوضquot; مع المغرب حول مفردات علاقاته الإستراتيجية مع الولايات المتحدة التي ترغب في أن تحتل الجزائر الغنية بنفطها مواقع متميزة في استراتيجيتها في منطقة شمال أفريقيا. وانطلاقا من كلا الفرضيتين فإن المغرب مدعو إلى إعادة التأكيد على الثوابت في رسم علاقاته الدولية وفي مقدمتها قضايا السيادة الوطنية والدفاع عن المصالح العليا للبلاد باعتبار أساس التعاقد التاريخي بين الشعب المغربي وقيادته الوطنية في كل العصور.

وفي هذا الإطار ينبغي النظر إلى السلوك الحالي للولايات المتحدة الأمريكية باعتباره سلوكا نمطيا لبعض الدول التي تعتقد أنها تملك من الحقوق ما لايملكه غيرها من دول العالم، والجواب في هذه الحالة هو التشبث بأساسيات الموقف الوطني والاستعداد لرفع تحديات هذا الموقف على مختلف المستويات.

وللتتكير بالمناسبة، فقد اعتقدت الولايات المتحدة وبعض مؤسساتها الوازنة كالكونغرس ووزارة الخارجية أنها تحتل موقعا متميزا واستثنائيا يجعلها تحتكر الحق في التحدث عن حقوق الانسان وأوضاعها العامة في مختلف أنحاء العالم بغض النظر عن الوزن الإقليمي أو الدولي الذي تحظى به، وفي هذا السياق أعطت لنفسها الحق في إصدار تقارير عن اتحاد روسيا والصين الشعبية وغيرهما من الدول الأساسية في المجتمع الدولي. وبما أن هذه التقارير ذات طابع سلبي فإن رد فعل موسكو وبكين كان قويا وشاملا ورافضا لكل أشكال التدخل الأمريكي في شؤونها الداخلية وكانت تقاريرها حول الأوضاع الحقوقية للمواطنين الأمريكيين والممارسات التضييقية التي تعاني منها أغلب فئات وشرائح المجتمع الامريكي، الرد السياسي والحقوقي في آن واحد للتأكيد على أن هناكا حدودا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وان الملاحظات حول حقوق الانسان ليست حكرا على دول دون أخرى وان العامل المحدد في هذا المجال يرتبط بمختلف المصالح والاستراتيجيات التي تتبناها كل دولة على حدة.