منذ فترة لم نعد نشهد مواجهات مسلحة كبيرة بين القوات الكردية (البيشمركة والغريلا).

سواءً أكان في جنوب كردستان أو غربها؟ فما هي الأسباب التي أدت إلى تراجع حدة المواجهات بين الطرفين؟ هل هي أسباب متعلقة بالوضع الكردي الداخلي، أم لها علاقة بالتحالف الدولي أو بتنظيم داعش ثلاثتهما معآ؟

ولفهم الأسباب يجب دراسة حالة جنوب كردستان منفصلآ عن حالة غرب كردستان، لخصوصية كل جزء منهما، رغم القواسم المشتركة بين الجزئين، ودعونا نبدء بجنوب كردستان أولآ.

بتصوري إن الأسباب التي أدت إلى خفة المواجهات بين قوات اليشمركة وأفراد تنظيم داعش يمكن حصرها في ثلاثة مجموعات:

المجموعة الأولى: هي مرتبطة بنتظيم داعش الذي ضعف شوكته إلى حدٍ ما مؤخرآ، بعدما إستعادة قوات البيشمركة قوتها وجمعت صفوفها بعد خسارتها في شنكال، وتلقيها دعمآ عسكريآ لا بأس به من الغرب وإيران وتغطية جوية من طيران التحالف الدولي، وهذا ما ساعدها من إستعادة مناطق كثيرة من يد داعش، ومنع هذا التنظيم الإقتراب من مدينتي كركوك وهولير. والسبب الأخر هو تورط هذا التنظيم في معارك كثيرة، داخل العراق وسوريا، وتعرض قواته وخطوط إمداده إلى ضربات جوية، وإغلاق الكثير من النقاط الحدودية بين سوريا والعراق أمامه.

المجموعة الثانية: متعلقة بالتحالف الدولي، الذي يضم عدد كبير من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمركية، ومنذ البدء كان هدف أمريكا هو إحتواء التنظيم وليس القضاء عليه، وهذا بدا واضحآ من خلال الطلعات الجوية المحدودة، من قبل طيران التحالف، وثانيآ إمتناع أمريكا والحكومة العراقية، عن تسليح قوات البيشمركة بأسلحة نوعية ومتططورة الخفيفة منها والحديثة. والسبب الأخر هو حالة عدم الثقة بين الطرف الكردي والحكومة المركزية، وغياب التنسيق بين الجانبين، والحالة المزرية للجيش العراقي بسبب إنتشار الفساد والمذهبية والمحسوبية بين صفوفه. والسبب الرابع هو تخوف الحكومة العراقية من زيادة قوة ونفوذ البيشمركة، لأن ذلك سيعزز النزعة الإنفصالية لدى الكرد، وخاصة بعد سيطرتهم على مدينة كركوك، بعد إنسحاب الجيش العراقي منها خوفآ من هجمات تنظيم داعش الإرهابي. والسبب الأخر هو الخلاف بين الكرد وأمريكا والحكومة المركزية، حول الأولويات وتدخل الحشد الشيعي الطائفي، المرفوض كرديآ وسنيآ في الصراع.

المجموعة الثالثة: تتلعق بالوضع الكردي الداخلي في جنوب كردستان، حيث الخلافات بين الأطراف الحاكمة ليست خافية على أحد. والخلافات لها جوانب متعددة منها ما هو متعلق بسيطرة كل طرف على مناطق أكبر على حساب الأخر، ثانيآ إستيلاء حزب البرزاني على القسم الأكبر من السلاح المقدم للإقليم، وثالثآ عمل القوات التابعة لكل من البرزاني والطالباني بشكل مستقل ولباس مختلف. والخلاف الأخر الأكثر أهمية وتأثيرآ هو موضوع منصب رئاسة الإقليم، الذي يحتله مسعود البرزاني الأن عنوةً بعد إنقضاء مدته الدستورية. ويمكنني القول بأن البرزاني مستعد للتعايش مع تنظيم داعش الإرهابي، من أجل البقاء في السلطة والحفاظ على إمتيازاته، والإستمرار في نهب أموال النفط هو وعائلته.

أما في غرب كردستان ومنذ تحرير مدينة غريه سبي الكردية قبل عدة أشهر، وبعدها مدينة الحسكة الأكبر حجمآ وسكانآ، من يد تننظيم داعش الإرهابي قبل حوالي الشهرين، لم نعد نسمع عن مواجها كبيرة بين قوات الحماية الشعبية الكردية وهذا التنظيم البربري ولا عن تحرير مناطق كردية جديدة، التي مازالت تحت سيطرت داعش وخاصة غربي نهر الفرات والممتدة من منبج إلى جرابلس ومرورآ باعزاز ومنغ وتل رفعت ومارع وديرجمال المتخامة لمقاطعة عفرين. تلك المنطقة التي تسعى حكومة أردوغان الفاشية جعلها مستعمرة تركية، لقطع التواصل الجغرافي بين مناطق إقليم غرب كردستان، والحؤول دون قيام كيان كردي ثاني على حدودها، وفصلها تمامآ عن العالم العربي.

إن الأسباب التي أدت إلى خفة المواجهات بين قوات الحماية الشعبية وإرهابي داعش برأي تعود لثلاثة عوامل هي:&

العامل الأول: هو تراجع قوة داعش وكسر شوكته، على يد القوات الكردية والنساء منهم على وجه الخصوص، ودحره في كوباني وغريه سبي والحسكة وسريه كانية، وكلف ذلك داعش خسائر بشرية وعسكرية كبيرة جدآ، وخسر أراضي شاسعة لصالح (ي ب ك)، إضافة إلى خسارته للمنافذ الحدودية مع شمال كردستان (تركيا)، وأهم من كل ذلك هو فقدانه لتلك الهالة الضخمة التي نسجها لنفسه، وتراجع معنويات مقاتليه بشكل كبير، بعد طرد من غريه سبي دون أي مقاومة تذكر.

العامل الثاني: هو تراجع الدعم الجوي الأمريكي لقوات (ي ب ك)، بعد إتفاقها مع تركيا بإستخدام قاعدة أنجرليك العسكرية القريبة من الحدود السورية- التركية، مقابل وقف تقدم القوات الكردية نحو عفرين غربآ وتحرير مدينة جرابلس ومنبج وإعزاز وتل رفعت، منن يداعش وتوصيل المناطق الكردية بعضها ببعض. لأن تركيا حليف قوي لجميع التنظيمات العاملة فيي سوريا، وعلى رأسهم تنظيم داعش وجبهة النصرة. وهي تفضل الجوار الداعشي على الجوار الكردي، كما شاهدنا على مدى السنوات الماضية.

وأميركا لا تريد أن يقوى الطرف الكردي على حساب الأطراف الإخرى، مثل النظام والمنظمات الإرهابية، ولهذا لم تقدم لقوات (ي ب ك) السلاح والذخيرة، ولم تتعامل سياسيآ مع حزب الإتحاد الديمقراطي، الذي يحكم غرب كردستان، ولم تمنح قياديه الفيز لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية.

العامل الثاني: هو إنشغال القوات الكردية بتثبيت الأمن في المناطق المحررة وحمايتها من هجمات تنظيم داعش الخاطفة، كما فعلها في كوباني بعد تحريرها، بهدف بث الرعب في نفوس المواطنيين الكرد، وثانيآ بناء هياكل سياسية في تلك المناطق والسعي لإعادة الحياة إليها من جديد، حتى يستطيع أهلها العودة إليها من جديد والعيش فيها.

ولكن حسب المعلومات التي نشرتها الصحافة البريطانية الرصينة، بأنها تملك معلومات

موثوقة، تؤكد بأن الطرف الكردي السوري، يحضر نفسه لمعركة تحرير أخر منفذين حدوديين مع تركيا من يد داعش وأحرار الشام، وهما منفذ جرابلس ومعبر السلام الحدودي عند منطقة عفرين، وبذلك سيقطعون الحبل السري يربط تركيا بهذه التنظيمات الإجرامية، وفرض خناق محكم عليها. وأنا شخصيآ أميل لهذا الرأي، لأن الإخوة في قيادة (ي ب ك) و (ب ي د) يدركون جيدآ، من دون إغلاق هاتيت النافذتين وإيصال عفرين بكوباني، سيظل الخطر يهدد إقليم غرب كردستان وشعبها. وهذه فرصة تاريخخية أمام الكرد لتوحيد مناطقهم وتحريرها من براثن الجماعات الإرهابية البربرية وبقايا النظام السوري المجرم والطائفي.

آمل أن لا تتأخر بدء معركة تحرير جرابلس وإعزاز، لأن الوقت ليس في صالح الكرد والأهل في تلك المناطق يعانون كثيرآ، وعفرين ترزح تحت الحصار منذ عدة سنوات عجاف، ولهذا لا بد من الإستعجال في هذا الأمر، ولكن دون إهمال في حماية المناطق المحررة إلى الأن.