صحويون فقدوا منبر الإعلام فإتجهوا إلى التحريض
quot;شيوخ البياناتquot; في السعودية: إحراج للسلطة وبحث عن أضواء مفقودة
سعدون السعدون من الرياض: البيانات الإلكترونية الموقعة، السلاح الوحيد بيد من تبقى من رموز quot;الصحوةquot; في السعودية. بعد أن أصبح التحريض وحمل السلاح تهمة تجعلك تقبع خلف القضبان لسنين، خصوصًا في ظل الأوضاع الأمنية المضطربة في المنطقة، وبعد الأحداث الإرهابية التي وقعت في السعودية منذ عام 2003 حتى توقفت في عام 2006 بعد الحملات الأمنية المكثفة من قبل وزارة الداخلية.
وتتكرر الأسماء الموقعة على البيانات الموزعة، بعض منها لم يتغير منذ أكثر من عشرين عامًا مثل الداعية الإسلامي ناصر العمر، والذي كان يشكل في بداية التسعينات الميلادية ركنًا مهمًا من أركان الدعوة والتحريض وقيادة الصحوة والحركات الإسلامية في السعودية، إلى جانب رموز لا تقل أهمية بل تزيد عنه، مثل عائض القرني وسلمان العودة وسفر الحوالي وسعد البريك . لكن ثلاثة من الأربعة الآخيرين إتجهوا إلى الإعلام والإستشارات الشرعية تاركين الصحوة لأهلها، أما سفر الحوالي فلعل الوعكة الصحية التي ألمت به قبل عامين ونصف جعلته يتوقف بشكل تام عن النشاط الصحوي سواءً الإلكتروني أو حتى الواقعي.
وقبل الخوض في تاريخ البيانات الصحوية بدءًا ببيان النصيحة عام 1992 والذي وجهه قرابة (104) أعوام للسلطة السياسية في السعودية آنذاك وليس إنتهاء بالبيان الأخير الذي أصدره (20) عالمًا دينيًا موجهًا للشعب تحذير من المذهب الشيعي، تزامنًا مع إنطلاق المؤتمر الإسلامي العالمي لحوار الأديان في مكة المكرمة غرب السعودية، وقبل الغوص التفصيلي استطلعت quot;إيلافquot; رأي مراقب إعلامي للحركة الصحوية منذ مطلع التسعينات الميلادية وحتى اليوم والذي قال إن البيانات ضعفت، ولم يعد لها تأثيرها وهي تحولت من بيانات سياسية موجهة للحاكم مباشرةً إلى بيانات شعبوية تعبوية الهدف منها إثارة الشعب تجاه قضايا معينة. ويرى أن السبب يعود إلى ضعف التيار وعدم قدرته على مواجهة السلطة أو الوقوف في وجهها ويكمل quot;في التسعينات الميلادية .. كان هناك أكثر من عامل يساعد التيار الصحوي على إصدار أي بيان بأي لغة يريد مع عدم التأكيد على تأثير تلك البيانات أو هذه الصادرة في الوقت الحالي، لكن في التسعينات لم يكن هناك 11 سبتمبر، ولم يكن هناك إعلام إلكتروني، ولم تكن هناك صحافة حرة مثل وضعها الحالي ... وإنما كان الشريط الإسلامي هو المسيطر على الساحة وهو الذي قوى شوكة الإسلاميين في ذلك الحين كما أن سيطرتهم على بعض المنابر الإعلامية جعلهم يقولون ما يريدون ويمررون ما يريدون .... والآن تغير الوضع تمامًا والبيانات أصبحت توجه إلى الشعب والفرد بدل أن توجه إلى الحاكم .. والأسماء التي فيها مكررة بشكل دائم ولم يعد هناك تأييد من سلطة دينية معينة أو من أعضاء في هيئة كبار العلماء ... وهنا يحاول بعض كتاب البيانات والموقعين الدائمين أن يستعطفون بعض أسماء العلماء للمشاركة معهم في التوقيعquot;.
ويرى المراقب أن الأسماء النشطة في توقيع البيانات لا يوجد لها بريق إعلامي سوى في مواقع أو شبكات إسلامية خاصة بها على الإنترنت أو من خلال التحريض الإلكتروني، إلا انها لا تملك أي وسائل تأثير على نطاق واسع واقعيًا.
وبدأت موضة البيانات في السعودية عام 1992 بالبيان الشهير الذي تم إطلاق اسم quot;مذكرة النصيحةquot; والذي وقع عليه أكثر من (104) علماء وداعية تفرقوا بعد هذا البيان، أو فرقتهم الظروف ليصبح بعضهم معارضين خارجيين للحكومة السعودية أو دعاة يعشقون الفضائيات أو فئة صامتة. وبعض من وقع على المذكرة تم إستبعاده من العمل الحكومي الرسمي مثل بعض أعضاء هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والذين كانوا من بين الموقعين على quot;مذكرة النصيحةquot; في ذلك الوقت. وهدأت البيانات ليصدر بيان آخر عام 1994 من مجموعة من الدعاة الصحويين تبعه بيان عام 1996، وكان من أبرز الموقعين عليه أحد المحرضين للأعمال الإرهابية في السعودية والذي تخصص في الفتاوى التكفيرية وهو ناصر الفهد .
وبعد هذا البيان، ساد الهدوء جو التوقيع الإسلامي حتى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فكان الشجب الإعلامي الذي اكتفى به بعض الدعاة الإسلاميين في السعودية للهجوم الأميركي على أفغانستان. ليأتي في عام 2003م بيان الـ (26) عالمًا والذي كان يدور حول حكم المقاومة في العراق، لكن هذا البيان اشتمل على أسماء لم توقع من زمن بعيد وعلى رأسها الداعية الشهير سلمان العودة، والذي اتجه في الآونة الأخيرة إلى الدعوة التلفزيونية مستخدمًا فقه الواقع في تعامله مع الآخر أيًا كان.
وبعد عام 2003، ظهر دعاة كان لهم نشاط محدود قبل هذا العام، وعلى رأسهم مشرف تربوي في وزارة التربية والتعليم السعودية وإمام جامع في الرياض وهو الدكتور محمد الهبدان، والذي عارض وقام بإلقاء خطبة عن قرار مجلس الوزراء السعودي بدمج وزارة التربية والتعليم ndash; المعارف سابقًا ndash; بالرئاسة العامة لتعليم البنات، متهمًا المخططين لهذا الدمج بأنهم ينوون أن يكون هذا القرار الخطوة الأولى للإختلاط في المدارس. خصوصًا أن تعليم البنات جاء بعد موافقة واستشارة مفتي وعلماء المملكة وقضاتها في عهد الملك الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز. وكان من اشتراطات رجال الدين أن يشرفوا على العملية التعليمية بطريقة أو أخرى. لكن القرار الذي جاء بالدمج على خلفية أحداث متراكمة من الرئاسة العامة لتعليم البنات سابقًا كان آخرها حريق نشب في مدرسة للبنات في مكة المكرمة، فكان القشة التي قصمت ظهر البعير، ليأتي قرار الدمج ويشتهر محمد الهبدان بعد هذا القرار وينشأ موقعًا إلكترونيًا باسم (نور الإسلام) ليتولى نشر البيانات التحريضية التي لم يستطع توجيهها مع الموقعين الدائمين إلى الحكومة، فكانت بيانات تعبوية في غالبها وأبرز عناوين البيانات الصادرة عن المجموعة نفسها يترأسهم الشيخين عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين والشيخ عبدالرحمن البراك، وكلامها تم ابعادهما من الإفتاء الرسمي في السعودية ويمثلان المدرسة السلفية المتشددة. وأبرز عناوين البيانات هي :
-بيان العلماء حول قيادة المرأة للسيارة (وقع عليه 118 شخصًا جميعهم مسبوقون بلقب quot;فضيلة الشيخquot; مع العلم ان من بينهم مهندسين في شركة أرامكوا ومعلمين ورجال أعمال).
-بيان العلماء والدعاة حول quot;ستار اكاديميquot; (وقع عليه (68) عالمًا ).
-بيان في حادثة القصيم (وهي أن مجموعة من النساء قمن بتنظيم حفل في مركز الملك خالد الحضاري بالقصيم وقامت إحدى النساء بتقديم الحفل وقرأت القرآن سيدة أخرى ، فكان البيان الذي وقع عليه أكثر من (80) عالمًا من القصيم وحدها، أحدهم تم القبض عليه في العام 2006 بتهمة تمويل الجماعات الإرهابية).
-بيان (26) عالمًا بخصوص المقاومة في العراق .
-بيان في كلية الطب (وهو بيان تحريضي لمجموعة من المتشددين يعملون في كلية الطب بجامعة الملك سعود بالرياض،لم يحصلون على ترقيات بسبب عدم تقديمهم لبحوث علمية تشفع لهم بالترقية وأسباب اخرى، دفعتهم لإستبدال مهنة الطب بمهنة الدعوة إلى الله في الحرم الجامعي وخصوصًا المستشفى).
-بيان بشأن أحداث لبنان (الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين وتحدث فيه عن رأيه في حزب الله وهو البيان الذي أثار حفيظة الشعب اللبناني وكثير من المنتمين للطائفة الشيعية في العالم).
-بيان بخصوص موجة الإلحاد في معرض الكتاب (وهو بيان عن السماح بنشر الكتب والروايات في معرض الكتاب واتهام القائمين على المعرض من مسؤولين ومثقفين سعوديين بمساعدة الآخرين على نشر الرذيلة والإنحلال الفكري والخلقي من خلال فسح الكتب في المعرض).
ولم يكتفِ الموقعون الدائمون بهذا القدر من البيانات التي لا تخدم الصالح العام للمسلمين،بل اتجهوا إلى التحدث بما تتحدث به الصحافة فكان لهم بيان بخصوص غلاء الأسعار وارتفاعها، لكنه لم يلق صدى مثلما كان صدى الحملة الإعلامية للوقوف في وجه ارتفاع موجة الأسعار والتضخم في السعودية.
وبعد كل هذه العناوين من البيانات، أوضح البيان الأخير الذي أصدرته مجموعة من العلماء السعوديين بخصوص المذهب الشيعي يترأسهم الشيخان عبدالله بن جبرين وعبدالرحمن البراك، عن كشف المعارضة المبطنة لكثير من الدعوات التي قادها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للتقريب بين المذاهب وحوار الأديان لإطفاء نار الفتنة الطائفية التي تعج بمنطقة الخليج في هذه الفترة ، إلا أن هؤلاء الدعاة ما زالوا يرددون المعارضة للتقريب بين المذاهب وحوار الأديان رافضين التسامح بأي صورة كانت، وهو ما يجلب للسعودية في كثير من الأحيان الإشكالات مع دول الجوار بسبب تواقيع وبيانات دعاة لا يحسبون رسميًا على المؤسسة الدينية السعودية.
التعليقات