يذكرنا الصراع الحالي بين إيران وإسرائيل بحالة الحرب الباردة التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والتي استمرت من نهاية الحرب العالمية الثانية والى ما قبل سقوط الأخير بداية العقد التسعيني من القرن الماضي حيث كان القطبان المتنافسان آنذاك يخوضان صراعا سياسيا وإعلاميا واقتصاديا وثقافيا ورياضيا ولكن ليس وجها لوجه بل من خلال جبهات غير مباشرة حيث يلجئان غالبا لجعل الدول الأخرى ساحة لصراعهما ومكانا لتسابقهما المحموم لنيل الزعامة العالمية لكي يجنبا نفسيهما حالة الصراع المباشر بما يحمله من مخاطر وأضرار كبيرة فكانت النتيجة تعرض الكثير من البلدان التي شملها هذا الصراع لمشاكل عويصة واضطرابات خطيرة سببت الكثير من النكبات مقابل تمتع البلدين ( بفتح الباء واللام )المتنافسين بقدر من الاستقرار والأمان لم يكن بالمتيسر تحقيقه لو مضى الصراع لاعتماد النمط المباشر أو اعتمد الأسلوب العسكري المكشوف ويبدوا من مجرى الأحداث الحالية أن إيران وإسرائيل ربما يمارسان الأمر ذاته أي أنهما كحال القطبين الكبيرين في السابق أرادا تجنب الحرب المباشرة قدر المستطاع والاعتماد على حرب بديلة تمارسها بعض الأطراف بالنيابة عنهما وذلك بعد أن تأكدا بان هكذا حرب ربما تمثل وسيلة مناسبة لمواجهة الطرف الأخر دون الانسياق وراء مغامرات غير محسوبة العواقب لان أضرار الحرب المباشرة ليست سهلة ولن تكون نتائجها مضمونة حيث رأينا كيف أصبح ينظر لكل من حزب الله وحركة حماس على أنهما ورقة إيران الرابحة بالرغم من أننا لا نتجاهل أهدافهما التي لم يكن لإيران دخل كبير بها واحتمال أن يكونا هم أيضا قد استخدما إيران لصالحهما فدور إيران لم يكن على أي حال خادما للمصلحة الإيرانية وحسب بل ربما خدم أيضا المصلحة الحماسوية ومصلحة حزب الله بشكل مماثل وهذا الأمر لاينفي أن يكون لإيران هدف تضامني متاتي من فلسفتها الدينية وفكرها الثوري الإسلامي إلى جانب هدفها الخاص فوجود هدفين في أن واحد ليس غريبا أو مستبعدا وبالتالي يمكننا اعتبار الهدف الإيراني نابعا من رغبة إيران في أن تجعل دورها في الصراع العربي مع إسرائيل متساوقا مع مصالحها حتى يكون لنجاحها طعم خاص ويحمل قيمة مزدوجة ورغم أن إسرائيل لاتجد هذا الأسلوب ملائما لها لما يثيره من ضغط مادي وإرهاق نفسي وما يحملها من جهد قد لاتكون قادرة على بذله لأمد طويل إلا أنها قبلت به مضطرة بعد أن وجدت أن مواجهتها المباشرة لإيران لاسيما في قضايا كالملف النووي لن تكون مأمونة العواقب وقد تسبب لها إشكالات هي في غنى عنها ما جعلها هي الأخرى تتصرف وفق هذا الأسلوب على الأقل إلى أن تتغير معطيات الصراع أو تتأسس حاجة جديدة وبالتالي وجدت البلدان العربية نفسها بين مطرقة الالتزام في المواجهة مع إسرائيل انتصارا لقضية فلسطين وسندان مشاكلها مع إيران وبالتأكيد ليس كل العرب يرون في إسرائيل خطرا حقيقيا كما يفعلون مع إيران بل ربما يروها حليفا ضروريا في معادلة إيران / العرب وربما استثمرت إيران وإسرائيل هذا الأمر لخدمة أهدافهما فإيران تركز في خطابها على ضرورة المواجهة مع إسرائيل كسبيل لإعادة الحقوق الفلسطينية فتحرج بذلك الموقف العربي الصامت أو الحذر وإسرائيل تضرب على وتر الخطر الإيراني وضرورة أن يتحالف العرب معها لمواجهته وبين هذين الخطابين يقف العرب عاجزين عن اتخاذ موقف حاسم الأمر الذي اضر كثيرا بالقضية الفلسطينية التي أصبحت نتيجة لذلك قضية مهملة ومحلا للمزايدات وبالرغم من أن القضية الفلسطينية هي بالأصل قضية معقدة إلا أن الحرب الباردة بين إيران إسرائيل ربما وضعتها في إطار أكثر تعقيدا وجعلتها منصة للتقابل ومحلا للتجاذب بين إطراف لايمثل الهدف الفلسطيني إلا احد أجندتها فالقضية الفلسطينية أصبحت ضحية الشعارات الأيدلوجية التي تهيمن على ثقافة المنطقة فالعرب وإيران قد يكونون مخلصين للهدف الفلسطيني العام إلا أنهم بالتأكيد لن يضعوا هذا الهدف كأولوية ولن يقدموه على مصالحهم الخاصة وسيبقى عملهم ضمن إطار القضية الفلسطينية فاترا ومنقوصا ولن يصلوا به إلى الفعل القادر على الحل لأنه لايلائمهم فهذه القضية العويصة ربما تحتاج إلى أن يخلي العرب والإيرانيون الساحة ويتركوها بعهدة أصحابها المباشرين فهم أدرى بمصالحهم والأقدر على توجيهها الوجهة الصحيحة وعلى إسرائيل وإيران أن يجدوا ساحة أخرى للتقابل ومن يدري فربما سيدركان أنهما ليسا في صراع فعلي وان صدامهما ليس له ما يبرره لكني اشك في أنهما سيفعلا ذلك لان المسالة اعقد من ذلك بكثير والعوامل التي تتحكم بها أوسع كثيرا والقيادة الإيرانية تدرك تماما أن إبقاء الصراع ضمن نطاق الشعار الفلسطيني ربما يعطي لهذا الصراع قيمة اكبر وقد ينالها بسببه بعض التعاطف الشعبي في منطقة مازالت متذبذبة بين الخطاب الديني والخطاب القومي الطائفي فيما تجهد إسرائيل نفسها لعزل صراعها مع إيران عن ذلك الشعار وإدخاله ضمن حلقة المصالح المتعارضة حتى تحرم إيران من احد أعمدة خطابها المعنوي وبالتأكيد فان استمرار الحرب الباردة بين القطبين الإقليميين منوط بعاملين مهمين أولها إدراكهما أن هذا النوع من الحرب يغنيها عن الحرب العسكرية المباشرة ووجود أوراق إقليمية يستفاد منها في هذا الشأن (وهذا ما يصح على إيران بشكل خاص ) ولذلك قد لا تنتهي الحرب الباردة قبل أن يتأكد احد الطرفين من أن هذا الأسلوب لم يعد كافيا لمواجهة الأخر أو انه لم يعد ضروريا مع تلاشي قيمة الأوراق الإقليمية و تقلص تأثيرها في مجرى الصراع والى أن يحصل مثل هذا الأمر فلربما سنشهد استمرارا لهذه الحرب واستمرارا لتخبط الأطراف العربية وازدياد حيرتها السياسية.

باسم محمد حبيب