صراع الغالب و المغلوب في عملية انتخابية وصفت بأنها الأكثر إثارة للجدل و التجاذبات الفئوية بين أجنحة النظام منذ ان جرت حادثة عزل أول رئيس جمهورية منتخب هو أبو الحسن بني صدر في عام1981 م من قبل الخميني lsquo;وذلك بعد ان أمضى بني صدر 17 شهرا في منصبه كأول رئيس جمهورية إيرانية.فمنذ تلك الحادثة يعد هذا الصراع الحاصل حالياً بأنه شيء ملفت للنظر وهام جدا عند البعض فيما يعده البعض الآخر أمر طبيعي ومتوقعا طالما ان هناك أجنحة في داخل النظام كل منها يرى انه الأقدر على تحقيق الأهداف التي رسمها قائد الثورة و مؤسس جمهوريتها quot; آية الله الخميني quot;lsquo; وانه الأقدر على المحافظة على النظام و حمايته من السقوط lsquo;لا سيما في هذه المرحلة الدقيقة التي تشهد فيها المنطقة والعالم موجة من التغيرات السياسية والاقتصادية العاصفة التي أطاحت لحد الآن بالكثير من الحكومات والأنظمة و مايزال هناك الكثير ممن يتوقع له السقوط أو التغيير.
منذ حادثة عزل و هروب الرئيس quot; أبو الحسن بني صدر quot; و التي أعقبتها حرب تصفيات دامية بين الخميني ومعارضيه وانتهت بهيمنة أنصار ما سمي بأتباع quot; ولاية الفقيه المطلقة quot; على مقاليد النظام والسلطة lsquo; فمنذ ذلك الحين أصبحت مسألة انتخابات رئيس الجمهورية مسألة شكلية أكثر منها انتخابات حقيقية. فعلى الرغم من تنافس بعض رموز النظام في هذه الانتخابات وخسارة بعضهم أمام منافسيهم الذين كانوا يعدون اقل منهم مكانة و شهرةlsquo; مثل ما حصل على سبيل المثال في انتخابات الدورة السابعة حيث خسر رئيس مجلس الشورى ( البرلمان ) الشيخ quot; علي اكبر ناطق نوريquot; أمام مدير المكتبة الوطنية quot; محمد خاتميquot; lsquo; وكذلك الحال أيضا في انتخابات الدورة التاسعة حيث خسر فيها الرئيس الأسبق للجمهورية و رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام وقتها الشيخ quot; علي اكبر هاشمي رفسنجاني quot; أمام رئيس بلدية طهران الرئيس الحالي احمدي نجادlsquo;فان رغم كل هذه المفارقات لم يشتكي أياً من الخاسرين طوال الدورات الانتخابية التسعة الماضية من تزوير الانتخاب و قد اقروا جميعا بنتائجها وسارت الأمور كما يشتهي النظام وقائده الأعلى quot; خامنئي quot; الذي يعد صاحب كلمة فصل الخطاب في هذا الأمر وغيره من الأمور السياسية الأخرى.
ولكن ماهو ملفت للنظر في هذه الدورة الانتخابية (العاشرة ) أنها قد تميزت عن سابقتها بعدة أمورlsquo; سواءا على صعيد البرامج التي طرحها المرشحون أو على صعيد الحملات الانتخابية و وسائلها التي تنوعت أكثر من سابقاتهاlsquo;أو على صعيد المشاركة الجماهيرية التي قيل أنها بلغت quot;نحو أربعين مليون شخص تقريبا lsquo; أي بنسبة تجاوزت 82% وهذا يعد رقما قياسياlsquo; ليس على الصعيد الإيراني وحسب بل وعلى الصعيد العالمي أيضا حيث مثل هذه النسبة تعد نادرة الحصول حتى في أحسن دول العالم ديمقراطية.ومهما اختلافنا حول صحة هذا الرقم من عدمه إلا ان المشاركة و باعتراف كل المراقبين كانت عالية وهذه ما شجع المعترضون على الطعن بالنتائج المعلنة رغم موقف المرشد الواضح والمعلن تجاه احمدي نجاد حيث كان السباق في تهنئة نجاد وهذا دليل كافي على تأييده له.
ولكن السؤال الذي قد يخطر في بال أي قارئ أو متابع للشأن الإيراني هو lsquo; لماذا أفرزت هذه الدورة الانتخابية كل هذا التجاذب بين أجنحة النظام طالما ان القيادة العليا للبلاد هي ذات القيادة التي جرت تحت عباءتها الدورات الانتخابية السابقةlsquo;بالإضافة الى ان الخطاب السياسي لهذه القيادة لم يشهد حدوث أي جديد يشير الى أمكانية حصول تغييرا في التوجهات السياسية للنظام lsquo; سواءا على الصعيد الداخلي أو الخارجي. إذا لماذا كل هذه الاتهامات المتبادلة والمصادمات الحاصلة الآن بين الجناح الذي قيل انه كسب الانتخابات والمدعوم من المرشد lsquo;وبين الجناح الذي قيل انه خسرها ولجأ الى الشارع ليتخذه غطاءا يواجه به الجناح الذي أعلن فوزه؟
والإجابة على هذا السؤال ربما تكون محرجة الى حداً ما بالنسبة للبعض و ربما لا تكون كذلك عند البعض الأخر ممن يعرف طبيعة النظام الإيراني والعقلية السياسية التي يدير بها البلاد منذ ثلاثين عاما lsquo; خصوصا وان المعترضون لم يبدوا اعتراضهم على أصل العملية الانتخابية التي شابها الكثير من الشوائبlsquo; وإنما أصل اعتراضهم جاء على نتيجتها وهذا بحد ذاته مأخذ عليهم كونهم ارتضوا إقصاء الآخرين عن هذه الانتخابات والقبول بخوضها رغم شوائبها الواضحة التي تنفي عنها أي وجه من وجوه الديمقراطية المزعومة التي خاض هؤلاء المعترضون العملية الانتخابية على أساسها.
وبالعودة الى قراءة ما سبق إجراء العملية الانتخابية من تصريحات ومواقف من قبل كل الطرفين lsquo;نجد ان الجناح الفائز كان قد أعلن و على لسان رئيس المكتب السياسي لقوات الحرس الثوري ان الجناح المنافس يعد لعملية انقلاب مخملي lsquo; وهذا اتهام لم يسبق ان وجه لأيا ً من أجنحة النظام من قبل lsquo; بينما ركز خطاب الخاسرون في تصريحاتهم على سياسة احمدي نجاد طوال السنوات الأربعة الماضية و وصفوها بأنها كانت مضرة لمصالح البلادlsquo; لاسيما السياسة الخارجية lsquo; و انتقدوا موقفه من محرقة quot; الهلكوست quot; اليهودية وتصريحاته تجاه الكيان الإسرائيلي على اعتبار ان هذه التصريحات كانت قد أعطت الذريعة للغرب وتحديا الولايات المتحدة الأمريكية لتشديد من موقفها تجاه إيران و دفعت بمجلس الأمن لإصدار الكثير من العقوبات ضدها.
وبينما كان الجناح الفائز يشدد في حملته الانتخابية على خطورة ما يسميها المؤامرات التي تستهدف النظام و وحدة البلاد و خطورة الدور الإسرائيلي المزعوم في هذه المؤامرات التي اتخذت ذريعة لتوجيه القمع لمخالفي النظام وتطبيق المزيد من سياسات سلب الحريات الصحفية و سياسات القمع الطائفي والعنصري ضد القوميات والأقليات الدينية والمذهبية lsquo; والتشديد على المضي قدما في بناء الترسانة العسكرية وعلى رأسها المشروع النووي و الذي كلف البلاد ضريبة باهظة انعكست على الأوضاع المعيشية والاجتماعية للإيرانيين عامة lsquo; فان الجناح الخاسر يرى ان هذه مجرد ذرائع يراد منها الاستمرار بالإمساك بمقاليد السلطة فالخطر الحقيقي الذي كان يتهدد إيران قد زال بزوال نظام حزب البعث في العراق ونظام حركة طالبا في أفغانستان وان مشاركة إيران في احتلال البلدين والإطاحة بنظاميهما من قبل أمريكا قد حازت رضى ألأخيرة وحلفاءها الذين أصبحوا ينظرون الى إيران على أنها شريك في العملية السياسية الجارية في العراق وأفغانستان.
أما بشأن ما يقال عن الخطر الإسرائيلي الذي يتهدد إيران فان هذا الكيان و بعد حرب عام 2006 التي شنها على حزب الله و حرب غزة أواخر عام 2008مlsquo; قد تغيرت مواقفه وسياساته من النظام الإيراني بشكل كبير lsquo; فهذه الحروب ما كانت لتشن على حزب الله وحماس لولا وجود ضوء أخضر من قبل النظام الإيراني lsquo; فهذا النظام كان راغبا في قيام الكيان الإسرائيلي بضرب حركتي حماس وحزب الله وذلك لإضعافهما وجعلهما يشعران باستمرار بحاجتهما لإيران. وهذا ما تم بالفعل حيث أصبحت حماس بعد حرب غزة أكثر التصاقا بالنظام الإيراني حد الذي دفع احد قادتها الى تأييد الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث. أما بالنسبة لحزب الله الذي لم يخفي يوما ما تبعيته لنظام ملالي طهرانlsquo;فقد قام بعملية اختراق كبيرة و سافرة للأمن القومي المصري بدوافع إيرانية.
وكان الجناح الذي أعلنت خسارته في هذه الانتخاباتlsquo; و المسمى بالإصلاحي lsquo;قد أعرب عن اعتقاده ان الفرصة الآن أصبحت مؤاتية أكثر من ذي قبل لاسيما بعد وصول الديمقراطيين بقيادة الرئيس quot; باراك اوباما quot;الى إدارة البيت البيض lsquo; حيث وكما هو معلوم ان الديمقراطيون يعدون حلفاء النظام الإيراني فهم من ساهم بإطاحة نظام الشاه ودعم الخميني على حساب باقي التيارات الإيرانية التي كانت معارضة للشاه آنذاك.ولهذا يعتقد هؤلاء الإصلاحيون الخاسرون انه لم يعد هناك مبررا لتبقى إيران على نهجها السياسي المتبع طالما ان الموقف الأمريكي والإسرائيلي قد تغيرlsquo; وان على النظام ان يخلع النقاب عن وجهه كما سبق وعملها في عام 1997م حين جاء بخاتمي لتلميع صورة إيران في أعين العالم.
ولكن إذا كان كل ما تقدم هو مجرد وجهات نظر الجناحين المتنافسين أو ما يعرف بكل من الجناح المتشدد الفائز والجناح الإصلاحي الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة lsquo; فما هي أذن وجهت نظر المراقبين و ماهي قراءاتهم للأحداث الدامية التي يشهدها الشارع الإيراني والتي انطلقت عقب هذه الانتخابات؟
لقد قدم المراقبون قراءات مختلفة لتلك الأحداثlsquo; بعضها كانت تحفل بالتفاؤل حيث ان عملية تزوير النتائج واضحة بشكل فاضح لاسيما وان هناك شرائح اجتماعية وسياسية ودينية واسعة تضم مختلف القوميات والطوائف lsquo;كانت قد قاطعت الانتخابات وبعضها الآخر كان قد صرح بتأييده لمير حسين موسوي. فيما كانا قراءة البعض الآخر من المراقبين حيادية الى حدا ما حيث اعتقدوا ان ما يجري ليس سوى سحابة صيف عابرة تنقشع ويعود الشمل لالتأم حفاظا على النظام الذي يعد القارب الذي يحمل الجميع.
أما القسم الآخر من المراقبين فيرون أنه لا يمكن لهذه الأحداث ان تمر دون ان تترك أثرا بالغا على مسيرة النظام الإيراني وتوجهاته السياسية على الصعيدين الداخلي و الخارجي lsquo; فما جرى كان اكبر مما توقعته جميع الأجنحة حيث ان غضب الشارع الإيراني الذي كان مدفونا ً في الصدور قد وجد الفرصة والوسيلة للظهور والتعبير عن ذاته وان ما يجري اكبر من توقعات المخططين وانه سوف يقلب ظهر المجن للذين يستترون بهذا الشارع لإحراج منافسيهم من الجناح الآخر lsquo;و بالمقابل أيضا فان الشارع الإيراني يستغل هذه الفرصة ليقول كلمته الأخيرة في هذا النظام الأجوف.
وبعد هذا يبقى للمراقب سؤال يوجهه الى المطبلين للنظام الإيراني والمنبهرين بالديمقراطية الإيرانية المزعومة وبالشعارات الثورية للرئيس احمدي نجاد وغيره من بيادق النظام الإيراني ليقول لهم lsquo; ترى ماذا وجدتم في هذه المسرحية الانتخابية ؟lsquo; وهل مازلتم مؤمنين بديمقراطية نظام ولاية الفقيه المطلقة؟.
صباح الموسوي
كاتب احوازي
- آخر تحديث :
التعليقات