مدفوعا بامرين لا ثالث لهما، يصعد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التوتر في العلاقات العراقية السورية الى درجة القطيعة التي ليست في صالحه ولا في صالح استقرار الاوضاع عراقيا، وهو والبلاد على اعتاب الانتخابات البرلمانية القادمة ذات التأثير المحوري والمصيري في تدشين ولادة دولة عراقية، ان لم تكن مساهمة في في استقرار المنطقة،،فانها ستكون توطئة لتكف هذه الدولة عن بث حمم براكينها السياسية الداخلية على كافة ارجاء الشرق الاوسط التي تضيق افاقه حتى لم يعد كبيرا بحجم تصور رايس وادارة البيت الابيض الجمهورية الراحلة، بالرغم من ان الوضع الداخلي العراقي ومستوى الامن والخدمات سيبقى في كل الاحوال في عهدة علام الغيوب، مهما كانت نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة وايا ما سيكون عليه شكل الحكومة والنظام السياسي بعدها.


كانت اثار الاستغراب والدهشة بادية على وجه رئيس الوزراء نوري المالكي بما لم تكن قد بدت عليه من قبل، وهو يستمع الى النفي البارد من رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري، عن ادنى معرفة له بشخص يدعى محمد يونس الاحمد،،وما اذا كان مثل هذا الاسم مقيما على الاراضي السورية من عدمه، وذلك في المؤتمر الصحفي المشترك مع المالكي اثناء زيارته الاخيرة الى سوريا،،والتي سبقت الاربعاء الاسود بيوم واحد فقط، السؤال الذي تم الاعداد لطرحه في المؤتمر الصحفي كورقة احراج للحكومة السورية في حال لم تتوصل مباحثات الكواليس بشأن الاحمد ورفاقه مع السوريين عن شئ.


في دولة رئاسية النظام وبوليسة مخابراتية بامتياز كسورية،يجمع الرئيس الاسد بكل مقاليد الامور الى جانب الحرس القديم، قد لايكون لرئيس الحكومة (الصوري ) السيد عطري اطلاع بكافة الملفات، سيما ذات الطبيعية المخابراتية البحتة، وما اكثرها عند السوريين، اما انه لا يعرف او لم يسمع بيونس الاحمد فتلك لعمري فرية ونكتة لايمكن للعقل العراقي المباشر الحاد ان يتحملها حتى ولو كان عقلا قد اترعته لعقود (الباطنية )الاسلاموية عموما والتقية كوجاء سياسي وعقيدة في صلب المذهب، مثل عقل السيد المالكي.
ويبدو ان السيد المالكي على طوال فترة اقامته في سورية، رغم انها كانت هامشية ولم تتسلل الى عمق المشهد السياسي السوري، فأنه وكما يبدو، لم ينتبه قط الى القابلية السورية،على (قتل القتيل والمشي في جنازته ) وربما اللطم ونتف الشعور وشق الجيوب ايضا.


من هنا قد يكون المدخل الاول لتحديد اسباب للانفجار( المالكي) بوجه سورية مبنيا على الموقف الاقرب الى الاستخفاف، بامن واستخبارات العراق حكومة واحزابا بنفي معرفة رئيس الحكومة السورية لاسم شخص سيدوي اسمه بعد يوم واحد من المؤتمر الصحفي المشترك بين السيدين عطري والمالكي،مقترنا بالاعتداءات الاكثر تنظيما وقسوة والتي ضربت وزارتي المالية والخارجية السياديتين في مقتل، وادمت قلب بغداد المتعب باكثر من الف اصابة بين شهيد وجريح وهو محمد يونس الاحمد الذي تصر ما تعتبر نفسها الوريث الشرعي لحزب البعث، قيادة جناح عزة ابراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي السابق صدام حسين، على اعتباره منشقا عن الحزب ومتهاونا ومهادنا حد الخيانة، بابتعاده عن خيار المقاومة المسلحة حتى اخراج اخر جنود الاحتلال وعملائه من ارض العراق، جملة واحدة!!!.


كادت العلاقات العراقية السورية في زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ان تصل الى مرحلة تطبيع ومكاشفة حقيقية،، خاصة ان هذه الزيارة سبقتها ترتيبات اميريكة متقدمة فيما يخص الملف العراقي بنسخته الامنية تحديدا، بعيد الانفتاح الذي ابدته الادارة الاميريكة الجديدة على سورية الاسد، وما سبقه من حراك عربي وتركي لاكثر من عامين لاعادة انتاج سورية كعضو فعال في رسم سياسيات السلام في الشرق الوسط ووضع تصورات لاستقراره وانهاء الصراع السوري الاسرائيلي، وهو الدور الذي لاتبدو سورية ضانة به، بعد فك ارتباطها عن ايران لقاء حزمة من الحوافز الاقتصادية والسياسية والاعتبارية،، وبالطبع فان المستفيد الاكبر من التحول في الموقف السوري هو الخاسر الاكبر من الموقف السوري الحالي، المنحسر لبنانيا، والجامد باتجاهي تركيا واسرائيل،وهو العراق هو من عليه طبقا لذلك ان يقدم سلة الحوافز الاكبر، ثمنا لاخلاء ساحته من الدور السوري الذي يراهن على حل كافة اشكالاته العالمية والشرق اوسطية،عبر البوابة العراقية.


الحجم المعلن عنه لسلة الحوافز الاقتصادية وطبقا للاشتراطات السورية كبيرة بل واكثر من ذلك وهي فعلا بحجم تأسيس مجلس اعلى للتعاون الستراتيجي بين البلدين،يسحب سوريا الى منظومة تكامل عربية - شرق اوسطية، تأمل الولايات المتحدة من خلالها زج العراق وسورية فيها معا، بعد تحقيق اصلاحات جزئية في العملية السياسية العراقية عبر الانتخابات البرلمانية القادمة،تمنح العراق دورا استراتيجيا في المنطقة من خلال الرساميل العربية والاميريكية والعالمية المتربصة بالسوق العراقي النائم والمتهالك لعقود طويلة، الى جانب استثمار موارده البشرية والمالية الهائلة، وهي جزرة تكفي ان يسيل لها اللعاب السوري، الذي تجاوز نظامه السياسي مرحلة الاستشعار بالخطر الذي فرضته عليه ادارة الرئيس الاميريكي جورج بوش،بما يعوض عليه الخسائر التي لحقت به بسبب القطع التعسفي للعلاقات التجارية السورية العراقية التي تصاعدت في السنتين الاخيرتين من عمر النظام العراقي السابق، بعد قطيعة وعداء ايدولوجي لسنوات حاسمة في عمر العلاقة بين البلدين، والتي ابتدأت بتعطيل وقطع انابيب النفط العراقي عبر سورية منذ اليوم الاول لغزو العراق سنة 2003، الامر الذي اعاد السوريين الى الاتكاء بالكامل على الاقتصاد الايراني طيلة السنوات التي تلت الغزو الاميريكي للعراق، بنفس الدورة التي اتكأو عليه فيها بعد التوتر بين البلدين (العراق وسورية ) منذ بدايات سبعينات القرن الماضي، وطيلة الحرب العراقية الايرانية (1980 ndash; 1988 )، - مع الاخذ بنظر الاعتبار ان ادارة الرئيس بوش سعت في زج سورية وايران في محور(شر واحد ) كجزء من ستراتيجة المحافظين الجدد لتحديد خارطة الاستهداف القادم بعد الفراغ من عراق صدام حسين - وظل هذا الاعتماد السوري على ريع الاقتصاد النفطي الايراني، حتى ترنح الاقتصاد الايراني ذاتيا بسبب الازمة العالمية وانهيار سعر النفط،، وتصاعد وتيرة فرض العقوبات الدولية باتجاه ايران قبل ذلك، الامر الذي يجعل الفرصة مواتية اكثر من اي وقت مضى لتطبيع حقيقي وكامل للعلاقات العراقية السورية ووضعها في اطار ستراتيجي قد يربط البلدين بمنظومة تكامل اقتصادي تجعل من مصلحة كلا البلدين التفكير جديا في ضمان امن وسلامة كل منهما للاخر على المدى المتوسط، وضمان عدم تدفق المال والسلاح والرجال الى عناصر العنف والتمرد وبشكل فوري وعاجل،، والحديث هنا بالتأكيد ليس عن مؤسسة محمد يونس الاحمد ( الثقافية ) التي لم يعثر مراقب لها قبل الاربعاء الاسود عن اي نشاط عسكري مهما كان حجمه على الساحة العراقية، وانما الحديث عن موارد بشرية ومالية فعالة في اذكاء نار التمرد والعنف في العراق واقامة ولائم اعراس الدم،، سواء أأكانت للقاعدة الام بتنظيمها العالمي،،او القاعدة الايرانية على ( ذمة مدير جهاز المخابرات المستقيل) محمد عبد الله الشهواني، واللتين يتخذ كليهما من الاراضي السورية معبرا لتسلل مقاتلي القاعدتين من الجنسيات العربية الى العراق،يدعم ذلك الغباء الفطري المزمن عند المنضوين تحت هذا الفكر والذي يجعل منهم (حمقى مغفلين ) تحت سيطرة جهاز استخبارات ما، دون وعي منهم.


لكن اذا كانت هذه الحوافز الاقتصادية تكفي لكبح جماح الاندفاع السوري ( المسنود ايرانيا ) في اللعب بالورقة العراقية على المدى القريب، فـأنها ليست كافية للسوريين في كبح جماح اندفاعهم الذاتي في ضوء متغيرات الموقف الاميريكي والعربي تجاههم، للتأثير في المشهد السياسي العراقي من الداخل بصيغة مرضي عليها اميريكيا وعربيا، وهي كافية لتحقيق الطموح السوري في الاحتفاظ بدور مؤثر في الساحة الشرق اوسطية عبر بوابة العراق، وما سيكون له من دور محوري في اعادة رسم الساحة الشرق اوسطية بكل الاطر الستراتيجية التي لا يرغب السوريون ان يكونوا بعيدين عنها، سيما وان كل اصدقائهم من المعارضة السابقة قد تخلوا عنهم اما بركوب المركب الاميريكي الذي كان متنافرا مع سورية حتى حين قريب، او قدموا العصمة الايرانية المطلقة على العرفان باقل درجاته لهم.


هذا التحول في الموقف السوري هو ما ادركه السيد المالكي بشكل واضح وصريح،، وهو ما دعاه قبل غيره الى صب جام غضبه على سورية بعد احداث الاربعاء الاسود دون تأن ودون تحميا غرمائه في الحكومة والعملية السياسية جزء من تبعات هذا الموقف بدعوة ولو شكلية لاجتماع اعضاء المجلس السياسي للامن الوطني، ونحن نعرف ان الساسة العراقين كل يغني على ليلاه، ورغم انه شخصيا يتحمل من مسؤلية تلك الاحداث الدامية اكثر مما يتحمل اي طرف عراقي او غير عراقي، عبر سلسلة القرارات المتعجلة والارتجالية التي اتخذها دولته، ايذانا ببدء حملته الانتخابية باعلان الانتصارات الجوفاء (بحسب وزير خارجيته هوشيار زيباري ) كرفع الكتل الكونكريتية بدون دراسة حقيقة لحجم وحساسية الاماكن التي رفعت عنها هذه الحواجز، واستأصال الصحوات وعناصرها، لتخوفه من ان يجد السنة لهم موطئ قدم في المؤسسة الامنية يسهل لهم الانقلاب على (الديمقراطية ) او يمهد لعودة حزب البعث الى السلطة ( وبالطبع فأن عدد افراد الصحوات لايتجاوز الـ 95 الف عنصر فقط، وحجم المؤسسة الامنية اكثر من مليون عنصر، وهي حكايات اقرب الى حكايات ndash; السعلوة ndash; يروجها المحيطون به) والاهم من كل هذذ وذاك عزل مؤسسات امن الدولة يشكل كامل،، ووضعها بامرة قيادة قوات بغداد التي يترأسها ثعلب الصحراء الجنرال رومل كنبر.


السوريون على حجم تأثيرهم في الملف العراقي سلبا في الفترة المنصرمة، وتخريبهم العراق على رؤس اهله طيلة السنوات الماضية، يعرفون جيدا ان كل دول الجوار العراقي ndash; باستثنائهم - تمتلك اصدقاء نافذين من احزاب السلطة ومجموعات بشرية وسياسية قادرة ان تحجز مقاعد متقدمة لها في السباق المستعر الى السلطة في العراق، بالرغم من ايوء سورية لكل اشكال واطياف المعارضة السابقة ومنهم رئيسي الجمهورية والوزراء الحاليين وحفنة من الوزراء، ولعقود طويلة، لذا فمن غير المستبعد ان سورية الاسد التي استشعرت الاجحاف والجحود من صدقائها العراقين، اكثر من غيرها، وممن قدمت من الدعم والمساعدة ما لايقل كثيرا عن الدعم والاسناد الذي تلقوه من ايران، او الولايات المتحدة وبعضهم لم يكن يدر بخلده ان يقترب من الولايات المتحدة حد الانغماس بمشروعها الذي كان حتى حين يضع سورية نفسها في خانة المستهدفين المحتملين عسكريا واقتصاديا، في حين لم تتلق منهم من العرفان ما تلقت (المعصومة ) ايران باية نسبة تذكر وعلى كافة الصعد التجارية والسياسية، او الولايات المتحدة الاميريكية في انحراف تكتيكي حاد لدى الكثير منهم في درجة الولاء والتماهي على الاقل في المشروع الاميريكي الجمهوري دون مناقشة تفاصيله،حتى ما يتعلق منها بالجانب السوري، و في حين تبدو سورية الان قد تحررت الى مدى بعيد من ضغط الادارة الاميريكية ولا توجد اية مبادرة جادة للاطراف العراقية للاقتراب منها ولو بنصف المسافة التي يلتصق اصدقائها القدماء بطهران التي لاتزال متنافرة مع القطب الاميريكي، لذا فمن غير المستبعد ان يتطلع السوريون عبر جولات من المباحثات الاميريكة المعلنة والسرية وعبر حراك عربي في اكثر من اتجاه الى السعي لكي يكون لهم حليف في الدولة العراقية المشاع، حال سورية حال كل دول المعمورة،، وفي هذه الحالة فأنها لن تجد افضل من الشقيق الايدولوجي المعدل وراثيا عربيا واميريكا وسوريا بالطبع، حزب البعث العربي الاشتراكي جناح محمد يونس الاحمد، الجناح الاكثر انفتاحا وتصالحا معها على النقيض من جناح عزت الدوري الوريث الشرعي للبعث المتضاد مع سورية على مدى اكثر من عقدين من وجوده في السلطة، والتي الجأته اليها ظروف خسارته السلطة بالغزو الاميريكي، وحملها على تقبله تكتيكيا، سعيها لاستحكام الكثير من حلقات التأثير العنفي في العراق،، لاشغال ادراة الرئيس بوش عن الالتفات اليها كما كان مرسوما ان يسير مخطط المحافظين الجدد في ادارة بوش الجمهورية،، وهو ما نجح فيه السوريون بامتياز حتى تبدل الموقف والادارة معا داخل واشنطن بـ (الانقلاب الديمقراطي ) في الانتخابات الاميريكة الاخيرة.


وقد تكون سورية ذات التأثير العميق في عدد من قبائل العراق الغربية السنية،، ونوعا ما في مجتمع الجنوب الشيعي قد استشعرت رغبة الادارة الاميريكة الديمقراطية في رفع كل الخطوط الحمراء عن المجموعات السياسية والاجتماعية العراقية الراغبة في الانخراط بالعملية السياسية، مع رغبة عربية - اميريكة في في تقديم منافس علماني حقيقي وعامل توازن، ظاهر او (غاطس) للاحزاب لاسلامية، بعد الفشل الذريع للعلماني الشيعي (اياد علاوي ) وانفراط عقد انصاره ومؤيديه على حجم ما تلقى من دعم واسناد،، وكذلك الكبوات والعثرات الت افقدت العلماني السني (صالح المطلك ) جانب المبادرة مبكرا،، حتى غلبه في احايين كثير صوت المقعد الوحد (مثال الالوسي ) رغم ان الاول كان بأحد عشرة مقعدا في برلمان انتخابات 2005.


وهكذا وبدل ان يجد المالكي في زيارته الى سورية، الاحمد على قائمة المطلوبين عراقيا او على الاقل الموضعين تحت الاقامة الجبرية سوريا،، سيما وان هناك مؤشرات صدرت عن الاميريكين انفسهم، قبيل الزيارة انهم تباحثوا بشأن ضمان عدم تدفق المسلحين من سوريا الى العراق، واشارت مصادر مطلعة الى امكانية تسليم مطلوبين، الامر الذي دفعني الى السؤال (شخصيا ) ان كان سيحجر على الاحمد ام يتم تسليمه ومن مصدر صحفي واسع الاطلاع، الامر الذي لم يستبعده محدثي،، في حين استبعدته بشرح اطول مما مكتوب في هذا المقال،وانما على العكس وجد المالكي ان عليه تقديم جملة من الحوافز الاخرى للسوريين، وربما من خلفهم الاميريكين هذه المرة بضمان افساح المجال لكل القوى الساسية العراقية الراغبة بالمشاركة في العملية السياسية، وهو ما تراه ادارة اوباما الحل السحري لكل المشاكل العراقية السابقة والحالية والمؤجلة،، ولم يكن المالكي قد جف حبر اتفاقه مع المجموعة الشيعيىة الاكثر عنفا والاخيرة في اعلان القبول بالعملية السياسية والانخراط بها بعد تنفيذ الاتفاقية العراقية الاميريكية وهي بالطبع (عصائب اهل الحق ) وبالتالي السماح لها عراقيا (واميريكا ) في التحول الى مجموعة سياسية مشاركة في العملية السياسية والانتخابات،، وليس اقل حافزا هذه المرة من التعهد لافساح باب المجال لحزب البعث العربي الاشتراكي (جناح محمد يونس الاحمد) لكي يلج باب العملية السياسية، بالرغم من ان مصادر الاحمد نفسه تؤكد عدم رغبته وجناحه المشاركة في هذه الانتخابات بقدر رغبتهم للتأثير فيها،، بدفع انصاره للتصويت لمرشحين او قوائم يرونها الاكثر اقترابا (لمشروعهم الوطني ) حتى دون اتفاق مسبق مع هذه القوائم وهولاء المرشحين، مما يفسح لهم المجال لاحقا على اجراء التغيرات الدستورية التي تسمح بولوج ابواب العملية السياسية في مراحل لاحقة.


الموقف الذي يبدو انه استثار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الخارج من بغداد الى سوريا قاطعا على نفسه وانصاره المخلصين داخل حزب الدعوة (جناحه ) الدخول الى الى الائتلاف الشيعي الذي سعى زعيم المجلي الاسلامي الاعلى الراحل عبد العزيز الحكيم الى اعادة تشكيله، مع اغلب القوى الرديكالية الشيعة، وتطعيمه ببعض العناصر السنية الهامشية، وبدفع ايراني واضح للابقاء على كتلة شيعية كبيرة قادرة بالرغم من كافة متناقضاتها ورغبة اكثر من طرف من اطرافها للتنافس على منصب الكرسي الاول في الدولة العراقية، ليكون هذا الكرسي من استحقاق هذه الكتلة عبر ما يمكن ان تحققه من اغلبية برلمانية تسعى اطراف هذا الائتلاف لتحقيقها، وتؤجل من الناحية العملية التنافس بين اطرافها على الاستحقاق الرئاسي الى ما بعد نتائج الانتخابات.


المالكي الذي لم يحصل على مايبدو على تنازل من غرمائه الرئيسين سلفا عن الكرسي الاول، والراغب في نفس الوقت من تدشين أئتلاف وطني حقيقي يجعل منه رقما وطنيا على الساحة العراقية بكل تنوعاتها الاثنية والمذهبية، و يجعله الاقرب الى التصور الاميريكي القائم على تفتيت المعادلة الطائفية في العراق، والاقرب في نفس الوقت الى حراك محور الاعتدال العربي المعزز تركيا، في التأثير داخليا في المشهد الساسي العراقي في الانتخابات العراقية القادمة، بما لايترك المجال مفتوحا للدور الايراني لكي يعود بقوته التي كان عليها في انتخابات 2005 ليرسم الساحة السياسية العراقية بطريقة التأثير المباشر لتكتيل القوى الشيعية بما يدفع الى تكتل سني مشابه لتكتل قوى التوافق كمضاد فطري،يعود بالعملية والسياسية الى المربع الاول مالم يدخلها في حلقة مفرغة ملتفة ازليا على منطلقات البداية التي قادت الى ما الت اليه من صراع عنفي داخلي مدمر ودوائر قلق غير منهية اصابت المنطقة والعالم اجمع بداور شديد طوال السنوات الست الماضية، مع ما يقتضي عليه من تقديم تطمينات لايران بالطبع.


وبرأي هنا يكمن السبب الثاني في التصعيد العراقي الذي تبناه السيد المالكي على سوريا التي لا ابرء ساحتها من اغلب العمليات الارهابية التي اكتنفت المشهد العراقي طوال السنوات الماضية، الا عملية الاربعاء الاسود، التي اذهب مرجحا باصرار ان سوريا وجناح بعث الاحمد هما الاكثر ابتعادا عنها بكل المؤشرات الواقعية التي تقود باصابع الاتهام الى الحليف السوري القديم (ايران ) الذي لايرغب لسورية ان تكون لها بصمتها الخاصة في العراقي بعيدا عن الدور المرسوم ايرانيا، وبمساعدة من اطراف رئيسة في العملية السياسية من مصلحتها قطع دابر العلاقات العراقية السورية بعيدا عن المجال الحيوي الايراني،ايا كانت جهة التنفيذ المباشر، فلم يكن من المالكي الا السقوط في هذا الفخ المحكم، الذي لو لم يستغله باتجاه التصعيد ضد سورية، لكان فتح المجال واسعا امام استثارة الشارع الشيعي ضده ووصمه بانه عراب عودة البعثيين الى السلطة عبر البوابة السورية الاميريكة، وهو امر لايقبله المالكي في قرارة نفسه حتى لو تجاوز ايمانه بالديمقراطية ايمان توماس جيفرسون بها.


لكن كل ذلك لايبرر للدولة العراقية ورئيسها المنتخب التصرف بطريقة رد الفعل المرتجل بالطريقة التي تصرف بها رئيس الوزراء العراقي حدا وصل به الامر الى التهديد بعمليات مماثلة بقوله ( ليس صعبا علينا القيام بما قامو به من اعمال تفجير، وبامكاننا ان نعمل هذا ولدينا الخبرة والقدرة والقابلية، ونعرف كيف ومن اين ) ولا ينفعه ان يستدرك ان تمنعه القيم والحرص والرغبة، متناسيا انه رئيس الوزراء المنتخب الاول في العراق الحديث،، ورئيس الوزراء المنتخب الوحيد عربيا، وان على مسؤليته حتى اخر ساعة لبقائه في كرسيه ان يراعي معايير الدولة المدنية الديمقراطية التي لايجوز لمسؤليها الانسياق وراء استرضاء الدهماء بخاطبات الفتوحات هذه، وانما التأني قولا وفعلا وسلك كل الوسائل الديبلوماسية لعدم تكرار اخطاء الرئيس العراقي السابق التي قادت العراق الى ما قادت اليه من كوارث.


وبالطبع فلم ينقصني ان اتصور وانا استمع لخطاب دولة الرئيس المجتزء منه تصريحه اعلاه، هل لو كان بيد دولة الرئيس القوة التي كانت بيد سلفه الرئيس العراقي السابق صدام حسين بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية، ان تفاجأنا وسائل الاعلام باخبار الغزو العراقي لسورية على غرار الغزو العراقي للكويت عام 1990؟.

[email protected]