لقد ارتضت أغلب القوى العراقية ان يكون العراق المستقبلي عراقا فدراليا، وتمت الموافقة على الدستور العراقي الذي يقر هذا المبداء باستفتاء شعبي، والفدرالية هي نظام من نظم الحكم، تتوزع السلطات في غالبيتها على الولايات الفدرالية وتحدد سلطات المركز بمسائل محددة، ومنها الدفاع والعملة والعلاقات الخارجية، وتختلف مدى سعة صلاحيات الفدراليات بحسب الدول، فدولة مثل المانيا او فرنسا ذات الاغلبية الساحقة من الالمان او الفرنسيين في حالة فرنسا صلاحيات الولايات قد لا تكون كبيرة جدا، اما في الدول ذات التعدد القومي فان الولايات الفدرالية تكون بصلاحيات اكبر وبالاخص عندما تكون الولاية الفدرالية تتتكون من مكون قومي غالب. والفدرالية وجدت لضمان مشاركة واسعة في القرار والقدرة على ادراة الذات، وهي حل لمشكل البلدان التي تعاني من تهميش مكونات او مناطق من التمتع بخيرات البلد. والفدرالية بهذا الوصف هي عامل ترسيخ قوة الدولة ليس على اساس القهر والتسلط، بل على اساس حرية الخيار والاعتراف الكامل بحق تقيرير المصير المبداء المعترف به عالميا. وعندما يتغنى البعض اليوم بعراق ما قبل التغيير، فهم بالحقيقة يعبرون عن رفضهم لواقعهم المأساوي الحالي، وليس تمنى عودة الماضي، فالماضي كان مليئا بالحروب والاضطهادات والتجاوزات بمختلف اشكالها، واذا كان القتل في الماضي يحدث بشكل سري اويلبس لبوس الدفاع عن الوطن، وكان اي اعتراض عليه يؤدي بصاحبه الى التهلكة، فالامر حاليا ليس كذلك.


ان النظام الفدرالي هو نظام حديث على ذهنية الفرد العراقي الذي تربى على مفهوم الدولة المركزية لا بل الشديدة في مركزيتها، حيث ان المحافظات ما كانت تمتلك الا نزر يسير من الصلاحيات. اليوم ومع بدء نشؤ النظام الفدرالي فلا بد من ان تحدث مشاكل سياسية، ومطالبات متناقضة والتنافض في الغالب يعود الى ان بعض الاطراف لا يطالب بل يحاول الغاء ما يطالب الاخر به، ولذا فتراه يطالب بما يجعل من مطلب الاخر وكأنه لم يكن، وهذا عائد الى حالة الاحتقان القومي الذي عاشه العراق منذ تاسيسه في عام 1921 ولحد الان.


ان توصيف الامور قد يكون امر سهلا، ولكن من الصعب ضمن الظروف الحالية اعطاء حلول محددة تتفق كل الاطراف عليها، او حتى وضع اليه محددة تعتبرها الاطراف المختلفة الية سليمة او صالحة، لانها تتشكك بالنتيجة منذ البدء او تريد الية تحقق ما تريده، وليس الية تخرج بحل ينصف الجميع، والاهم السكان في المناطق المتنازع عليها.


ضمن هذا الاطار المتوتر، خرج قائد الجيش الامريكي يمقترحات لحلحلة الاحتقان ووضع الامور في اطارا معين يجعل الاطراف المتنازعة تنمي ثقة في ما بينها، تؤدي الى الخروج بحلول لا تعتبر غبنا لاي احد، بل انتصارا للعراق كله. ان مقترحا الجنرال راي اوديرنوا فسرت عند البعض انه تنبيه من وقع حرب محتملة او قريبة بين المكون العروبي والمكون الكوردي من الشعب العراقي، وبالطبع اصطفاف الاخرين بحسب المصالح القومية لكل طرف. والملاحظ ان رفع نغمة الحرب تنشرها اطراف تميل الى العودة بالعراق الى ما كان عليه في النظام السابق.
نعتقد ان الكورد او القيادة الكوردية ناضجة بما فيه الكفاية لكي تتفادى الحرب، والقيادات الشيعية تدرك ان اي توجه نحو تسخين الصراع لكي يتحول الى حرب يعني انهم سيعودون القهقري الى نظام مستبد سيخسرون في ظله كل امل في قيادة العراق او المشاركة في قيادته. وعليه فاننا نؤمن بان الحر ب بمعناه الجبهوي بين طرفين محددين هو امر في غاية الخطورة، ليس هذا فقط على العراق كله، بل ان الخاسرين الكبيرين سيكونان الكورد والشيعة العرب، وبالطبع كل القوى الضعيفة الاخرى.


اذا طرح الخلافات بشكل علني وطرح السقوف العليا للمطالب امر وارد في السياسية، ولكن الحوار والاستمرار فيه هو الذي سيجعل من الممكن التوصل الى حلول وسطى ترضى عنها كل الاطراف. المعادلة يجب ان تكون تقريب المفاهيم واعادة صياغة الطروحات. فالمطروح حاليا بشأن المناطق التنازع عليها والتي يعنينا منها حاليا هو مطالب اقليم كوردستان. هو تصوير هذه المطالب وكانه انتزاع ارضا من العراق واضافتها الى اقليم كورستان، ولكن الحقيقة هي توسع رقعة الاقليم لظم الجيوب الكوردية او القريبة منهم للاقليم،وهي ستبقى ارض عراقية في كل الاحوال، ان مطالب الاقليم تعتبر محقة لو نظرنا للمسألة من ناحية الغبن اللاحق بالمجموعات السكانية القاطنة فيها ومنذ امد طويل، كما ان هذه المسألة لم تثر حاليا بل هي مثارة منذ عام 1970 ولعل اهم اسباب فشل بيان الحادي عشر من اذار كان قيام الحكومة المركزية باستقطاع هذه المنطاق من منطقة الحكم الذاتي. ان الحاق هذه الاراض باقليم كوردستان يجب ان لا يعني جرد حق اي مواطن في التنقل والعيش في اي بقعة اراد وبضمنها امتلاك الاراض والمنشات المختلفة، اي ان ارض العراق ستكون مفتوحة لكل العراقيين، في مجال السكن والعمل والتملك، والتمتع بالتعليم بلغة الام، باستثناء طرح محظورات معينة لاسباب امنية حاليا فقط.


ان الحنين الى المركزية وخصزصا من ضمن اطراف شيعية امر محير حقا، وهم من عانوا من هذه المركزية اكثر من غيرهم. ان تفسير ذلك ياتي من محاولة سلق الحلول لما يواجهه العراق اليوم، فنحن ندرك جميعا مدى الالم الذي ينتابنا ونحن نشاهد الاعمال البربرية الشبه اليومية المقترفة في العراق، ولكن الخبرة تقول ان سلق الحلول لن يساعد الا في خلق المزيد من المشاكل وليس حل التي نواجهها. ومن هنا فغريبا كان موقف رئيس الوزراء العراقي الاستاذ نوري المالكي الداعي الى تغيير الدستور لمزيد من الصلاحيات للمركز، فباعتقادي ان الحل لن يكون بالمزيد من المركزية بل بالمزيد من الحوار والذي يجب ان يكون واضحا انه السبيل الوحيد للحل، والمزيد من الثقة المتبادلة، والمزيد من المشاريع الاقتصادي والانمائية وعدم ربطها بالحلول النهائية للخلافات السياسية. ومن هنا فان اقتراح الجنرال اوديرنو كانت في محلها لانها رمت الى بناء الثقة بين الاطراف المختلفة وبوجود امريكي.


ان انجرار اطراف رئيسية من القياداة الشيعية وراء الشعارات التي ترفعها بعض الاطراف العروبية الهوى، لادامة التواصل مع الدول العربية، لن يكون الا على حساب مصلحة العراق واستقراره. فهذه الاطراف لم تقدم للعراق ومنذ استيلاءها على السلطة وبشكل مكشوف، اي منذ عام 1963 الا الشعارات والازمات الداخلية والخارجية. انها تعتبر ارض العراق ارض عربية، وهو مفهوم يجب تجاوزه، الى اعتبار ارض العراق ارض عراقية، ويحق للعراق شعبنا ودولة ان يحددوا اسلوب الحكم وطريقة بناء هيكلية الدولة بغض النظر عن اي اعتبارات اقليمية او ايديولوجية. ان ما يجب ان يحدد ذلك هو مصلحة العراقيين جميعا، وعندما نقول مصلحة العراقيين، نعني النتائج الفعلية المتوقعة وليس الجري وراء سراب الشعارات.


ان اجبار العراق على السير في سبيل معين والا فان الاعمال الارهابية مستمرة، هو سيف ذو حدين، واذا كان حده يذبح العراقيين فان حده الاخر سينقلب الى رقاب مساندي وداعمي وميسري اقتراف الاعمال الارهابية. واذا كانت اي جهة او طرف اقليمي يتطلع ليكون شريكا للعراق، سياسيا واقتصاديا فان عليه ان يدرك ان الطريق الى ذلك لن يكون بسلوك طريق ارسال المفخخات.

[email protected]