عبد الجبار العتابي من بغداد: منذ ان بدأت الثورات العربية او ما يسمى بالربيع العربي لم نسمع شعرا كثيرا يلفت الانتباه اليه او يطرب الوجدان، لم يكن هنالك ما يلهب الحماس ويدعو الى النظر بعينين متأملتين شاسعتين الى حقيقة ما يحدث على الارض، اي لم يكن الشعر علامة فارقة وسط هذه التحولات الكبيرة التي هزت المجتمعات العربية، لم يكن له اي حضور فاعل في التفاصيل وفي المتن، لا سيما اننا نعرف اهميته في تحريك المشاعر وتأجيج العواطف، فالشِّعر هو.. ديوانُ العرَب، كما نعرف، ويشير الكثيرون الى القول الواضح عنه (ويُمكنُ القولُ بأنه سجلُّهم النفيسُ الذي حفِظَ تراثهم وتاريخَهم وآدابَهم وأخلاقَهم، وإنه مُتحَفُهم الناطقُ الذي دوَّنوا فيه أخبارَ أبطالهم ووقائعَ بطولاتهم وما تفرَّدت به قرائحُ حكَمائهم وفُضَلائهم من حِكَمٍ بليغة وأمثالٍ بديعة)، وعيابه الان يجعلنا نتساءل: هل فعلا لم يعد للشعر تأثير؟، هل فعلا اصبح الشعر هامشيا في حياة الشعوب العربية، واذ لا بد من الاجابة سألنا شعراء عراقيين من اجيال مختلفة، فكانت لهم اراؤهم.
يقول الشاعر الدكتور محمد حسين آل ياسين: الثورات وغير الثورات العربية، او الربيع العربي وسواه، لا يستطيع تحريك ما ران عليه الكسل والخمول منذ سنين، ان كنت تريد ان اتحدث عن الشعر العراقي، فالشعر العراقي بعد التغيير عام 2003 ابتلي بآفات كثيرة منها الافة الامنية التي جعلت كثيرا من الشعراء يغادرون العراق وكثيرا من الشعراء يصمتون او يبتعدون ومن يكتب وينشر لا يكتب وينشر ما يعتقده بحريته الكاملة، فما يزال يخشى الاخر الذي يجلس جنبه او يستمع اليه، ولكن اجد ان الساحة الثقافية والشعرية بدأت تتعافى، وأريد لهذه التعافي ان يستمر وان يتطور لنستعيد الراية التي كانت بأيدينا على مدى العصور، فأن يتصدى الشعر للربيع العربي او الثورات العربية مثل عدم تصديه لاي شيء اخر، الان الشعر العراقي لم يتصد حتى لاحداثنا العراقية وهي أولى واقرب الى حياتنا، هل وجدت شاعرا يبرد قلبك في ما قال عما يحدث في العراق من مآسي وفقدانات كثيرة.
واضاف: انا استمعت الى قصائد مصرية اثناء الربيع العربي من الشباب وبعضها كان من الشعر العامي ايضا، ليست جميعها من الفصيح ولكن يجب علينا كما تعودنا ان ننتظر مدة للاختمار، فهذا الشعر لا يستطيع ان يقول آنا ما نعده ابداعا عاليا، قد يقول شيئا ولكن ليس الذي نريده بعد التأمل والاختمار.
اما الشاعر جابر الجابري، الوكيل الاقدم لوزير الثقافة، فقال: الجواهري العراقي لم يستيقظ بعد، الجواهري النائم في اعماق شعرائنا المعاصرين لم يستقيظ بعد، لانه شاعر حكم عليه بالموت البطيء، ولكن هذه لن تمتد الى ما لانهاية، انا عندي ثقة كبيرة ان الرحم العراقي خصب وولود وسوف ينهض فيه اكثر من جواهري واحد، بلسانه الجواهري كان يقول لي (ان بيني وبين المتنبي الف عام) والعرب بحاجة الى الف عام ليلدوا شاعرا اخر كالجواهري والمتنبي، لذلك اتوسم بجيل اخر جواهري كبير سوف ينهض من تراب هذا الوطن وسيحمل القضايا الانسانية كلها وليست العربية فقط.
واضاف: الثورات العربية بصراحة اقول لك لا تزال بدون هوية، عي ليست فقط اسقاط انظمة، نحن نحن نريد اقامة انظمة بديلة، ما هو البديل؟، الى الان كل الساحات العربية التي تشتعل والتي شعلها جسد الشهيد التونسي بو عزيزة، فحول الميادين العربية الى براكين ولكن الى اين تتجه هذه البراكين؟، نحن نخشى ان تحرق الشعوب، اليوم.. افضل فترة تعيشها اسرائيل وتعيشها الاجهزة المابراتية المعادية للقضايا العرابية، انا لست ضد الثورات، وانا اول ثائر خرج على النظام الدكتاتوري في العراق واعطيت كل اسرتي وبيتي ضحايا، ولكن اليوم انا اسأل هذه الحركة الى اين تتجه؟ لا نعلم، لذلك من حق المثقف العربي بشكل عام او الشاعر العربي بشكل خاص.. ان يبقى متأملا منتظرا لما سيحدث فيما بعد لكي يكتب بدون ان يكون هنالك ضباب.
وقالت الشاعرة فليحة حسن: اعتقد ان هناك اسبابا عديدة تكمن وراء ذلك منها غياب الدورالريادي الذي كان يشغله الشاعر العربي القديم آنذاك كونه لسان حال قومه والمعبر عنهم في السراء والضراء، وبالمقابل قوة فعل التهميش الذي يتسلط عليه بتعدد اشكال الدكتاتوريات وترادفها، وربما يعود ذلك الى احساس الشاعر أيضاً بضياع هويته وتخلخل الايدلوجيات التي يؤمن بها او ربما خوفه من القادم الاسوء،فحقيقة الامر يبدو ان الثورات التي تقوم حالياً في البلدان العربية تستبدل السيء بالاسوء وما نطلق عليه بالربيع العربي أمر يقع تحت يافطة التفاؤل ليس أكثر.
فيما قال الشاعر فارس حرام، رئيس اتحاد ادباء النجف: ربما في العراق لايوجد مثل هذا الحضور القوي لاننا ليس لدينا العلم بما يحدث في تلك الدول التي تسخر مجتمعاتها كل امكاناتها لدعم الثورات، ولكن بصورة عامة.. تراجع الشعر في دعم الثورات والقضايا ذات الاهتمام الاجتماعي المشترك والكبير، القضايا الكبرى، قضايا الدين والقومية والحروب، اتجه الشعر منتصف القرن العشرين باتجاه الاحساس الداخلي للانسان وشعور الشاعر بحياته وسط مجتمعه ورؤيته لعصره والمعاناة الشخصية بدل ان يكون الشاعر ضمير الجماعة المتكلم، فيما يبدو ان الشعر يتجه الى المزيد من العزلة، وانا برأيي ان على الشعر ان يعيد النظر في نفسه دائما ويتجنب عزلته.
اما الشاعر موفق محمد فقال: ليس لا يوجد شعر، بل كل بلد اكتفى بضيمه، الضيم صار اكثر بحيث ان الشاعر والمبدع لا ينظر وراء الحدود من كثرة الهم الذي فيه، مشكلته اكبر المشاكل ولا توجد مصيبة تشبه مصيبته خصوصا في العراق، فما حدث بعد سقوط النظام السابق عام 2003 من هذا الاحباط القاتل يجعلك تنظر بنظرة مختلفة،وان هي غير ممكنة للاسف، الا ان ما حصل من سوء بعد التغيير اصاب الناس بالاحباط فعلا وقسم منهم بسذاجة يقول لك نخاف ان يكون الوضع مثلما كان في العراق.
واضاف: شعراء العرب اكثرهم كانوا يشتغلون من اجل الفلوس، ابتداء من شيخهم نزار قباني الى اي شاعر اخر، يشتغلون من اجل العملة الصعبة اما الشعوب فدعها تسحق.