شباب ونساء يبيعون العجائن والحلوى
رمضان فرصة للاسترزاق في الجزائر
كامل الشيرازي من الجزائر
يشكل شهر رمضان المعظم بالنسبة للعائلات الجزائرية المعوزة، مصدر رزق هام ، لا يوفره أي شهر آخر في السنة، وتعد زيادة الطلب على أصناف من العجائن والرقائق التقليدية كلما حل الشهر الكريم ، فرصة لهذه العائلات للتشمير على سواعد نسائها و بناتها لتلبية هذا الطلب بتحويل البيوت إلى ورشات حقيقية لتحضير مختلف متطلبات المائدة الرمضانية التي لا يجب أن تخلو من البوراك المصنوع من لفائف العجين الرفيعة و خبز الدار أو خبز الطاجين ، وخبيزات القطايف المصنوعة من دويدات عجينية محشوة باللوز والفستق و الجوز، لكن الأزمة الاقتصادية الخانقة وغلاء المعيشة جعلا صانعي هذه الحلويات يستعيضون عنها بالفول السوداني.
وبهذا استطاعت هذه العائلات الفقيرة من سكان المدن الكبرى مثل العاصمة الجزائر و قسنطينة و وهران من تحصيل مورد مالي محترم تسد به متطلبات الشهر الكريم الذي عادة ما ترهق به ميزانياتها، فضلا عما ينتظر الأولياء من شراء كسوة العيد لأطفالهم.
أرصفة الأحياء الشعبية لم تعد حكرا على الرجال
يمنح التنوع الكبير في التراث المطبخي الجزائري، الأسر المعوزة التي تتقن بناتها وربّاتها إعداد مختلف أنواع الفطائر والرغائف والخبز المنزلي والكسكسي والرشتة، هامشا إبداعيا تتفجر فيه عبقريات النسوة اللائي يتفنن في إغراق السوق بمبتكرتهنّ.
كما دفع الفقر المدقع العديد من العائلات الجزائرية التي لا معيل لها، إلى نزول فئة العواجيز إلى أرصفة الأسواق الشعبية، واحتلال ركن هام بها، وقد بدأت هذه الظاهرة في التزايد عاما بعد آخر بعدما كان الرصيف حكرا على الرجال وحدهم، تراهم وهم يتفنون في التعليق على جودة ما يعرضونه من سلع استهلاكية منزلية على غرار الرقائق و العجائن بمختلف أشكالها و أنواعها .
وحتى المساجد في شهر رمضان، لا تسلم مداخل الكثير منها أو الأرصفة القريبة، من غزو العائلات البائعة هذه الأخيرة تحولّها إلى مساحات تجارية محتشمة لبيع كل ما يمت بصلة إلى مائدة الإفطار، بدءا بشتى أنواع الخبر التقليدي المنزلي، أو الحلويات العسلية التي لا يجب أن تخلو منها مائدة صائم من زلابية و قلب اللوز و قطايف، مرورا بأغطية الموائد المصنوعة من النيلون أو أطباق الخبر المختلفة الصنع والأشكال، والملاعق الخشبية، وانتهاءا ببعض الأواني الفخارية الأصيلة من قدر وطاجين، التي يكثر عليها الطلب في رمضان نظرا للذوق المتميز الذي يمنحه طهي الشربة أو طاجين الحلو أو المتوم في الفخار دون غيره من الأواني حتى الفاخرة منها .
الاعتماد على النفس عوض quot; قفة رمضان quot;
تفضل الكثير من العائلات الجزائرية، تدبير حالها في الشهر الكريم، بالاعتماد على مهارات بناتها ونسائها، عوض السؤال ومد اليد إلى الآخر، وما تزال الكثير من العائلات أيضا ترفض الاستفادة من قفة رمضان التي تقدمها وزارة التضامن الجزائرية كل شهر رمضان لمئات الأسر المحتاجة، اتقاء كلام الناس وحفاظا على كرامة الأبناء بالأخص في الأحياء الشعبية التي يعرف قاصيها دانيها.
ويمكن التعرف بسهولة على العائلات التي تتخصّص خلال شهر رمضان في صنع مستلزمات مائدة الإفطار في كل حي شعبي، إذ تقبل هذه العائلات على الاستهلاك المفرط لأكياس الدقيق و الطحين تجنبا للوقوع في الندرة التي تعرفها هذه المواد مطلع كل شهر رمضان ، و تحرص كل عائلة أن تتوجه بمنتوجاتها التقليدية في الصباح الباكر من كل يوم أملا في بيع أكبر كمية ممكنة من السلعة، وسط السوق الممتلئ بـ quot; طاولات quot; الباعة.
والملاحظ أنّ الكثير من العائلات المعوزة تستطيع خلال الشهر الكريم تسديد الديون المتراكمة عليها من فواتير الماء والغاز والكهرباء، وهذا بفضل ثلاثة عناصر حيوية تراها العائلات مصدر رزقها الوحيد، بل فرصتها الثمينة التي لا يجب تضييعها خلال شهر رمضان، وهي الماء والسميد والخميرة، عناصر تعد مكونات قاعدية لكل الأصناف العجينية التي لا تستغني عنها مائدة الإفطار الجزائرية .
وتعد مادة quot; الديول quot; و هي رقائق عجينية دائرية رفيعة السمك، أول ما يكثر عليه الطلب في شهر رمضان، و لا تكاد طاولة في سوق شعبية تخلو من هذه الرقائق التي تصنع منها عديد الكيفيات التي لا تحضّر سوى في شهر رمضان المعظم مثل quot; البوراك quot; وquot; المحنشة quot; في العاصمة وquot; البسطيلة quot; في الغرب وquot; البريك quot; في الشرق الجزائري، ناهيك عن العدد الكبير من حلويات السهرة المعسلة التي تحتاج لورق الديول مثل quot; السيجار quot; وquot; رزيمات العجوزة quot; وquot;الصامصة quot; .
و تدفع الفاقة الكثير من العائلات المحتاجة، لعدم الإكتفاء ببيع الديول، كونها لا تتطلب مصاريف زائدة، فكيلوغرام واحد أو اثنين من الدقيق الرطب مع كمشة ملح وقليل من الماء تكفي لصنع ما يزيد عن 60 quot; طزينة quot; من الديول، هذا علما أن الطزينة تضم 12 ورقة من الديول، وكل طزينة تباع ما بين 25 إلى 30 دينار أي ما يعادل تقريبا نصف دولار.
شباب وجدوا فرصة لربح المال ..
تواجه ربات البيوت خلال السنوات الأخيرة منافسة شرسة، من قبل شباب أرادوا جني بعض المال خلال الشهر الكريم، عن طريق بيع بعض المأكولات على الرصيف، من أهمها ''البوراك'' أو ''البريك''، الذي صارت تتباعث روائحه عبر مختلف الأحياء الشعبية، دلالة عن انتقال الحرفة من شاب الى آخر، ودليل آخر على أنّ الزبائن كانوا في الموعد، ربما أزواج نساء عاملات، أو أخريات وجدن في هؤلاء الشباب منقذين من مشقة إعداد ''البوراكة''bull;
وتحولت طاولة هؤلاء الشباب، الى مقصد لكل أبناء الحي، الذين يستنشقون حلاوة رائحة البوراك وهو يطهى في انتظار أن يؤذّن المؤذن للافطار، ما يخلق زحمة تخدم الباعة في جلب الزبائن تجذبهم الحركة التي تنبئ عن شيء واحد وهو أنّ بالمكان مأكولات للبيع، وبالنظر الى الأشخاص المتجمعين حول الطاولة فبالتأكيد هو شيء نادر يستحق المشقةbull;
وبأحد الأحياء الشعبية، نصب عبد القادر وهو شاب بطّال، إحدى هذه الطاولات، ويشتهر ببيعه بوراك يتمتع بجودة عالية، حتى أنّه لقّب في الحي بـ ''بوراكة''، ويقول ''جاءتني الفكرة عندما شاهدت البوراك يباع بأحد المحلات، فقلت في قرارة نفسي لما لا أقوم بالمثل، وبعد أيام من التدريب على يد الأم، استطعت طهي أولى حبّات البوراك، ولا أخفي عنكم أنه في البداية كنت أعتبر التجربة مغامرة حقيقية، ولم أكن أصدق أنها ستلقى النجاح الذي لقيته، ففي كل يوم ازداد عدد الزبائن حتى صار البعض يطلب مني تحضير حبات البوراك مبكّرا، النقطة السوداء هو أنهم كلهم يريدونها دقائق قبل الآذان''.
وبالنسبة للشاب حليم الذي لا يتعدى عمره الـ27 ربيعا، فإنّ تجربة أتت بعد التحاقه بأحد المطاعم الراقية بالعاصمة أين كان يعمل كمساعد طباخ، واعتبارا للعطلة الاجبارية التي دخل فيها المطعم في رمضان، نصب صاحبنا الطاولة مع بعض الفروقات مع السنة الماضية، حيث صار يرتدي مئزرا وقام بتوظيف أحد أبناء حيه.
وإن كان هذا هو الحال قبل الافطار، فإن بعده لا يختلف أيضا، حيث تنتشر طاولات الشواء في كل ربوع الأحياء الشعبية، تتصاعد منها ألسنة النيران هنا وهناك، أين تطهى حبات النقانق (المرقاز) على الجمر، وإن سألت هؤلاء الشباب عن فائدة هاته المتاجرة بعد الافطار الذي يكون فيها الصائمون قد حصنوا بطونهم بمأكولات مختلفة، يرد البعض ممن تحدثنا إليهم، أنه مع بلوغ الساعة العاشرة غالبا ما يعود الجوع لهاته البطون المحصنة، دون أن ننسى عابري السبيل والذين لم ينعموا بإفطار عاديbull;
وللدفاع عن مصدر رزقهم، يقول هؤلاء إنهم يعطون اهتماما خاصا لشراء المستحضرات والحفاظ عليها، فعبد القادر يحتفظ بالمكونات من جمبري، لحم مفروم وغيرها في ثلاجة المنزل القريب جدا من الرصيف الذي يعرض عليه حبات البوراك، حتى لا تلحق بها أضرار، نفس الشيء بالنسبة لماهر، الذي يعتبر أنه يعطي أهمية قصوى للعناية بمكونات حبات البوراك وكذا زيت الطهي، حتى لا يصاب زبائنه بأذىbull;
التعليقات