لا يعرف المواطن الفلسطيني العادي، كيف يصف العلاقة بين مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، متمثلة بالرئيس أبو مازن، وبين مجلس الوزراء، متمثلاً في رئيس الوزراء إسماعيل هنية. فهو منذ إعلان فوز حركة حماس، وتشكيلها للحكومة، كان قد توقع المشكلة. لكنه أبداً لم يعرف ما هو حجمها بالضبط، وإلى أي مدى ستصل. فمنذ الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، والفلسطينيون لديهم سلطة برأسيْن. كل رأس منهما منتخبة، وتحوز على شرعية شعبية، تؤهلها للحكم الدستوري، دونما لبس أو شبهة قانونية. ثمة تنازع بينهما على الصلاحيات، بسبب تأويل وتفسير كل منهما لبنود الدستور، لكن هذا الأمر لا ينفي حق كلا الرأسين في الحكم. واليومَ، وبعد أن حُلّت عدة مشاكل بينهما، في الشهور الثلاثة الأخيرة، ها هي مشكلة كبيرة تطفو على السطح : مشكلة جديدة، هي مشكلة الجهاز الأمني الخاص، التابع لوزارة الداخلية، والمشكّل من ثلاثة آلاف عنصر، معظمهم من كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وكتائب المقاومة الشعبية المقربة من الحركة. وما أن أعلن سعيد صيام عن بدء تشغيل هذه القوة الخاصة، وبدء ممارستها لمهامها على الأرض في قطاع غزة، حتى أعلن أبو مازن، من ستراسبورغ، وعلى لسان الطيب عبد الرحيم، أمين عام الرئاسة، عن قراره بإنزال قوات الأمن الوطني والشرطة، إلى الشوارع والأزقة والأماكن العامة، كي تمنع، على ما يبدو، تلك القوة الخاصة، من تأدية عملها. فهذه القوة، كما يرى الرئيس، غير قانونية، وهي أشبه، كما يقول محللون محلّيون، بذراع خاص لحماس في الحكومة التنفيذية. مشكلة جديدة، يُخشى من تداعياتها، فيما لو حدث احتكاك بين القوتيْن. وهو الاحتمال الوارد، ما دامت كل الظروف هُيئت له. إن ما يؤسَف له حقاً، أن كلا الرأسين، تتصادمان في وقت لا يجوز فيه التصادم. في وقت محظور فيه على الفلسطينيين، وأياً كانت الأسباب، أن يقتربوا من دم بعضهم البعض. ولكّم تعالت أصوات وطنية، تُحذر من ذلك، إنما دون جدوى. فالشارع الفلسطيني، مشحون ومحتقن، كما لم يحدث من قبل. إنه شارع منقسم ما بين مؤيدي فتح ومؤيدي حماس. والوضع الاقتصادي والحزبي، يدفع باتجاه التصادم بينهما. مثلما حدث أكثر من مرة، وفي غير مكان. فالكل محاصر ومضغوط، ولا بد من تنفيس هذا الضغط، ولو انقلب المرء على نفسه وعلى داخله، في بعض الأحيان. تلك مسلمة سيكولوجية، يعرفها كل المشتغلين في حقل علم النفس الحديث. لكنها للأسف تغيب عن بال القادة القدامى والجدد. جاء وزير الداخلية الحمساوي إلى وزراة كل جسمها من فتح. لذا فهو لا يثق فيها. وعليه، فهو يريد الاعتماد على قوة حماسية بالأساس، تكون طوع أوامره. أما محمود عباس، والفتحاويون كلهم من ورائه، وبعض فصائل منظمة التحرير الأخرى، فيخشون من هذه القوة، التي لن تأتمر بالطبع بأوامر الرئيس. فولاؤها، بحكم ماضيها وسيرتها، لحماس، وأوامرها تتلقاها من سعيد صيام، القائد في الحركة، والوزير الحالي، مباشرة. سعيد صيام يقول إنه أخذ موافقة الرئيس على تشكيل هذه القوة، في الجلسة الأخيرة التي عُقدت بين الطرفين في مدينة غزة. ومصادر في الرئاسة، تنفي صدقية هذا القول، وتقول إن تشكيل القوة، هو أصلاً، مخالف للقانون الأساسي، وللمرسوم الرئاسي. فهو لكي يتمّ، يحتاج أولاً إلى موافقة المجلس التشريعي، ومن بعد، موافقة الرئيس، وقبل كل شيء وجود اعتماد مالي من وزارة المالية . وهذا ما لم يحدث. فأي من القوليْن سوف يصدّقه الفلسطينيون ؟ الحقيقة، كما يرى مستقلون، ضائعة بين الطرفيْن. والفلسطينيون، أصلاً، ليسوا في مزاج يؤهلهم للتبحّر في فقه القوانين، ولا هم مستعدون، نفسياً على الأقلّ، لسماع ادعاءات ودعاوى الطرفين. فهم يكفيهم ما فيهم، ويكفيهم معاناتهم اليومية، وراء لقمة العيش العزيزة، في ظل حصار إسرائيلي، عسكري واقتصادي، غير مسبوق منذ العام 67. وفي ظل عزلة دولية أشبه ما تكون بالعقاب الجماعي. مشكلة جديدة، إذن، تطفو على سطح ساخن، لا يشكو من قلّة المشاكل والمعضلات. الرئاسة مصرّة على عدم شرعية هذه القوة، ورئاسة الوزراء ووزارة الداخلية، مصرّتان على بقاء القوة وتفعيلها وإنزالها للشارع. لإنهاء حالة الفلتان الأمني، ولمواجهة جرائم السطو التي كثرت في الفترة الأخيرة. الأمر الذي يعني أن لدى الفلسطينيين الآن، قوتان مسلحتان، متنافرتان ومتضادتان، وكل منهما تحاول عرض عضلاتها، وفرض نفسها على الشارع المنهك. ما يعيد إلى الأذهان، سؤال الفلسطينيين الكبير : على وين رايحين ؟ وهذه المرة، السؤال موجه إلى الفلسطينيين أنفسهم، وليس إلى العالم الخارجي، أو إلى عدوهم الإسرائيلي.