أسف طويل غمر القلم عندما فازت حركة حماس، ومصدر الأسف أنها حركة عاطفية، ليس فيها إلا الحماس العربي والنخوة الأصيلة، والكرم الجزيل، والموقف النبيل، وكل هذه المفاهيم تصلح لكل شيء إلا السياسة!
تذكرني حركة حماس، بطفولتي، فقد كنت ضعيف القوة، بسيط الهيبة، وكلما حاول أولاد حارتنا quot;الإعتداء عليّquot; هددتهم بإخبار خالي quot;المجهولquot;، الأمر الذي يردع الصبية، ويبعث الرعب في نفوسهم!
وذات ظهيرة كئيبة، كنت أسير مع خالي، فإقترب الأشقياء من الأولاد، وحاولوا الإعتداء، فهددتهم بخالي الذي كان معي، فلما نظروا إليه وإلى quot;هزالهquot; قالوا quot;سنضربك أنت وخالكquot; وبدأوا بالضرب معلنين الأسف على خوفهم منه في سابق الأيام!
حقاً لقد كان سماع هؤلاء الأولاد بالخال خير من مشاهدته!
إن حركة حماس ليست أكثر من صاحب السطور، وما فوزها إلا quot;الخال الموقرquot; وما أولاد الحارة إلا صورة مصغرة للمجتمع الدولي!
وأصدق القارىء القول أنني كنت متخوفاً من هذا الرأي حول فوز حماس، إلا أنني شعرت بالطمأنينة والإرتياح عندما رأيته quot;الرأيquot; الذي يتبناه الأستاذ الكبير والكاتب السياسي الخبير محمد حسنين هيكل فقد قال: (إن بقاء حماس في المعارضة كحركة مقاومة أفضل من بقائها في السلطة!!!).
إن حركة حماس وفق المعطيات الحالية حركة تملك الطموح والإندفاع، ولكن السياسة تتكأ على المرونة، لا على التهور والإقدام، إنها تستقطب العواطف والمشاعر ولكن العمل الدبلوماسي يتطلّب الفهم والإدراك وتوازن القوى ومراعاة الظروف الدولية.
نعم من حق حماس أن quot;تندر بإزدواجية المعايير والكيل بمكيالين، ومن حقها أن تدين الموقف الغربي حين يطالب بإنتخابات نزيهة ثم يحاول رفض نتائجهاquot;، كما يؤكد ذلك الأستاذ/ غسان شربل رئيس تحرير جريدة الحياة، ولكن الإدانة لا تحل المشكلة، فعلى الصعيد العملي الشعب الفلسطيني يحتاج الأمن والماء والخبز لا التنديد وزيادة الثرثرة السياسية!
إن الكتاب العرب يعاتبون المجتمع الدولي على قطع المساعدات عن حركة حماس وينسون أو لنقل يتناسون أن المرء حر في إعطاء المساعدات، فهي تبرعات إختيارية، وليست واجبات، وما على المحسنين من سبيل، فهم أي المجتمع الدولي أياً كان مبررهم يجب إحترامه وتفهمه، إلا إذا ظن الكاتب العربي- ذو المشاعر الملتهبة، أن حركة حماس quot;الوليدةquot; تعرف أكثر مما يعرف المجتمع الدولي!
أمرٌ آخر، هذه مساعدات وما ومن يدري لعل المجتمع الغربي لا يحب دعم الخيول الخاسرة، حتى لا يتهم- حين خسارتها- بأنه أحد صانعي الخسارة!
قد تنطلي سياسة حماس في العالم العربي حين حاولوا وضع امرأة ومسيحي ضمن التشكيل الوزاري، حتى يشعر الآخرين بالمرونة وقبول الآخر، ويجنوا المساعدات أو quot;المناصرةquot; كما هي لغة الإسلاميين quot;أقول قد تنطوي هذه الخطوة وتذر الرماد في عيون المجتمع العربي، إلا أنها لم ولن تنطلي على المجتمع الدولي، الذي بدا أكثر حذراً من الأمس في دعم الحركات السياسية المتكئة على النزوة والمشاعر والعواطف والمتوثبة القافزة في الظلام!
إن العالم اليوم قد تجاوز مراهقته السياسية، وحماقاته الدبلوماسية، وطفولته الفكرية، كل هذا جعل حماس ضحية.. فليس الخطأ في هذه الحركة، بل الخطأ في العالم الذي كبر وشب عن طوق البلاهة السياسية- بعد تجربة صدام- وأدرك أن الوقاية من المراهقين وصغار السياسين خير من علاجهم عندما يستفحلون.
[email protected]