صرّح المرشد الأعلى علي خامنئي، يوم السبت، بأن إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد هو انتصار تاريخي للإسلام، داعياً الإيرانيين للاحتفال بهذه المناسبة. غير أن الخامنئي نفسه، كان بعد ثمان وأربعين ساعة، لاحقاً، يقدم وعوداً بإعادة إحصاء اصوات الناخبين، وإجراءات أخرى مطلوبة لتصحيح quot;الأخطاء التي يمكن أن تكون قد حصلتquot; أثناء الانتخابات.

هذا الانعطاف الجزئي في موقف خامنئي فرضه اقدام ملايين من الإيرانيين، على النزول الى شوارع العاصمة طهران ومدن رئيسية اخرى، ليس احتفالا بـquot;النصر التاريخي للإسلامquot;، وانما كانوا يهتفون: quot;الموت للديكتاتورquot;، داعين إلى إلغاء الانتخابات.

لا يتوقع أحد أن يأمر خامنئي بإعادة إحصاء حقيقية، ناهيك من إعادة إجراء الانتخابات، إذا كان يستطيع التملص من ذلك. وعلى أية حال، فإن مصادقته السريعة، على نتائج الانتخابات أتت بعد انعطافته النسبية تلك، والتي بدّدت جزءا من سلطاته، لأنه من المفترض، وطبقاً للمنظومة الخمينية، أن يكون الخامنئي ممثلاً للقوة الإلهية على الأرض أي quot;الإمام الغائبquot;، وقائداً للمسلمين حول العالم، مع امتلاكه سلطة تجميد بعض قواعد الإسلام نفسه، إذا ما طاب له، أو حين يطيب له ذلك، بمعنى انه من المفترض أن تكون كلمته هي العليا في كل المسائل، وكأنما حين يتكلم، يعني هذا أن ما يقوله هو منزلة كلام الله، بيد ان أحداث الأيام الأخيرة ارجعت خامنئي مكانته الحقيقية، مجرد سياسي آخر متورط في صراع السلطة المرير، بغية السيطرة على البلاد.

انقسام ثلاثي الأبعاد
التزوير في نتائج الانتخابات القى الضوء على انقسام ثلاثي الأبعاد ضمن النظام الايراني. الفصيل الاول في قوى الصراع يتشكل ممن يمكن اعتبارهم quot;الأطراف المتهورةquot;. انهم اولئك الذين لا يزالون يعتقدون بأن شيئاً ما لم يتغير، وأن بإمكانهم الاستمرار وفق أجندة محمود أحمدي نجاد لتهيئة العالم لعودة الإمام الغائب.

الفصيل الثاني يقوده بشكل فعال الرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني، ويضم مير حسين موسوي، المرشح المهزوم في الانتخابات الرئاسية. يأمل هذا الفصيل بقاء النظام كما هو، ولكن مع العمل على تحسين صورته داخلياً وخارجيا، والانتقال به نحو تبني أنموذج النظام الصيني، الذي تتحد فيه القبضة السياسية القوية، مع عملية التحرر الاقتصادية.

أما الفصيل الثالث، فيعتقد بأن كامل المنظومة الخمينية قد انتهت صلاحيتها مع الزمن، وأن إيران قد بلغت مرحلة النضج لإحداث التغيير في النظام، بالطريقة نفسها التي حصلت مع دول الكتلة السوفياتية في نهاية الثمانينات. يقود هذا الفصيل أشخاصٌ مثل وزير الداخلية السابق عبد الله نوري، وهو رجل دين يجلس في المنتصف، ومحمد عباس شيباني، العميد السابق لجامعة طهران، وأعضاء سابقون في المجلس الإسلامي، أي البرلمان، منهم: محمود العالامي، وعماد الدين باقي.

ويبدو من المرجح الآن، أن ينضم إلى هؤلاء، مهدي كروبي، رجل الدين المرشح ايضا في الانتخابات الاخيرة. وزعم كروبي في بيان أصدره في طهران الاثنين الماضي بأنه حتى تعيين خامنئي كمرشد أعلى في العام 1989 ، كان أيضاً quot;ثمرة لعملية غشquot;، داعياً، وبشكل مبطن، إلى عزله.

.. وانقسام في الجيش
تسبب تزوير نتائج الانتخابات ايضا في حدوث انقسامات على مستوى الجيش. فأحد المرشحين الثلاثة المهزومين كان الجنرال محسن رضائي مير قايد، الذي تزعم quot;جيش الحرس الإسلامي الثوريquot; لسنوات عدة. الهزيمة المذلة لرضائي ولدت مشاعر غاضبة بين صفوف ضباط الحرس الثوري، الذين ينظرون إليه كوالد لهم، فيما كان الجنرال مصطفى محمد نجار، وزير الدفاع يطنب في مديح أحمدي نجاد على الملأ، بينما لوحظ ان الجنرال علي جعفري، قائد الحرس الجمهوري، نجح في الحفاظ على صمت بليغ، وهو رفض إرسال وحدات من الحرس الثوري لقمع المتظاهرين في طهران وست عشرة مدينة أخرى كبرى. وطالما أن السيد أحمدي نجاد مدين بصعوده للمؤسسة العسكرية الأمنية، فإن أي تصدع في صفوف الحرس الثوري والأجهزة التابعة له، يمكن أن يتسبب في مشاكل له في ولايته الثانية.

فروقات جوهرية
قارن بعض المعلقين بين الاضطرابات الحالية، وأعمال الشغب التي هزت أركان الجمهورية الإسلامية خلال رئاسة محمد خاتمي. غير ان هناك عددا من الفروقات الجوهرية. ولنبدأ بخاتمي نفسه الذي لم يكن مكروهاً كما هو حال أحمدي نجاد. فقد كان خاتمي، دائماً، قادراً على التصرف كجسر عبور بين المعارضين والسلطات. وفي ذلك الوقت كان خامنئي قد رتب نفسه للبقاء فوق تلك الصراعات، وهكذا تمت المحافظة على هيبة النظام، إن لم يكن على شعبيته الحقيقية. لكن، في هذه المرة، ولأسباب من الصعب تخيلها، فقد قفز خامنئي إلى الحلبة لدعم أحمدي نجاد. وفي هذه المرة، أيضاً، فإن بعضاً من ركائز النظام القوية، يقفون مع المعارضين متسببين في تفريق وحدة المؤسسة الخمينية، أمام التحدي الشعبي.

التحدي في تزايد
مع كل يوم يمر، يتناقص عدد الوجهاء الذين كانوا يؤيدون أحمدي نجاد، بينما تتزايد أعداد أولئك الداعين لعزله. والأكثر أهمية من ذلك، انه من الممكن جداً ألا تقتصر حركة الاحتجاج على الطلاب في المدن الكبرى. وبدأ العديد من التقارير يتحدث عن اضطرابات في مدن وقرى صغيرة، مثل ماريفان، وجوهر ديشت، حيث هاجم الناس مكاتب حكومية، وأحرقوا صوراً لخامنئي وأحمدي نجاد، واحتجزوا صناديق الاقتراع.

ومهما تكن عواقب الصراع الحالي فإن أشياء قليلة باتت في حكم المؤكد، لقد فقد النظام حيزاً لا بأس به من شرعيته. كما أصبح واضحاً أن التطور السلمي ضمن النظام غير ممكن. وهذا ما يجعل خيار تغيير النظام جذاباً، وذلك لأول مرة منذ منتصف التسعينات.