تسود حالة من الذعر في الغرب من تفشي فيروس إيبولا على الرغم من الدعوات إلى الهدوء وفرض اجراءات مراقبة مشددة في الكثير من الدول في المطارات والمدارس والمستشفيات.

باريس: بينما دعا الرئيس باراك أوباما الاميركيين إلى "عدم الاستسلام للذعر"، قال خبير الامراض النفسية في منظمة اطباء بلا حدود نيكولا فيو "نواجه خوفًا وادراكًا بأنه (الفيروس) يمكن أن يعبر الحدود"، مشيرًا إلى "خلل أو شكل من الانفصال بين الواقع والخوف من العدوى".

وتابع "شهدنا مثل هذه الحالة مطلع الثمانينات في بداية انتشار الايدز"، داعيًا إلى "توجيه" افضل حول طرق انتقال الفيروس الذي اودى بحياة 4555 شخصاً حتى الآن من اصل 9216 اصيبوا بالمرض خصوصًا في ليبيريا وسيراليون وغينيا، حسب ارقام منظمة الصحة العالمية.

هلع في الولايات المتحدة

وفي هذا الاطار، طلب مجلس ادارة مدرسة ابتدائية في ماين في ولاية تكساس الاميركية من احدى المعلمات اخذ عطلة اجبارية لثلاثة اسابيع بعد أن شاركت في مؤتمر تعليمي في دالاس ، وذلك بعد أن ابدى اولياء امور الطلبة قلقهم.

وكانت هذه المدرسة حضرت مؤتمرًا في دالاس التي تضم مستشفى تكساس هيلث برسبيتريان هوسبيتال، الذي توفي فيه في 8 تشرين الاول/اكتوبر مريض ليبيري نقل العدوى إلى ممرضتين كانتا تعتنيان به.

والجمعة، بررت الولايات المتحدة اجلاء سيدة تعمل في المستشفى نفسه من سفينة لرحلات الترفيه قبالة سواحل بيليز. وقالت انه "اجراء وقائي". ولم تظهر أي عوارض على هذه الممرضة لكنها كانت على اتصال بالمريض الذي توفي بدالاس.

واثرت حالة الذعر من العدوى على مسار السفينة. فقد طلب وزير الخارجية الاميركي جون كيري دون جدوى من بيليز أن تستقبل المريضة بينما رفضت المكسيك السماح برسو السفينة التي تنقل آلاف الركاب بسبب وجود الممرضة على متنها.

وتم تأكيد اصابة ممرضتين كانتا تعملان في المستشفى في دالاس، قامتا بالاعتناء بالليبيري توماس اريك دنكان الذي توفي بهذه الحمى النزفية في الثامن من تشرين الاول/اكتوبر.

وفي بلدة هازلهرست في ولاية ميسيسيبي (جنوب) سحب آباء ابناءهم من مدرسة بعدما توجه مديرها إلى زامبيا لحضور جنازة شقيقه، كما ذكرت صحف محلية، مع أن زامبيا تبعد آلاف الكيلومترات عن غرب افريقيا.

وحرمت حالة الهلع في الولايات المتحدة المصور الصحافي في واشنطن بوست ميشال دو سيل الحائز جائزة بوليتزر، ثلاث مرات من حضور مؤتمر دعي اليه في جامعة سيراكوزا (نيويورك). فقد زار في ايلول/سبتمبر الماضي ليبيريا لتغطية ازمة إيبولا وعاد إلى الولايات المتحدة منذ اكثر من 21 يومًا.& وفضلت جامعة سيراكوزا الغاء مشاركته.

وحتى وزارة الدفاع الاميركية قامت باغلاق احد مداخلها لعدة ساعات بعدما تقيأت امرأة عادت على ما يبدو من افريقيا في مرآب قريب من المجمع. الا ان متحدثاً باسم الشركة التي تعمل لديها المرأة اكد عدم توجهها إلى افريقيا.

وفي محاولة لتهدئة المخاوف، اعلن أوباما تعيين المحامي رون كلاين منسقًا مكلفًا تنظيم حملات تشخيص حالات الاصابة بفيروس إيبولا وعزل المرضى وتأمين علاجهم.

خوف في الغرب

وفي أوروبا، تحتل اسبانيا الاولوية اذ أن اول اصابة بالمرض خارج افريقيا سجلت فيها لممرضة عالجت مبشرين توفيا بالحمى النزفية بعد اعادتهما من ليبيريا وسيراليون.

وطلب مستشفى كارلوس الثالث في مدريد، الذي ينقل اليه الذين يشتبه باصابتهم بالمرض، من وسائل الاعلام عدم نشر صور المرضى الذين يقتربون من النوافذ. والسبب هو سيل من الاتصالات من اشخاص عبروا من قلقهم من احتمال انتقال الفيروس في الهواء.

وفي كل مكان في الغرب، تثير أي عوارض تشمل التقيؤ إلى آلام في البطن وحتى زكام بسيط خوفًا كبيرًا.

&ولكن في كل مكان ايًضا، المصابون هم مواطنون افارقة أو جاؤوا من الدول المتضررة أو مسافرون أو صحافيون خصوصًا العائدين من تلك المنطقة. في ايطاليا اطلق انذار صحي مطلع الاسبوع عندما اصيب صومالي لم يغادر البلاد منذ عامين برعاف وبتوعك صحي في مكتب الهجرة، حيث قام بتجديد وثائق اقامته. وكان الامر في الواقع حالة صرع.

واغلقت مفوضية للشرطة في ضاحية باريس ابوابها بعدما تقدم اليها رجل قادم من نيجيريا قال إنه يعاني من تقيؤ. لكن المخاوف تبددت بسرعة اذ انه لم يكن مصابًا بحمى وعاد إلى فرنسا قبل ثلاثة اشهر أي متجاوزًا فترة حضانة المرض التي تبلغ 21 يوماً.

وللمرة الاولى طبقت اجراءات مراقبة على الركاب القادمين من العاصمة الغينية كوناكري على متن رحلة لشركة الطيران الفرنسية ايرفرانس عند وصولهم إلى مطار شارل ديغول، باستخدام ميزان حرارة يعمل بالليزر. ونقلت امرأة اربعينية مصابة بارتفاع في الحرارة إلى مستشفى بيشا الباريسي.

وقال مصدر قريب من الملف إنه "بعد ساعة من مغادرتها الطائرة لم تعد حرارتها تتجاوز 37.5 درجة مئوية ولا تعاني من تقيؤ ولا إسهال".

ومساء السبت، سجل اشتباه بإصابة أخرى في شمال غرب باريس. وقال مسؤول محلي للشبكة الاخبارية اي-تيلي إنها "امرأة كانت تعاني من اعراض بينها آلام في المعدة وحمى". واضاف أن هذه السيدة "عزلت" في مستشفى بيجان العسكري في باريس لاجراء تحاليل.

ورفضت وزارة الصحة الفرنسية الادلاء بأي تعليق مؤكدة أنها ستبلغ السكان على الفور في حال تأكد وجود أي اصابة في فرنسا.

وهذه الاجراءات المطبقة اصلاً في بريطانيا وعدة مطارات بريطانية، لا تشمل في فرنسا سوى الرحلات القادمة من كوناكري وهي الرحلة الوحيدة المباشرة بين فرنسا واحدى الدول الثلاث التي ينتشر فيها المرض في غرب افريقيا.

وفي تعبير عن سعي السلطات في الغرب إلى تجنب حالة هلع، طلب الرئيس الاميركي من مواطنيه السبت "عدم الاستسلام للذعر أو الخوف"، داعيًا إلى الاعتماد على الوقائع. كما اعرب عن رفضه لمحاولة خفض عدد الرحلات القادمة من أو المتوجهة إلى غرب افريقيا.

ويسود الخوف خصوصاً في المطارات كما في تركيا حيث احصيت اكثر من عشرة انذارات تبين أنها خاطئة في مطار اسطنبول. في الجمهورية التشيكية طارد فريق طبي امني طالبًا غانيًا افلت الاثنين من المراقبة الصحية في مطار براغ. وضبط الفريق الذي ارتدى افراده البزات الواقية الشاب وقام بنقله إلى المستشفى.

في بلجيكا رفض حمالو الحقائب في مطار بروكسل افراغ أي طائرة قادمة من غينيا بالكامل أو جزئيا. اما في فرنسا حيث يتم تداول الانذارات الخاطئة على شبكات التواصل الاجتماعي، فقد رفض آباء الاسبوع الماضي توصيل اولادهم إلى مدرسة في بولوني بيانكور بالقرب من باريس بسبب وجود تلميذ عاد من غينيا مؤخرًا.

كما في زمن الكوليرا

ولا تطال ردود الفعل مواطني الدول التي ينتشر فيها المرض فقط. ففي بريطانيا الغت مدرسة تحت ضغط اولياء الطلاب تبادلاً مع مدرس من غانا. وفي باريس قالت سفارة الكونغو التي تبحث عن مقر لعمليات تجديد جوازات سفر رعاياها في فرنسا إن شركة رفضت تأجيرها مكاناً بسبب "وباء إيبولا".

ومن الصحافيين العائدين من منطقة الوباء، مراسل الصحيفة الالمانية تاغيس انتسايغر التي تصدر في زوريخ.

فقد روى يوهانيس ديتيريش الذي يتمركز في جنوب افريقيا "الجحيم" الذي يعيشه "كما في زمن الكوليرا". فمنذ عودته من ليبيريا حيث اجرى تحقيقات، عزله المحيطون به واجبر لطمأنة زوجته على البقاء في غرفة معزولة وعدم لمس أي قريب للاسابيع الثلاثة التي قد تكون فترة حضانة للحمى.