قال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إن "المسلمين يتعرضون لهجوم وحشي من الخوارج الذين يشوهون ديننا لتبرير جرائمهم الفظيعة ولا يؤذي ديننا، أو مشاعر المسلمين شيء أكثر مما تؤذيهم أفعال هذه العصابات المجرمة التي تؤجّج الطائفية وتشعل الفتنة في الأمة، وتضلل الشباب وتغريهم بالتخلي عن مستقبلهم. وهي تنشر العنف في جميع أنحاء العالم".

نصر المجالي: ألقى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الخميس، خطابا في الجلسة الرئيسة للمؤتمر الخامس لقادة الأديان العالمية والتقليدية المنعقد في العاصمة الكازاخستانية، آستانا، بحضور عدد من كبار الشخصيات السياسية والدينية في العالم، أكد فيه أن هزيمة الإرهاب تحتاج إلى نهج شمولي يبدأ بمعالجة الظروف التي تستغلها الجماعات الإرهابية لتحقيق مآربها.

حوار

يشار إلى أن المؤتمر الخامس لزعماء الأديان العالمية والتقليدية، هذا العام، يخصص موضوعه حول حوار الزعماء الدينيين والسياسيين من أجل السلام والتنمية، ومن بين المشاركين في المؤتمر ممثلو مختلف أتباع الديانات، والمنظمات الدولية الكبرى.

وكان المؤتمر الأول عقد في آستانا في أيلول (سبتمبر) 2003، وشارك فيه العديد من الزعماء الدينيين وكبار الشخصيات من 13 دولة في أوروبا وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، ويعقد هذا المؤتمر مرة واحدة كل ثلاث سنوات.

وأضاف العاهل الأردني ان الغالبية العظمى من الناس في عالمنا اليوم ينتمون لمجتمعات دينية، حيث يشكل المسلمون والمسيحيون وحدهم أكثر من نصف سكان العالم، ونعيش جنبا إلى جنب كمواطنين. لكن مجتمعنا العالمي اليوم مهدد من قبل قوى عدوانية تستغل الاختلافات الدينية.

معارك ضد الشر

وقال: لقد خاضت الأديان الكبرى في فترات مختلفة معارك ضد هذا الشر. وعلينا جميعا أن ندرك هذا الواقع ونواجهه "ونحن المسلمين نتعرض اليوم لهجوم وحشي من الخوارج الذين يشوهون ديننا لتبرير جرائمهم الفظيعة. ولا يؤذي ديننا، أو مشاعر المسلمين شيء أكثر مما تؤذيهم أفعال هذه العصابات المجرمة التي تؤجج الطائفية وتشعل الفتنة في الأمة، وتضلل الشباب وتغريهم بالتخلي عن مستقبلهم. وهي تنشر العنف في جميع أنحاء العالم".

وأكد العاهل الهاشمي أن الإسلام يدين هذا العنف بالمطلق، سواء استهدف المسلمين أو المسيحيين أو الأقليات الدينية، وقال إنه من المهم أن يفهم الجميع أن هذه العصابات لا تشكل سوى نسبة ضئيلة من 1.5 مليار من الرجال والنساء المسلمين الصالحين في العالم، ومع ذلك فإن قطرة من السم يمكن أن تسمم بئرا بأكمله.

واشار إلى أن هذه العصابات تمنح نفسها مطلق الحرية لتحريف كلام الله واستغلاله لتحقيق مآربها المنحرفة. ولا ينبغي على أي مسلم الافتراض أن واجب مواجهة هذا الخطر منوط بالغير، فهذه المعركة معركتنا، نخوضها في سبيل الدفاع عن ديننا وأمتنا.

رسالة عمان

ونوه الملك عبدالله الثاني إلى أنه قبل عشر سنوات، ارتأى الأردنيون ضرورة مخاطبة العالم، فجاءت (رسالة عمان) لتبرز قيم الإسلام الحنيف ودعوته القائمة على احترام الآخرين، والتعاطف، والعدالة الاجتماعية، والرحمة، والتسامح، والإجماع. هذا هو نهج الإسلام. وهذا هو نهج الأردن.

وأكد العاهل الأردني أن نشر قيمنا يتطلب تطبيق رسالتنا، أما ما يتعلق بهزيمة الإرهاب العالمي، فإننا نحتاج إلى نهج شمولي يبدأ بمعالجة الظروف التي تستغلها الجماعات الإرهابية. ومن هذا المنطلق، فإن الاقتصاد الذي يشمل الجميع أمر أساسي، ولا بد من التوسع في تحقيق الازدهار وخلق الفرص، لتشمل المجتمعات والمجموعات ضعيفة التحصين، خصوصا الشباب.

وقال إن هناك حاجة أيضا لالتزام دولي بتخفيف المعاناة في مناطق الأزمات ودعم الحلول السياسية التي تعزز الوحدة الوطنية لبناء مستقبل مستقر. فاللاجئون والدول المضيفة لهم بحاجة إلى دعم عالمي، يبعث برسالة حاسمة مفادها أن المحتاجين والمحرومين من الناس لم يُتركوا وحدهم، وأننا جميعا جيران نحسن إلى بعضنا البعض.

وصايا الأديان

وتساءل العاهل الهاشمي: لماذا نبذل هذه الجهود؟ ولماذا نعمل من أجل تحقيق السلام والعدالة؟ الجواب بسيط: إذ أن من واجبنا الالتزام بوصيتين من وصايا الأديان: أن تحب الله، وتحب جارك. وهذا هو أساس حفظ كرامة البشر بلا استثناء، والتسامح، والتعايش، وصدق الإيمان.

من منا يحب جاره حقا؟ ومن منا يتجاوز الخلاف والاختلاف ويتقبل الآخر ويحبه؟ ومن منا يضع محبة الله فوق كل اعتبار؟

وقال الملك عبدالله الثاني: يعلم المسلمون في جميع أنحاء العالم علم اليقين أن ديننا في حقيقته وجوهره لا يحض على العنف أو الكراهية ولا يقبلهما، بل إن من أسماء الله الحسنى في الإسلام الرحمن والرحيم، وتحيتنا السلام عليكم - وهي دعاء بأن ينعم من نخاطبه بالسلام.

ما هو الخطأ

وأكد أن ديننا يعلمنا ما هو الخطأ. فمن الخطأ إهانة وعدم احترام الدين. ومن الخطأ التمييز ضد الآخرين واضطهادهم. ومن الخطأ تدنيس أماكن العبادة. ولكننا نتعلم من ديننا أيضا ما هو صواب. فمن الصواب أن نحترم وندعم بعضنا البعض، وأن نرأف بالآخرين ونعطف عليهم، وأن نعمل معا من أجل خير الجميع.

وختم العاهل الهاشمي: "وهذه قيم مشتركة بين ديني الإسلام وأديانكم. وعلينا الآن أن نترجمها كي تصبح جزءا من حياتنا اليومية ومسؤوليتنا الأخلاقية نحو مجتمعاتنا، وأنتم كقادة دينيين لكم دور حاسم في تبيان طريق الحق... ووقاية العالم من شرور العنف والانقسام".