بعد سيطرة داعش على ثلاث محافظات تسهم بثلث انتاج البلاد من الحبوب، باتت الحكومة تعاني عجزا في توفير امدادات الغذاء المطلوبة، الأمر الذي اصبح يشكل تهديدا للأمن الغذائي في البلاد.

لندن: تبعد مزرعة محمود السيد جنوب بغداد، مئات الكيلومترات عن أقرب جبهة في الحرب مع تنظيم "داعش"، ولكنها أصبحت طرفاً لا غنى عنه في المجهود الحربي العراقي، إذ تراهن الحكومة العراقية على مزارع مثل هذه، لسد العجز الكبير في إمدادات الغذاء المطلوبة، لإطعام العراقيين بعد سيطرة داعش على ثلاث محافظات تسهم بثلث انتاج البلاد من الحبوب. &
&
تهديد خطير
وعندما قرر السيد ان يزرع 80 في المئة فقط من أرضه بسبب أزمة الماء، وصعوبة الحصول على البذور، توسل به المسؤولون ان يعدل عن قراره ويزرع أرضه بكل طاقتها الانتاجية.&
فالمزرعة الواقعة على بعد نحو 50 كلم جنوب بغداد في محافظة واسط تمثل اليوم تحدياً أمنياً جديداً لحكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، التي تواجه نقصاً في إمدادات الغذاء، بسبب سيطرة داعش على أراض زراعية شاسعة من جهة وانخفاض موارد العراق المالية من الجهة الأخرى. ويؤكد هذا الوضع أن تداعيات سيطرة داعش على نحو ربع مساحة العراق، تتعدى حدود خلافته لتشمل قوت الشعب العراقي بأكمله.
&
وحذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" من ان العراق يواجه تهديدات خطيرة في أمنه الغذائي بسبب نقص الأيدي العاملة، وانقطاع خطوط النقل ومشاكل التسويق التي تتضافر كلها، لتؤثر سلباً في مواسم الحصاد والانتاج المحلي. &وقالت المنظمة إن تردي الوضع الأمني يجعل حصول الفقراء والنازحين على الغذاء أكثر صعوبة، وهي مشكلة من المتوقع أن تزداد تفاقماً مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ضائقة مالية
وكان بمقدور الحكومة العراقية في السابق أن تسد النقص في إنتاج الحبوب بالاستيراد، ودفع ثمن ما تستورده من عائدات النفط. ولكن هبوط أسعار النفط تسبب بانخفاض عائدات الحكومة من تصديره، بنسبة يُقدر أن تصل إلى 40 في المئة هذا العام مع عجز في الميزانية يزيد على 20 مليار دولار. وما تبقى من الميزانية تلتهمه تكاليف الحرب.&
وتبدت آثار هذه الضائقة المالية في عجز الحكومة عن تسديد أثمان الحبوب التي اشترتها من مزارعين مثل السيد منذ موسم الحصاد في ايار (مايو) الماضي. ولا يتوقع المزارعون ان يستلموا مستحقاتهم من الحكومة في وقت قريب.
&
استقرار موقت
وبفضل دعم الدولة لأسعار الدقيق، ظل سعر رغيف الخبز مستقرا في المناطق الآمنة من العراق. ولكن خبراء اقتصاديين يقولون إن هذا الاستقرار&لن يدوم وان ارتفاع أسعار الأغذية أمر حتمي.&
وفي مناطق النزاع تشهد اسعار المواد الغذائية ارتفاعاً حاداً منذ فترة، لا سيما في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فان اسعار المواد الغذائية تزيد الآن بنسبة 58 في المئة في الأنبار على أسعارها في بغداد. &
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن رئيس اللجنة الزراعية في مجلس النواب العراقي فرات التميمي، قوله "ان الأسعار سترتفع في النهاية والمواطنين سيعانون بسبب ارتفاعها".&
&
المعاناة بدأت
ولكن معاناة كثير من العراقيين بدأت بالفعل، ويحتاج نحو 4.4 ملايين عراقي الآن إلى مساعدة من الأمم المتحدة فيما يعيش زهاء 30 في المئة من سكان العراق البالغ عددهم 35 مليوناً تحت خط الفقر. ويُقدر عدد النازحين واللاجئين داخل بلدهم بأكثر من 3.5 ملايين عراقي. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد مع تصاعد العمليات القتالية وخاصة في محافظة الأنبار.&
&
وتتمثل المفارقة القاسية في أن المحافظات الثلاث التي يسيطر عليها داعش، شهدت حصادًا وفيرا من الحبوب هذا الموسم، بسبب كثرة الأمطار في الشتاء، في حين أن المحافظات الجنوبية تخلفت عن مواكبتها بسبب شح الماء، واعتمادها على السقي بدلا من المطر.&
واجمالا انتج العراق هذا الموسم 4 ملايين طن من القمح بالمقارنة مع 3.5 ملايين طن العام الماضي.&
&
تقصير الحكومة
وقال الخبير الاقتصادي والمستشار في شؤون السياسات هادي فتح الله إن داعش نقل كميات من القمح إلى مناطق تحت سيطرته في سوريا. &
ولكن رئيس مجلس ناحية تاج الدين في محافظة واسط كاظم معن الزاملي، لفت إلى أن القطاع الزراعي، كان يعاني حتى قبل سيطرة داعش على مناطق من العراق بسبب تخلف أنظمة الري، وتقصير الحكومة في توزيع البذور والأسمدة والمبيدات على المزارعين.
وقال الزاملي لصحيفة وول ستريت جورنال "إن الحكومة لم تنفذ أي مشاريع جديدة لتحسين الانتاج أو منظومات الري"، مشيرا إلى ان غالبية شبكات الري موجودة من زمن السيطرة الاستعمارية البريطانية. &واضاف الزمالي "ان كل التركيز والموارد تذهب إلى الحرب التي لها الأولوية العليا".&
ولكن مسؤولين يؤكدون أنهم بذلوا جهودًا لتحديث الري في جنوب العراق لتحسين الإنتاج قبل هجوم داعش العام الماضي. وقال وكيل وزارة الزراعة مهدي ضمد القيسي "ان العراق كانت لديه خطة عام 2014 لتحقيق الاكتفاء الذاتي في انتاج الحبوب وخاصة القمح ولكن القدر كان لديه رأي آخر عندما سيطرت عصابات داعش".&
وكانت الحكومة تأخرت عن دفع مستحقات المزارع محمد السيد سبعة أشهر العام الماضي، حين اشترت منه محصوله البالغ 4000 طن. وهو يتوقع ان يكون التأخير أطول هذا العام. &وقال السيد انه ومزارعين آخرين يفكرون في ترك الزراعة لأنها لم تعد مجدية حيث الحكومة لا تدفع والماء لا يكفي. &&
ويحذر خبراء من أن أعداد الفقراء والنازحين والجياع في العراق سترتفع بوتائر حتى أشد حدة إذا هجر المزارعون أراضيهم بالجملة.&
&