ما زال سابقًا لأوانه شطب رئيس الوزراء العراقي باعتباره خادماً لإيران، لكنه يقوم بالحد الأدنى الضروري لمنع تدهور العلاقات مع واشنطن، بينما يلبي مطامع شركائه المدعومين من إيران.
إيلاف من بيروت: يقول ديفيد شينكر، وهو زميل أقدم في برنامج توب في معهد واشنطن ومدير برنامج السياسة العربية التابع للمعهد، إن في 16 يناير المنصرم، استضاف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني محادثات مع بريت ماكغورك، منسق مجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبعد فترة وجيزة أفادت بعض التقارير أنه استضاف قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني. بحسب شينكر، يسلط تعاقب هذين الاجتماعين الضوء على الميزان المتأرجح الذي لا يزال رئيس الوزراء الجديد يوازنه منذ ما يقرب من 100 يوم من بدء ولايته. ونظراً لأنه وصل إلى منصبه بدعم من الإئتلاف البرلماني المتحالف مع إيران الذي تديره الميليشيات والمعروف باسم الإطار التنسيقي، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان يلتزم بعراق مستقل تربطه علاقات قوية مع الولايات المتحدة أو يسير على خطى الكثيرين ممن سبقوه، وهو استرضاء واشنطن في الوقت الذي يعمل فيه على تموضع بغداد بصورة هادئة إلى جانب طهران. ويمكن القول إن المؤشرات الأولية ليست واعدة.
توزيع القوات الأميركية
يقول شينكر في مقالته: "منذ وفاة سلف قاآني السابق، قاسم سليماني، في يناير 2020، أصبح وجود القوات العسكرية الأميركية إلى حد ما بمثابة اختبار حقيقي للسياسيين العراقيين. ففي أعقاب العملية التي أودت بحياة سليماني وزعيم الميليشيا أبو مهدي المهندس أثناء لقائهما في بغداد، أصدر مجلس النواب قراراً غير ملزم طالب بالانسحاب الفوري للقوات الأميركية. وعلى الرغم من تقليص حجم الانتشار وتعزيزه وانتقاله شكلياً من دور قتالي إلى دور استشاري، إلّا أنه لا يزال هناك حوالي 2500 جندي أميركي على الأراضي العراقية. وليس من المستغرب أن تستمر بعض فصائل الإطار التنسيقي في معارضة هذا الوجود جهاراً". إلا أن السوداني يبدو حازماً بشأن هذه المسألة على الأقل. ففي مقابلة له في 15 يناير مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، دعا إلى استمرار وجود القوات الأميركية لضمان هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. وربما لا يُرضي السوداني شركاءه في التحالف بدعمه اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق التي تنص على وجود القوات الأميركية بناءً على طلب الحكومة العراقية".
مصطلحات خليجية
أرسلت الخارجية الإيرانية وفداً إلى بغداد في الذكرى الثالثة لمقتل سليماني، كان هدفها الضغط على السوداني لوصف القائد الراحل على أنه كان "ضيفاً رسمياً" وقت وفاته، وهي حيلة من شأنها أن تمنح طهران نفوذاً أكبر لشن حرب قانونية على واشنطن. كان هذا اختبارًا للسوداني الذي فهم أن الانصياع لطهران في هذا الشأن سيعقّد العلاقات مع الولايات المتحدة. يقول شينكر: "حتى الآن، أدان رئيس الوزراء عملية القتل المُستهدف لسليماني باعتبارها انتهاكاً صارخاً للأراضي العراقية والسيادة العراقية، لكنه لم يلب طلب طهران بالقول إنه كان ضيفاً رسمياً ولم يوافق رسمياً على إنشاء محكمة مشتركة مع إيران لتدويل القضية".
من ناحية أخرى، يتعاون السوداني مع مبادرة وزارة الخزانة الأميركية للحدّ من تهريب الدولارات إلى إيران، وقد ساعدت عمليات التهريب التي يتم معظمها على أيدي الميليشيات العراقية في دعم النظام الإيراني بينما أدّت إلى تقويض الاقتصاد العراقي. يلاحظ شينكر أن لهذا السبب، "يمكن السوداني أن يساعد تنفيذ قيود وزارة الخزانة الأميركية ذات الصلة في الحد من الفساد، وإنعاش القطاع المصرفي في العراق، ودعم الاقتصاد المحلي. وعلى الرغم من أن اتخاذ هذه الخطوة لا يحظى بشعبية لدى الكثير من شركاء السوداني في الائتلاف، فإنها لن تكلفه باهظاً على الصعيد السياسي إذ يمكنه أن يقول إن واشنطن أجبرته على ذلك. وحتى الإطار التنسيقي يدرك أن الولايات المتحدة تسدي الحكومة معروفاً بتحويلها نحو مليار دولار شهرياً من عائدات النفط العراقي من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى بغداد".
يضيف شينكر: "الأمر الأقل إثارة للجدل فهو الطلب المتجدد بأن تمتثل بغداد للمصطلحات الجغرافية الإيرانية. استضاف العراق كأس الخليج العربي للمرة الأولى منذ عام 1979. وكان تنظيم مباراة كرة القدم الأولى في المنطقة والفوز بها في نهاية المطاف لحظة فخر للعراق، إلا أن الخارجية الإيرانية لطخت الاحتفال برفعها شكوى وطلب اعتذار عن استخدام العراق مصطلح "الخليج العربي" خلال البطولة بدلاً من "الخليج الفارسي". إلا أن هذا الأمر لا يحظى بالأهمية لدى العراقيين، حتى لدى فصائل تحالف "الإطار التنسيقي" المدينة بالولاء لإيران، لذلك لا يجده السوداني أمراً ملحاً.
تعيينات وأعمال
أثار السوداني الجدل من خلال اختياره شخصين من تنظيم "عصائب أهل الحق" المصنف من قِبل الولايات المتحدة منظمة أجنبية إرهابية ليشغلا منصبي وزير التعليم العالي ورئيس الاتصالات في مكتبه الشخصي. وفي حين لم تكن هذه الخطوات موفقة، فإن خياراته للوزارات السيادية لم تثير مخاوف في واشنطن. مع ذلك، يرى منتقدو السوداني أن التعيينات الأخرى التي أُجريت منذ ذلك الحين "هي بمثابة دعائم لشركائه في التحالف الموالي لإيران"، بحسب شينكر.
على الصعيد الأمني، عيّن رئيس الوزراء مسؤولي "عصائب أهل الحق" في مناصب محورية في "جهاز المخابرات الوطني" العراقي، كما أعاد توظيف الكثير من ضباط المخابرات الذين تم فصلهم سابقاً والمنتسبين إلى الميليشيات المدعومة من إيران. وبعيداً عن التعيينات الفردية، كان السوداني قد نقل في أواخر العام الماضي إدارة شركة "المهندس" المملوكة للحكومة والممولة من قبلها إلى الميليشيات المدعومة من إيران، وهي خطوة قام نظيره السابق، مصطفى الكاظمي، بتأجيلها إلى أجل غير مسمى.
خاتمة
يختم شينكر مقالته بالقول: "واضح فعلاً أن السوداني يحاول الجمع بين الأمرين، ويبدو أن شركاءه في الإطار التنسيقي لا يمانعون هذا النهج حتى الآن. أما بالنسبة إلى الميليشيات، فإن القضية الأهم هي المحسوبية، التي يوزعها السوداني عليهم بعملة المناصب الحكومية العليا، تعقبها مكافآت في الميزانية. على سبيل المثال، أفاد بعض التقارير أن فائض الميزانية الناتج عن الارتفاع الأخير في أسعار النفط يُستخدم لتوظيف 300 ألف موظف حكومي إضافي، وهو توزيع هائل للمحسوبيات سيفيد بلا شك شركاء رئيس الوزراء في التحالف".
يضيف شينكر أخيرًا: "لا يزال من السابق لأوانه شطب السوداني باعتباره خادماً لإيران، إلا أنه يسلك مساراً مألوفاً للحكومات العراقية، حيث يقوم بالحد الأدنى الضروري لمنع تدهور العلاقات مع واشنطن بينما يلبي المطالب الشرهة لشركائه المدعومين من إيران".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "معهد واشنطن"
التعليقات