خاص - إيلاف: تستعد أروقة المحاكم في دولة خليجية لبدء محاكمة مدير عربي الجنسية، تولى إدارة فندق شهير تعود ملكيته الى شخصية خليجية مرموقة، لتطارده تهم سوء الائتمان والفساد واختلاس الأموال والمحسوبية.

القضية متشابكة الخيوط، وتبدو في حبكتها كفيلم مشوق، يجمع بين المال والسلطة وإغواء الشهرة. ويقبع المدير المتهم حالياً في أروقة السجون، حيث يقضي عقوبة مدتها ستة أشهر، ومعه المدير المالي في الشركة ذاتها ومهندس نظم المعلومات، وقد سجنوا بعدما أدينوا بتهم اختراق الحسابات البريدية لمالك الفندق وموظفين رئيسيين آخرين، وانتحال الصفة، وتزوير التواقيع لدعم مزاعم نقل إدارة الفندق الفاخر إلى شركة جديدة.

كما يواجه المدير اتهامات أخرى يأمل ملاك الفندق أن يصب حكم المحكمة النهائي فيها لصالحهم، وخصوصاً في غياب أي تفسير لمصير مبالغ طائلة تقدر بمئات الملايين لا يرد لها أي ذكر في الحسابات الرسمية للشركة.

في التفاصيل
بدأت جذور القضية في العام 2017، حين تطورت علاقة صداقة وزمالة بين المالك الرئيسي للفندق الشهير، وهو رجل أعمال خليجي من وجهاء المجتمع، وشاب عربي الجنسية، هو المدير المذكور موضع الاتهام. وتعمقت العلاقة بين الرجلين من خلال رحلات ولقاءات مستمرة مع مجموعة من أصدقاء المالك الرئيسي للفندق، إذ أظهر الصديق العربي حماسة للعمل لافتة للإعجاب، عمقت ثقة رجل الأعمال الخليجي به وأقنعته بتحميله مسؤوليات أكبر لاحقاً.

حرص الشاب العربي الطموح على تطوير علاقاته بالدائرة المقربة من رجل الأعمال الخليجي، وإبداء شغفه بإدارة مشاريع تجارية في قطاع الديكور، ثم لاحقاً في قطاع الضيافة، فنجح في لفت أنظار كل من حوله وكسب ثقة المالك الرئيسي للفندق ومستثمرين آخرين. وحين اكتملت التجهيزات، وصار الفندق الفاخر جاهزاً للتشغيل، قرر مجلس إدارة الشركة المشغلة تعيين الشاب العربي مديراً للفندق، وسط تحفظات بعض المدراء الذين اعتبروا القرار في غير محله، إذ أن الشاب يفتقر للخبرة العالمية في قطاع الضيافة ليكون قادراً على إدارة فندق فاخر في مدينة رئيسية يستقبل ضيوفاً عالميين، وبالتالي وجدوا أنه لا يملك الكفاءة المهنية اللازمة لتولي المهمة الحساسة والدقيقة لعلامة تجارية عالمية. إلا أنَّ مجلس إدارة الشركة التي تدير الفندق منح المدير الجديد فرصة التجربة، تشفع له علاقاته المؤثرة والجيدة مع الجميع.

لاحقاً وفي فترة متقدمة من العام 2017، تم تعيين الشاب الطموح في مجلس إدارة الشركة مالكة الحق في إدارة الفندق، وكانت هذه العضوية بادرة دعم وتشجيع من ملاك الفندق للمدير الشاب الذي كان يبدي ولاءً وإخلاصاً وتفانياً في عمله.

عملية مدروسة
بحلول العام 2021، شرع المدير الطموح بتنفيذ ما يبدو وكأنه عملية مدروسة للاستيلاء على الفندق، مستفيداً من تداعيات جائحة كورونا التي أوقعت الشركة المشغلة في تعثر مالي، خصوصاً أن الجائحة عطلت تماماً قطاع السفر، وأقفلت أبواب المؤسسات السياحية على اختلافها، وأبرزها الفنادق. وفيما كانت الشركة المشغلة تتفاوض مع المصارف للحصول على تمويل عاجل يخرجها من أزمتها المالية، كان المدير الطموح_ بحسب التهم المساقة ضده_ يتآمر مع محامي الشركة، ويواجه بدوره اتهامات بالضلوع في الاستيلاء على الفندق.

تلميع وترويج
لم يوفر المدير أي فرصة ممكنة لتلميع صورته، فاستخدم بكثافة وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لنفسه كأحد أبرز الوجوه في الفندق الفاخر، مستفيداً من شهرة الفندق الذي يحمل علامة مصمم أزياء عالمي شهير. وكثف المدير حملة الترويج لنفسه عبر استضافة حفلات وفعاليات في الفندق، ودعوة مشاهير الساحة الفنية في العالم العربي وتقديم إقامات باذخة ومجانية لهم، مما ساعده على بناء صورة محترمة وذات نفوذ في الأوساط كافة.

ويبدو أن المدير الطموح وقع فريسة أضواء الشهرة التي دأب على تسليطها حول شخصه، وبدأ يقدم نفسه على أنه أحد وجهاء المجتمع ونجومه اللامعين. وكانت الأضواء تزيد من غروره، لا سيما بعدما زاد عدد متابعيه على إنستغرام عن مليوني شخص، فواظب على نشر فيديوهات وصور يلتقطها عند مدخل الفندق الفاخر برفقة مشاهير الوسط الفني العربي، وكلما زاد عدد المتحلقين حوله زاد هوسه بالنجومية على ما يساق من اتهامات إليه، فأصبح يركز على نشر صور وفيديوهات له مع عائلته، تظهره في رحلات على متن طائرة خاصة، أو مستقلاً سيارة فارهة في شوارع المدينة المضيئة والدائمة السهر. وقد تبين لاحقاً أن هذه السيارات مسجلة باسم الفندق الفاخر، ومدفوع ثمنها من الميزانية التشغيلية.

في هذه الأثناء، بدأ ملاك الفندق يتوجسون ريبة من سلوك المدير، وخصوصاً بعد تجاهله المستمر لرسائلهم واتصالاتهم. حاول الملاك التواصل مع المحامي والمحاسب المعينين في الشركة لطلب بيانات مالية جرت العادة على تسليمها، فكانت المفاجأة في تجاهل أولئك أيضاً الرد على الاتصالات والرسائل، معللين ذلك بأنهم ينفذون توجيهات صارمة من المدير، يحظر تواصل موظفي الفندق - وخصوصاً العاملين في المحاسبة والشؤون المالية - مع أي من الملاك وبشكل خاص المالك الرئيسي.

شكوك
وما هي إلا أسابيع قصيرة حتى بدأت فصول القضية تتكشف لملاك الفندق، الذين وجدوا أنفسهم أمام ما يظهر وكأنه خطة محكمة للاستيلاء على الفندق، ما دفع بهم إلى تكليف فريق من المحامين، لتتبين قائمة من الإدعاءات التي ينظر فيها القضاء وبينها:

أولاً: إنكار الكفالة الثابتة بموجب عقد الكفالة المبرم بين مدير الفندق والشركة المشغلة، والتي كان المدير الطموح يحمل منها ما نسبته %51 نيابة عن المساهمين الذين وضعوا ثقتهم فيه.

ثانياً: تزوير تواقيع مدراء ماليين في الشركة الأم التي تملك حق إدارة الفندق مع تواطؤ من بعض الموظفين في الشركة الأم لنقل حق إدارة الفندق الى شركة جديدة يمتلك فيها المدير الطموح ما نسبته 80%، ويتشابه اسمها إلى حد كبير مع اسم الشركة الأم مع اختلاف طفيف في بعض الحروف لضمان صدور رخصة جديدة لإدارة الفندق.

ثالثاً: اختراق الحسابات البريدية للمدقق المالي وبعض المسؤولين في أكثر من شركة تابعة لملاك الفندق، وإرسال رسائل بريدية منها بأسماء أصحابها تؤكد موافقتهم على حق نقل إدارة الفندق للشركة الجديدة مع إنكار أي ديون لهذه الشركات عند الفندق.

رابعاً: الاستيلاء على عائدات الفندق وتحويلها الى الشركة الجديدة التي أسسها المدير الطموح سراً، من دون علم أو موافقة أي من ملاك الفندق، حيث منح نفسه في الشركة الجديدة 80% من أسهمها من خلال دعوى قضائية رفعها على نفسه وبمعاونة محامي الشركة الذي يواجه حالياً تهمة قضائية بالتواطؤ الجنائي.

خامساً: استغفال الملاك لاستغلال كونه مخولاً بالتوقيع في الشركة الأولى (التي كانت تمتلك حق إدارة الفندق)، لنقل ملكية المتاجر التابعة للفندق والمملوكة للشركة الأم الى الشركة الجديدة التي يمتلك فيها حصة الأسد دون دفع أي مبلغ للشركة الأم.

سادساً: الاستيلاء على مبالغ إجمالية تصل قيمتها إلى 250 مليون درهم من أموال الشركة واختفاء أي أثر لهذا المبلغ أو كيفية التصرف بها.

أحكام
وإلى الآن، أصدر القضاء حكماً بالسجن بحق كل من مدير الفندق والمدير المالي ومهندس نظم المعلومات، يقضون بموجبه ستة أشهر في السجن، بعد ثبوت تهمة الاختراق غير المشروع للحسابات البريدية لبعض موظفي الفندق وشركات أخرى تتبع للمالك الرئيسي، وتزوير رسائل إلكترونية وتواقيع ورسائل تدعم مطلب مدير الفندق بمشروعية نقل إدارة الفندق الى الشركة الجديدة التي يملك 80% من أسهمها.

ويبدو أن المدير الطموح استبق الحكم القضائي بحقه، وأعطى زوجته وكالة تفوضها إدارة الفندق في غيابه، كما وظف عدداً من أقاربه في مناصب بالشركة الجديدة المشغلة للفندق.

ويأمل المالك الرئيسي للفندق ومستثمرون آخرون بكسب الدعوى القضائية واستعادة حق إدارة الفندق، كما يطالبون استعادة مبلغ غير مبرر في حسابات الشركة وقدره 250 مليون درهم.