افيغدور ليبرمان
أسامة العيسة من القدس : وسط الأزمة السياسية في إسرائيل التي أعقبت الحرب على لبنان، والمطالبات بالتحقيق في مجريات الحرب، لفت افيغدور ليبرمان، زعيم حركة إسرائيل بيتنا، انتباه الصحافيين، وعدسات المصورين عندما دخل إلى الكنيست، قبل أسبوعين، وهي يرتدي طقما رياضيا مكون من قميص نصف كم وسروال قصير، ولكنه الان يثير الاهتمام باعتباره الشخص المنقذ لرئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت.

ويسعى اولمرت لضم ليبرمان إلى الائتلاف الحكومي، في رسالة واضحة لخصومه السياسيين الذين تفاءلوا بقرب إجراء انتخابات مبكرة، على خلفية الأزمات التي تعاني منها حكومة اولمرت بعد الحرب الأخيرة على لبنان، وليقول لهم بان حكومته باقية على صدورهم. وتعكس صورة ليبرمان بالطقم الرياضي القصير، صورته كسياسي غير تقليدي في إسرائيل، يوصف في أحيان كثيرة كأزعر، وهو وصف يجد مسوغات كثيرة لدى مطلقيه، من تصرفات ليبرمان المحسوب على معسكر التطرف اليميني في إسرائيل، ولدى الفئات الأكثر تطرفا بين المهاجرين الروس الجدد.

ولد ليبرمان بتاريخ 5 حزيران (يونيو) 1958 في الاتحاد السوفييتي سابقا، وهاجر إلى إسرائيل في عام 1978، وحصل على البكالوريوس في العلوم الاجتماعية من الجامعة العبرية في القدس، وخدم في الجيش الإسرائيلي برتبة عريف، وعرف عنه نشاطه وسط المهاجرين الروس، بل انه مؤسس بارز لما يسمى (المنتدى الصهيوني) الذي كان إحدى المنظمات التي عبرت عن المهاجرين الجدد إلى إسرائيل.

وانتسب ليبرمان لحزب الليكود اليميني، ولكن أفكاره اليمينية كانت اكثر تطرفا من حزب الليكود، فأسس في عام 1999 حزب (يسرائيل بيتنو) أي إسرائيل بيتنا، واصبح حليفا لرحبعام زئيفي، وزير السياحة الإسرائيلي الأسبق الذي اغتالته مجموعة تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وإذا كان سياسيو إسرائيل ووسائل الإعلام كانوا يعرفون بعض تصرفات ليبرمان في الكنيست والحياة السياسية الداخلية، التي رسخت صورته كأزعر نزق لا يلق بالا لأية اعتبارات فان أولاد عرب التعامرة شرق بيت لحم، خبروا تصرفاته التي يصفونها بالعدوانية اكثر من غيرهم، فليبرمان، الذي يؤيد طرد العرب ويؤمن بما يسميه إسرائيل الكبرى، يسكن في مستوطنة تدعى (نوكديم) أقيمت على أراض صودرت من أصحابها الفلسطينيين، وشوهد ليبرمان اكثر من مرة، وهو ينزل من سيارته يلاحق الصبية الفلسطينيين الذين ينصبون الكمائن البدائية للمستوطنين ومن بينهم ليبرمان ويرشقون سياراتهم بالحجارة، وفي كل مرة ترشق سيارة ليبرمان بحجارة الصبية الفلسطينيين، كان ينزل منها شاهرا مسدسه مطلقا النار على الصبية، الذين يجيدون الاختباء في أرضهم التي خبروها جيدا، بينما يضطر ليبرمان العودة صاغرا إلى سيارته متلفتا حوله وهو ينفخ الهواء.

واصبح ليبرمان وزيرا في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارئيل شارون، بعد اغتيال زئيفي، واستغل وجوده في الحكومة، لأخذ موافقة لشق شوارع استيطانية في المنطقة التي يسكن بها، واكثر من هذا استغل مشاعر المستوطنين بعد اغتيال زئيفي، فقادهم للسيطرة على قطعة ارض أسس عليها مستوطنة اسماها باسم (رحبعام زئيفي).

ولاحقت الفضائح المالية ليبرمان أثناء وجوده في حكومة شارون، التي خرج منها، وكان هناك من توقع بان ذلك سيكون نهاية ليبرمان السياسية، ولكن هؤلاء كانوا اكثر المتفاجئين عندما نجح حزب ليبرمان في الحصول على 11 مقعدا في الكنيست، في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية التي جرت في شهر آذار (مارس) الماضي، واعتبر هذا النجاح الكبير لليبرمان إحدى مفاجآت الانتخابات.

ولم يوافق ليبرمان على الدخول للحكومة، لأنه يعارض برنامجها السياسي الذي أعلنته، وخصوصا فيما يتعلق بخطة الانسحاب أحادى الجانب من الضفة الغربية، ولكنه وجد نفسه خلال الحرب الأخيرة على لبنان يقترب من الحكومة، ولعب خلال هذه الحرب دور المشجع والمحرض، ولكن بعد انتهائها تمسك بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في مجرياتها، وهي إحدى الشروط التي أعلن عنها ليبرمان للموافقة للانضمام للحكومة.

ولم يكن هذا الشرط هو الوحيد مثار الخلاف مع اولمرت والائتلاف الحاكم، فليبرمان يريد تشريع قانون لتغيير نظام الحكم في إسرائيل، وتشريع أخر يبيح الزواج المدني وهو ما يعارضه بشدة حزب شاس المشارك في الائتلاف، ويشترط ليبرمان أيضا إلغاء الانسحابات أحادية الجانب وقف عمليات إخلاء ما يطلق عليها النقاط الاستيطانية العشوائية.

وفي بداية الحديث عن انضمام ليبرمان للائتلاف الحكومي، اعتبرت شروط ليبرمان بأنها بمثابة شروط مستحيلة، ولكن يبدو أنها لن تكون كذلك، مع التأكيدات بنجاح المفاوضات لدخول ليبرمان للحكومة، وربما سيتم التغاضي عن هذه الشروط مقابل المنصب الذي سيمنحه اولمرت لليبرمان وهو وزير الاستخبارات والشؤون الخارجية، الذي يتم استحداثه في إسرائيل.

وتواجه الإمكانية المفترضة لضم ليبرمان للحكومة، اعتراضات وتساؤلات لأطراف سياسية كثيرة، فحزب العمل الذي يقدم نفسه كحزب يساري، يجد نفسه محرجا أمام جمهوره، عندما يقبل الاستمرار في حكومة تضم ليبرمان، في حين أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تحاول أيضا ثني ليبرمان عن الانضمام للحكومة باعتبار انه يقفز إلى سفينة على وشك الغرق، حسب تعبير عضو الكنيست اليميني إسرائيل كاتس، وهو ما يجب أن يجعل الأزعر الروسي يفكر كثيرا قبل الإقدام على خطوة قد تكلفه جماهيريته وسط المعسكر اليميني.