أسامة العيسة من القدس

مقر صحيفة الاتحاد
مساء اليوم سيشيع سكان مدينة حيفا الساحلية، جثماني حنا حمام (62 عاما)، ولبيبة مزاوي ( 69 عاما)، اللذين قتلا امس، فيما اعتبر اصعب يوم تشهده مدينة حيفا بعد سقوط صواريخ الكاتيوشا على حي وادي النسناس في المدينة، الذي تسكنه أغلبية عربية.

وقال إدوارد حمام ابن الفقيد حنا لايلاف بان جثماني الفقيدين، اسجيا في كنيسة مار الياس للروم الكاثوليك في المدينة، لالقاء النظرة الأخيرة عليهما، وستتم في وقت لاحق إقامة صلاة الجنازة عليهما، ويتوقع دفنهما في مسيرة حاشدة.

وفجع الفلسطينيون الذين يقطنون حيفا بمقتل اثنين منهما، وحمل ناطقون باسمهم الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن سقوط المزيد من العرب داخل إسرائيل بسبب العدوان الذي تشنه على لبنان.

وقال إدوارد حمام بان المصاب كبير، ولكن وقوف سكان المدينة معه في مصابه خفف من ذلك، مؤكدا على أهمية وقف هذه الحرب فورا التي تأخذ معها الكثير من الأبرياء.

ويعتبر وادي النسناس أحد أهم أحياء المدينة القديمة في حيفا، الذي يعتبر شاهدا على صمود سكان المدينة العرب عام 1948، وتمسكهم بأرضهم ورفضهم للنزوح عنها.

ويسكن في الحي أيضا عائلات يهودية فقيرة، ومن بينهم يهود قدموا من بلدان عربية كالعراق، كانوا متأثرين بالفكر اليساري، فسكنوا في حي وادي النسناس، الذي اعتبر معقلا للشيوعيين الفلسطينيين، الذين برز منهم الروائي أميل حبيبي الذي أصر على أن يدفن في مدينة حيفا ووضع شاهد على قبره كتب عليه quot;باق في حيفاquot;، والسياسي توفيق طوبي، والمؤرخ الراحل أميل توما.

ومن بين الذين سكنوا الحي من اليهود العرب الروائي الإسرائيلي المرشح لجائزة نوبل سامي ميخائيل، الذي غادر الحي لاحقا بعد أن غير اسمه الأصلي إلى اسمه الحالي.

وأدى القصف أمس إلى تدمير بناية تاريخية مهمة في شارع الحريري في وادي النسناس هي مقر صحيفة الاتحاد القديمة، التي صدرت في حيفا عام 1946، كناطقة باسم النقابات العمالية ثم عصبة التحرر الوطني الفلسطيني التي كانت الإطار الممثل للشيوعيين الفلسطينيين، وبعد قيام دولة إسرائيل، وتشتت الشعب الفلسطيني، انضم من بقي من أعضاء هذه العصبة إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وأصبحت صحيفة الاتحاد ناطقة باسم هذا الحزب باللغة العربية، وواصلت صدورها بدون توقف حتى الان.

وعمل في هذا الصحيفة وفي هذه البناية، كتاب اصبحوا مشهورين فيما بعد مثل محمود درويش، وتوفيق زياد، وسالم جبران، وعلي عاشور، وصليبا خميس، ومحمد نفاع، وحنا إبراهيم، ومعظم المثقفين الفلسطينيين في إسرائيل، الذين امضوا سنوات من أعمارهم في هذه البناية.

وقال الدكتور احمد سعد رئيس تحرير صحيفة الاتحاد، عن البناية التاريخية التي تعرضت للقصف بان quot;هذه البناية ليست بناية عادية، فهي فضلا عن كونها المقر التاريخي لصحيفتنا العريقة، هي أيضًا أرشيف شعبنا وجماهيرنا العربية وطبقتنا العاملة وحركتنا الشيوعية في هذه البلادquot;.

وقال سعد بأنه يوجد في البناية أرشيف الاتحاد الذي هو في الواقع أرشيف الشعب الفلسطيني، واشار إلى انه تحدث مع رئيس بلدية المدينة صباح اليوم الاثنين كي لا تبدا طواقم البلدية بنقل أنقاض البناية، حتى يتم إنقاذ الأرشيف.

واشار سعد بان كثيرا من الشبان المتطوعين ابدوا اهتماما واستعدادا للقيام بمهمة إنقاذ أرشيف الاتحاد، ونقله إلى موقع جديد.

ونوه سعد إلى انه لا يعرف إلى أي مدى ستنجح عملية نقل الأرشيف، ولكنها خطوة لا بد منها.

وقال سعد وهو أيضا الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي quot;إنّ ما حدث بالأمس إنما يزيد موقفنا، حزبًا وجبهةً وصحيفةً، صلابة ضدّ هذه الحرب الإسرائيلية الأميركية العدوانية على لبنان، وضرورة الوقف الفوري والشامل لإطلاق النارquot;.

وندد سعد بما وصفها سياسة التمييز الممنهج التي تمارسها حكومات إسرائيل المتعاقبة ضد السكان العرب، الذين سقط من بينهم العديد في هذه الحرب بسبب عدم وجود أماكن للحماية مثل الوسط اليهودي.

ويعيش معظم العرب في ما يسمى حيفا القديمة أو السفلى، بينما يستوطن اليهود جبل الكرمل المطل على المدينة، التي تعتبر من أهم الموانئ في إسرائيل الان.

وتكتسب حيفا مكانة مهمة في الذاكرة العربية الفلسطينية، وكانت قبل نحو قرن ونصف عبارة عن بلدة صغيرة على شاطئ المتوسط، ولكنها تطورت بسرعة، لتتنافس شقيقتها يافا على لقب عروس البحر.

وتتصف المدينة بطابعها الكوزمبلوتي، ففيها تعيش عدة طوائف، وعلى جبل الكرمل يوجد المقر الرئيسي لطائفة البهائيين، وعدة قرى درزية، بالإضافة إلى مقر الطائفة الاحمدية في حي الكبابير على جبل الكرمل، وهم جميعا من الفلسطينيين، الذين تحولوا إلى الطائفة الاحمدية، ويوجد أيضا محفل ماسوني، بالإضافة إلى كنائس لمختلف الطوائف المسيحية.

وتتميز العلاقات بين السكان في حيفا بالدفيء، وتعتبر مهمة للوسط العربي في إسرائيل، وتأتى في المرتبة الثانية من حيث الأهمية لهذا الوسط بعد مدينة الناصرة.